بهدوء تام وضعت والدة (زين الدين) و(آدم) يدها على أكتاف أطفالها الصغار علها تمنحهم الطمأنينة والسكينة؛ ليتسلل النوم إلى عيونهم المتعبة والمرهقة، بعد ساعات من العدوان الإسرائيلي المستمر ضد قطاع غزة، وقبل أن تنسدل جفون زين الدين في تلك الليلة تحرك لسانه بشكل لا إرادي قائلًا: "أريد سرير نوم كغيري من أطفال العالم".
حَمَلَت والدة زين الدين (7 أعوام) حُلم طفلها إلى والده رامي المصري الذي أبلغها عن نيته شراء أسِّرَةٍ لأطفاله الصغار، دقائق قليلة مرت على الهدوء الذي ساد المنزل، الجميع هنا كان يحاول الحصول على قسط من الراحة، حتى (رامي) الذي وضع جسده على الفراش كادت عيناه أن تغفل في نوم عميق؛ لكن فجأة ارتفعت أصوات جنونية خارج المنزل.
قفز رامي مفزوعًا من فراشه، فقد اتسعت حدقة عينه، وارتج جسده، ذهب يمينًا ثم يسارًا وعاد مرة أخرى إلى اليمين في مشهد مربك جدًا، ولسان حاله يقول :"ماذا أفعل؟ أين أتجه؟ ماذا يحصل؟" حتى قادته قدماه إلى النافذة المطلة على الشارع هنا توقف قلبه، وبدأ يستمع لصوت الجيران: "أبو رامي اخلي البيت بسرعة، تكررت تلك الكلمات كثيرًا في ثوانِ معدودة، أخرج الأطفال والنساء بسرعة قبل ما يقصفوا البيت".
" يقصفون البيت! من هم؟ ولماذا؟"، لم يكن هناك وقت للإجابة على تلك الأسئلة فالوقت يمر كالسيف، فقد أسرع رامي صوب زوجته وأطفاله الصغار، يا الله "الكل نائم! لكن ما باليد حيلة"، تمهل رامي في إيقاظ أطفاله قليلًا؛ فهو لا يريد أن يصيبهم بالرعب والخوف والذعر، لا سيما أنه سمع عن استشهاد طفل من شدة الخوف لدى سماعه صوت قصف إسرائيلي على قطاع غزة.
أمسك رامي بطفله زين الدين، وبشكل خاطف سريع وضعه في حضنه ثم هرول مسرعًا خارج المنزل، وأثناء الخروج من المنزل نطق الطفل، متسائلًا "ايش فيه؟ وين رايحين؟" ثم اشتد بكاؤه وتناثرت دموعه، في تلك اللحظة وجد رامي نفسه بموقف صعب جدًا، فكان يهرول بعيدًا عن البيت هو نفسه لا يعرف أين يتجه؟.
أشقاء رامي وأطفالهم وزوجاتهم إضافة إلى والده ووالدته غادروا المنزل بشكل عاجل، ومن الرعب والخوف نسيت بعض الفتيات تغطية رؤوسهن، وآخرين تركوا أحذيتهم وخرجوا حفاة من البيت، وفي لحظات كان يتلفت فيها رامي بوجهه يمينًا ويسارًا باحثًا عن أطفاله وزوجاته كأن هناك شيئا ما قد نسيه يقول: "من الضجيج والضوضاء نسيت طفلي آدم (4 أعوام ونصف) فعدت مسرعًا وسط الظلام الدامس الذي ساد الحارة لأجد آدم في منتصف الطريق يبكي بحرقة وجسده يرتعش من الخوف الشديد".
كانت عقارب الساعة في تلك اللحظات الصعبة التي عاشها رامي وعائلته المصري في بيت لاهيا تُشير تقريبًا إلى الساعة العاشرة ليلًا حيث الظلام الدامس مع انقطاع التيار الكهربائي، يقول: "البيت مكون من طابقين ويحتوي على 4 شقق يعيش فيه 16 شخصًا".
دقائق قليلة مضت على المشهد المرعب حتى دوى الانفجار الكبير في بيت لاهيا، احتمى رامي وأسرته مختبئين في الشارع ومنازل الجيران من الحجارة التي تتساقط كالمطر فوق رؤوس المارة وفي الحارة كلها، وبعد لحظات من انتهاء الغبار والدخان وتوقف اللهب المشتعل من مكان الانفجار بدأت الرؤية تتضح.
أزال رامي الغبار عن جسده وبدأ يهرول برفقة أشقائه صوب المنزل، التف يمينًا ويسارًا ولم يكن أمامه سوى كومة من الحجارة، كان هناك منزل رائع جميل وفي ثوانِ معدودة تحول إلى ركام بفعل القصف الإسرائيلي على منزل أبو رامي المصري.
يشعر رامي بالألم الشديد وبحجم المصيبة التي حلت به وبعائلته المكونة من 16 شخصًا إذ يقول لمراسلنا: "ولدت في المنزل، وتزوجت به، وكبر أطفالي بهذا المنزل الذي بناه والدي بعرق جبينه وفي ثوان معدودة تأتي الطائرات الإسرائيلية لتدمره بلمح البصر لتحمي الذكريات الجميلة التي عشتها مع أشقائي".
كان صوت رامي يوحي لمراسلنا عن شدة الألم والقهر الذي أصابه إذ يتساءل: "أين هي مؤسسات حقوق الطفل وحقوق الانسان والمجتمع الدولي من هذا الإجرام الإسرائيلي بحق شعبنا وأطفالنا؟..طفلي كان يحلم بأن ينام على سرير كغيره من أطفال العالم وبعد تدمير المنزل أصبحت غير قادر على تلبية تلك الأحلام الطفولية".
وعن اتهام الاحتلال الإسرائيلي بأن منزل أبي رامي المصري هو مستودع لصواريخ المقاومة، استغرب رامي هذا الاتهام الباطل قائلًا: "لو كان الاحتلال صادقًا فيما يزعم لوقعت انفجارات كبيرة بعد تدمير المنزل لتصيب جميع المنازل المجاورة، منزلنا هو مدني لا يحتوي على صواريخ ولا هو مستودع للأسلحة".
وكل ما يحلم به رامي وغيره من أبناء شعبنا هو أن يعيشوا بأمن وسلام يحقق لهم الحياة الكريمة ومستقبلا للأبناء لا أن يعيشوا في حالة رعب وذعر من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يفرق بين كبير أو صغير بين مدني أو عسكري.
ودمر جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 10 منازل بشكل كامل منذ بداية العدوان ضد قطاع غزة فجر يوم الثلاثاء (9-5-2023) حتى مساء اليوم الجمعة، إذ أكد مكتب الإعلام الحكومي بأن 8 مباني و28 وحدة سكنية تعرضت لهدم كلي فيما تضررت نحو 532 وحدة منها 37 غير صالحة للسكن و495 جزئي وبليغ جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي المستمر ضد قطاع غزة.