في السّياسة هناك مقولة تُقال: العالم ليس ساكناً، العالم متحرك وكلٌ في فلك السّياسة يسبحون، ولو جلس أحدهم في بيته وبقي في سريره دون حركة فإنه حتماً سيتعرض للأمراض، وكذلك لو الدول ما تحركت في السّياسة (بغض النظر ما إذا كانت دول تابعة أم لا) فإنها ستتعرض للتراجع، وعادةً يوجد حد أدنى للتحرك في السّياسة، ولو بقيت أي دولة في حالة سكون ولم تلبي متطلبات هذا الحد الأدنى فإنها حتما ستتراجع، وحينها لا يمكن إعتبار سكونها موقف سياسي.
لو توقفت الشّمس عن الحركة فإن الجسم الأكبر منها سيسحبها، ولو توقفت الأرض عن الحركة فإن الشّمس ستسحبها، لذلك كما يقولون في الحركة بركة، ولا يمكن وضع الدول في قوالب ثم يتم إغلاقها، حتى البشر يتغيرون، ومن الممكن لقسّيس أن يُسلٍم ثم يُصبح في الدّين أفضل من الكثيرين، وممكن مُسلِم كان يُصلي ويصوم ثم في النهاية يتغير إلى قسّيس، وكذلك الدول ممكن دولة تكون تابعة وعميلة ثم تتغير لدولة غير تابعة، وممكن دولة غير تابعة تصبح عميلة، وإنّ الختم على سياسة دولة "ما" بأنها ستكون كما هي إلى أبد الآبدين، هذا الكلام لا يُصرف في السياسة، فالعالم يتغير، الخائن يزداد خيانة، وغير الخائن يُصبح خائن، والخائن يتوب، وقوة تصعد، وقوة تهبط، والموظِّف يصبح موظَّف، والموظَّف يصبح موظِّف، هناك مقولة كانت تقال: "إسرائيل" قاعدة أمريكية متقدمة، والقارئ للسّياسة الصهيونية قديماً يرى الفارق في طموح "إسرائيل" القديم والحالي، وبعيداً عن فكرة زرع هذا الكيان وسط العالم العربي وأهدافه، لكن كانت النظرة لليهود "أمريكياً وبريطانياً" على أنهم مجموعة من المساكين يحتاجون إلى بلدٍ يُؤويهم، وعندما كان هيرتسل يتكلم مع الرئيس الأمريكي أو رئيس وزراء بريطانيا آنذاك كان يتكلم بلغة المُستجدي ولغة مليئة بالأدب الجمّ والإستعطاف، فهل لغة "الإسرائيلي" الآن مع بايدن أو مع رئيس وزراء بريطانيا هي ذات اللغة؟! بالتأكيد تغيّرت، والنبرة في اللغة أصبحت أعلى وليس فيها أدب جمّ أو إستجداء، لأن العالم يتغير، حتى أن "إسرائيل" صارت تتجسّس على الأمريكان أنفسهم، حتى على نطاق المجتمع الفلسطيني فلم يكن أحد يجرؤ للحديث عن قرار 242 لأن ذلك سيضعه في دائرة العمالة وربما القتل، لكن الآن هناك من يتحدث على الإعلام ويذكر القرار.
إبنك ليس أنت، بنتك ليست أمها، ومهما كانت التربية تؤثر فإنها لن تكون كما أمها أو يكون الإبن كما أبيه، فالإبن يرى بأبيه مثلاً أعلى لكنه لديه أيضا حياته وخصوصيته لذلك لن يعيش الإبن في جلباب أبيه مدى الحياة، ربما الأب يكون عقله كبير وأفضل من الإبن وطموحه مختلف عن طموح الإبن، وممكن يكون الإبن عقله أكبر من أبيه، لكن حتما لن يحملا نفس العقل ونفس الطموح ونفس التفكير، هذا على مستوى حركة الأفراد فما بالك على مستوى حركة المجتمعات والدول.
لذلك إن وضع القدم فوق القدم ثم الجلوس على رؤية تاريخية وإعتماد تصنيف أبدي للدول، هذا غير مفيد سياسياً، المطلوب هو متابعة ومراقبة التغيرات والحركة السّياسية للدول بمنظار حاد ومنهجية علمية سليمة.