فور اقتراح جنرالات الجيش الاسرائيلي وعلى راسهم رئيس هيئة الاركان "هيرتسي هاليفي" وجهاز الشاباك للمستوى السياسي، خطته لإعادة الردع المتآكل امام الساحات والجبهات المتعددة متمثلة بالقيام بعملية اغتيال غادرة وتحت شعار تدفيع الثمن الشخصي والحزبي والمجتمعي لكل من يجرؤ على مهاجمة دولة الاحتلال وبما يشمل، من يوجه ذلك ومن يخطط لذلك ومن يتخذ القرار، وكان ذلك واضحا حينما اعلن رئيس الشباك "رونين بار" بان اسرائيل ستقوم بإحباط وقتل كل من يفكر ويخطط لاي عملية ضد دولة الاحتلال، اي ان العمليات ستكون استباقية ودون اي انتظار، "ليس من استراتيجيتنا انتظار المهاجمين ولكن ان نستبقهم ونستهدفهم حيث هم موجودون"، فكانت عملية اغتيال القادة الثلاث لسريا الجهاد "الشهداء القادة خليل وطارق وجهاد" في بيوتهم ومع عائلاتهم وبيوت جيرانهم مما ادى لاستشهاد سبعة مدنيين منهم اربعة اطفال وسيدة وطبيب وابنه، وهذا تأكيد جديد على التوجه الاجرامي الذي تتصف به العصابة المسماه دولة.
النتيجة كانت جولة ومعركة لا زالت مستمرة حتى الان، فالتقدير الخاطئ الذي وضعه المستوى العسكري والسياسي لدولة الاحتلال كان يعتقد ان الضربة سياتي بعدها رد محتمل ومن ثم الذهاب لهدوء مقابل هدوء وانه سيكون بشكل منفرد من "سرايا القدس- الجهاد" ودون غطاء من حركة "حماس- القسام"، ولم يتوقعوا ان هذا التقدير سيفشل وستستمر المعركة وقد تطول وستقودها "غرفة العمليات المشتركة".
وهناك عدة امور يجب الاشارة اليها وتتمثل بما يلي:
اولا- فشلت دولة الاحتلال في تقدير زمن المعركة، والضربة الاستباقية التي اعتقدوا انها ستكون ساعات الى يوم وصلت الى يومها الخامس.
ثانيا- فشلت دولة الاحتلال في ردع المقاومة والصواريخ وصلت لمديات تجاوزت شعاع ال "80" كيلو.
ثالثا- فشلت في الاستفراد في "الجهاد الاسلامي"، فكان هناك قرار مشترك من "الغرفة المشتركة" للمقاومة ككل بالرد وتم دعم سريا القدس "الجهاد" الذي يقود المعركة ويقصف دولة الاحتلال بصواريخه التي غطت جغرافيا وصلت من الجنوب للوسط للقدس وقد تتوسع الى جغرافيا اوسع.
رابعا- نجحت دولة الاحتلال في اغتيال ستة من قادة الجهاد "قيادات المجلس العسكري للسرايا" ولكن ذلك لم يؤدي لضرب البنية التنظيمية والتسلل الهرمي العسكري، حركة "الجهاد الاسلامي" في كل مرة اثبت ان البدائل القيادية موجودة وهي أكثر فعالية وأكثر حزما وتصميما.
وفقا للسياق اعلاه، نستطيع القول، ان العدوان القائم على غزة فشل في تحقيق غاياته واهدافه، وبدل ان يُنقذ "نتنياهو" فان وضع حد لهذا العدوان عبر اتفاق لوقف إطلاق النار سيؤدي لازمة كبرى ليس فقط في ائتلافه الحكومي بل ستزيد من النقمة الداخلية والشعبية ضد سياسته مما سيؤدي حتما الى سقوطه بشكل مُدَوّي، لذلك خطة الثعلب "نتنياهو" لمواجهة حتمية السقوط تشمل التالي:
اولا- لا كبيرة ومطلقة لاي اتفاق مكتوب او شفهي لوقف إطلاق النار، فقط "هدوء مقابل هدوء".
ثانيا- استمرار القصف بالصواريخ من المقاومة من غزة ستؤدي ب "نتنياهو" لتحميل حركة "حماس" مسؤولية ذلك، في محاولة منه لتوسيع دائرة استهدافه لقيادات المقاومة العسكرية والسياسية وللبنية التحتية لقطاع غزة ليحقق انجازات شعبية داخلية.
ثالثا- الضغط على المدنيين بقصف بيوت القيادات الميدانية وغيرها ل "سرايا الجهاد" (لاحظنا اليوم قصف بيت الشهيد ابو العطا)، ولاحقا ضرب البنية التحتية في محاولة منه للضغط على "حماس" لكي تضغط على "الجهاد" لوقف إطلاق النار وتحت طائل شروطه.
رابعا- بقاء الامور وفقا لذلك سيؤدي لوضع بند الامن على راس جدول اعمال دولة الاحتلال ليتقدم بذلك على اي اجندة اخرى.
خامسا- "نتنياهو" يرى ان صيغة "هدوء مقابل هدوء" لن تُقيده في توجيه الرد بالاغتيال على اي عملية صعبة تحدث في الضفة والقدس وبما يشمل الجميع وعلى راسهم حركة "حماس".
سادسا- "نتنياهو" بذلك يريد منع اعضاء ائتلافه من الضغط عليه بما يتعلق بما يسمى "التعديلات القضائية" وسحب هذه الذريعة من يد المعارضة وبالتالي وقف كل الاحتجاجات في شوارع دولة الاحتلال.
سابعا- "نتنياهو" بنقله لأجندة الأمن كأولوية قصوى تدفعه للتركيز على كيفية مواجهة "ايران" و "جبهة الشمال" وهذا يستدعي الدعم الامريكي المباشر وتنسيق الخطوات معهم، لذلك يعمل على تبريد جبهته الداخلية بما يتعلق ب "التعديلات القضائية". وهو بذلك ينتظر دعوته الى "البيت الابيض".
ثامنا- "نتنياهو" بذلك يضع اولوية الامن التي تعطيه الفرصة لكي يعيد حساباته الداخلية ان كان على صعيد الائتلاف او على صعيد عقد صفقات مع اقطاب من المعارضة "غانتس" بما يؤدي لعدم ذهابه للسجن.
تاسعا- واخيرا، المعركة في "غزة" والعيون على مسالتين: الاولى هي ساحة "الضفة والقدس" والتفرغ لواد المقاومة المسلحة فيها دون التخوف من ردود فعل المقاومة في "غزة" وبالتالي حسم الصراع بما يخدم ائتلاف اليمين وبرنامجه وهذا يعني مشروع الكيانية الفلسطينية في "غزة" واستمرار مشروع "البانتستونات" في الضفة، والثانية تتعلق بالوضع الداخلي في دولة اسرائيل ومحاولة وقف تداعيات الانقسام الداخلي الذي طال "جيش الشعب" مما يوقف التخوف الذي رافق الازمة الداخلية من اي انقسام في داخله.
وفقا للسياق اعلاه، فان "نتنياهو" الشخص لا يبحث عن وقف اطلاق نار بقدر ما يبحث عن مشهد انتصار غير ممكن تحقيقه خلال ايام وساعات، خاصة ان هذا المشهد الذي يخطط له "نتنياهو" هو في "مسيرة الاعلام" يوم الخميس القادم الموافق 18/5/2023، ليعلن فيه انه الرجل القوي والحازم والقادر على جعل دولة "اسرائيل" عابرة للجغرافيا وقادرة على ان تقود المنطقة وتحميها بشكل مباشر في ظل التراجع الامريكي منها، لذلك فان استمرار المعركة ومنع اقامة "مسيرة الاعلام" سيؤدي حتما لتضعضع مكانة "نتنياهو" وائتلاف حكومته اكثر من السابق، بل سقوطه وحدوث انتخابات سادسة مبكرة ستكون امكانية حدوثها اكبر من اي شيء اخر.
لن يقبل "نتنياهو" بقاء الامور تتراوح في مكانها "قصف ورد على القصف" لذلك سيضغط بكل قوته على المدنيين وعلى حركة "حماس" ليوقف إطلاق الصواريخ وفقا لرؤيته حتى لو اضطر ليعطي الوسيط التزام فضفاض شفوي غير ملزم حول الاغتيالات، لكنه لن يلزم نفسه مطلقا لا خطيا ولا شفويا بذلك، لانه يعلم ما ينتظره من "بن غفير" و "سموتريتش" في حالة تناهى لمسامعهم ذلك..
الامور معقدة ومرشحة لكي تطول أكثر مما توقع الجميع في مؤسسة الجيش والشباك الاسرائيلي، بل حتى لدى بعض حركات المقاومة في "الغرفة المشتركة"، والسبب واضح وهو قدرة "سرايا القدس-حركة الجهاد" على الصمود وقدرتها على إطلاق الصواريخ ويبد انه لا يزال في جعبة "السرايا" مفاجاات جديدة، اما "نتنياهو" فهو غير متعجل لانه يعلم انه مكبل اليدين ومصيره أصبح مرتبط بنتائج ما يحدث ويجري في معركة "ثار الاحرار" التي بهذه الطريقة التي تحدث على الارض والوحدة التي تجلت في "الغرفة المشتركة" انهت مفهوم عملية "الدرع والسهم".
المشهد الان كما يبدو هو توسع المعركة واطالة امدها ودخول معتركها ولو بعد حين حركة "حماس" وهذا لن يطول، ولكن السؤال المهم، هل ستدخل حماس بقوة قسامها لمنع مسيرة الاعلام ام نتيجة لاستهدافها المباشر الذي لا مفر منه؟!!
خطة "نتنياهو" اذا ما استمرت برفضه لوقف متزامن لإطلاق النار ووقف سياسة الاغتيالات بشكل ملزم، فانه يراهن بذلك على سراب ووهم، فما يحدث على الارض سيؤدي حتما لتوسيعها ودخول الساحات الفلسطينية لأتونها، وقد تتدحرج للمنطقة ككل وفقا لمبدا "استدعاء تحمل المسؤوليات"، فمن يقود هذه المعركة بشكل مباشر "غرفة العمليات المشتركة" وبشكل فعلي "غرفة محور المقاومة"، هي بين ثماني واربعين ساعة الى اربعة ايام سيتحدد خلالها مصير هذه المعركة، وقفها وفشل خطة "نتنياهو"، او استمرارها وفشل خطة "نتنياهو" ايضا، لان خطة "نتنياهو" مصيرها الفشل موضوعيا خاصة في واقع داخلي اسرائيلي واقليمي لا يخدم تلك الاحلام ولا الهواجس "النتنياهوهية".