رجلٌ لم يتجاوز الخامسة والأربعين من عمره، لا تزال الدنيا تفتح له أبوابها، لكنّه رفض الولوج فيها، إنه ابن عائلة إسلامية محافظة و مقاوِمة، ارتبط بالدعوة إلى الله مبكرا واستقام على الطريقة، ولأنه من مدرسة الإيمان والوعي والثورة، وكان هدفه واضحاً هو تحرير فلسطين وغايته القصوى ابتغاء وجه الله، تقدم الصفوف في مواجهة الاحتلال، شارك أبناء شعبه الانتفاضات والمظاهرات رفضاً للاحتلال وجرائمه ولم يترك منبراً إلا وصوته يصدح بالتحريض على مقاومة الاحتلال، رافق المقاومين في خنادقهم، وتعرض للاغتيال من جيش الاحتلال وأعوانه، وخاض تجربة الاعتقال بما مجموعه ثمان سنوات، أُعتقل إدارياً خمس مرات وهو (اعتقال بلا تهمة مارسه الاحتلال البريطاني لفلسطين في بداية القرن الماضي ضد الثوار وأعاد تطبيقه الاحتلال الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطينى من جديد) وخاض معركة الإضراب عن الطعام رفضاً للاعتقال الإداري باعتباره جريمة بحق الإنسانية وترفضه المواثيق الدولية، سلاحه فيها أمعاؤه وجوعه وعطشه وإرادته، فانتصر في خمس جولات منها على الجلاد الصهيوني، وأُجبر حينها الاحتلال بالإفراج عنه، وفي المرة السادسة خاض معركة الإضراب عن الطعام من أول لحظة في اعتقاله كما كان دائماً يهدد الاحتلال ويعلن ذلك على الملأ (عند أي لحظة اعتقال سأبدأ المعركة) وكما عرفناه شيخاً صادقاً وعنيداً وصلباً، فعلاً بدأ الإضراب فما كان من الاحتلال هذه المرة إلا توجيه لائحة اتهام ضد الشيخ خضر لعل ذلك يثنيه عن إضرابه، ومن يقرأ لائحة الاتهام الموجهة ضده يجد أنها اتهامات صورية حول مشاركاته في استقبال الأسرى المحررين، أو مشاركاته في بيوت عزاء الشهداء أو زيارات لعوائل الأسرى والشهداء والجرحى، وهذه يقوم بها العامة من الناس دون اعتقال، لذا صمم الشيخ القائد خضر عدنان بالاستمرار في إضرابه حتى يتم الإفراج عنه، ورغم تعنت الاحتلال وتأجيله للمحكمة مرة ومرة ومرة إلا أن سيد الموقف كان عناد الشيخ خضر ورفضه لاعتقاله التعسفي وتهديداته للاحتلال بالاستمرار في خوض معركة الكرامة، واعتبر أن أي تراجع عن الاضراب بدون نيل حريته هو انكسار لكرامته كما أخبر زوجته أم عبد الرحمن التي رافقته في كل لحظات المعركة.
ستة وثمانون يوماً قاسية بدون مدعمات ولا أكل ولا شرب ولا علاج. إنه شموخ الجبال وصلابة الأبطال، تآكلَ الجسد وأصبح الشيخ هيكلاً عظمياً وكل لحظة تمر عليه إيذاناً بالموت لا محالة، لكنه فضل الموت بكرامة على العيش بذلة ومهانة، وكان شعاره في رسالته الأخيرة إلى أهله الآية الكريمة "ولن يجعلَ الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً" ، لقد خَطّ معالم المعركة من بداياتها حتى النهاية التي هي إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة . إنها فريضة الجهاد ذروة سنام الإسلام، والمنطلق الحقيقي نحو تحرير القدس والأقصى وفلسطين، لقد لبى نداء الواجب المقدس، انتصر في معركة الإضراب عن الطعام في خمس جولات سابقة على الجلاد الصهيوني، وفي السادسة نال الشهادة، التي هو طالبها النجيب، والتي يتمناها كل مجاهد مخلص صادق لا تستهويه زخارف الدنيا وزينتها "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه". إنها نماذج رسالية يجب أن تبقى حاضرة في كل محطاتنا النضالية.
لقد أرهق الشيخ خضر الاحتلال وهو حىٌّ بيننا وأربك حساباته، لأنه كان صوت المقاومة الحر الأبي الذى لا يعرف التردد والنكوص وهو يصول ويجول يحمل مشعل المقاومة مكبراً مهللاً محفزاً محرضاً كتائب المقاومة موحداً لصفوفها رافضاً لاتفاقات التسوية مع الاحتلال مستنكراً جريمة التطبيع معه، كما أنه أقض مضاجع الاحتلال بعد شهادته عندما خرجت صواريخ غزة تزمجر غضباً وتضرب مستوطناته وانطلق الشعب الفلسطيني من رفح حتى جنين، وفي مخيمات الشتات، وخرج أحرار العالم في كل مكان يهتفون باسمه قائداً أممياً ثورياً جهادياً مدافعاً عن إنسانية الانسان دفاعه عن قضيته المقدسة فلسطين .. فما أحوجنا إلى أمثال أبي عبد الرحمن الشهيد القائد خضر عدنان ليتحقق الانتصار وتحرير فلسطين....
