غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

حول الاختراق الأمني المزعوم لسرايا القدس

خالد أبو حيط
بقلم/ خالد ابو حيط

خلال جولة "ثأر الأحرار" التي خاضتها "سرايا القدس" (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) في فلسطين مؤخراً، وبعدها، ارتفعت أصوات تروّج بأنّ اغتيال ستة قادة رفيعي المستوى في "الجهاد الإسلامي" كشف حجم الاختراق الأمني الموجود في صفوف الحركة في "عقر دارها"، وجناحها العسكري خاصّةً!

هذا الربط المتعمّد بين حقيقة اغتيال القادة من جهة، وادّعاء وجود اختراق أمني داخل صفوف الحركة وجناحها العسكري من جهة أخرى، وإن بدا للوهلة الأولى استنتاجاً منطقياً، إلا أنه أبعد ما يكون عن الحقيقة. بل، وربما أمكن القول إنّ الترويج لهذا الادعاء ما هو إلا استمرار للمعركة ضدّ الجهاد الإسلامي، بواجهة إعلامية لتعمية الأبصار عن الإنجازات الميدانية والسياسية التي حققتها خلال المعركة.

وكما أنه لا تكفي مفارقة (ابن المقفع) لمن "تشردق" ومات وهو يشرب الماء، للاستنتاج بأنّ "شرب الماء مميت"، فكذلك لا يكفي وقوع عمليات الاغتيال فعلاً للاستنتاج بأنه كان نتيجة لاختراق أمني داخل صفوف الحركة وسراياها.

إثبات هذا الادعاء يستلزم وجود تحقيق، ومشتبهين، وتتبّعاً للإجراءات، وغيرها من قضايا التحقيق التي لا شك في أنّ "سرايا القدس" تقع عليها مهمة التحقيق فيها. وبما أنّ الادعاء لم يقم إلا على مجرّد تكهنات، لها أهداف سياسية واضحة، يجدر الردّ عليها بما يناسب طبيعتها.

أول ما ينبغي لفت النظر إليه في الردّ على هذا الادّعاء هو أنّ عمليات الاغتيال للقادة الستة وقعت جميعها في شقق سكنية عائلية. ولم يصدف أنّ عملية واحدة منها وقعت داخل مقر عسكري أو أمني. وهذا ينافي بطبيعته الزعم بوجود اختراق داخلي. إنّ استهداف القادة في بيوتهم، وبين أسرهم، يتعارض مع الزعم بأنّ الاغتيال حدث بسبب اختراق أمني داخلي. والمفارقة المؤلمة هنا أنّ الاحتلال، بتعمّده اغتيال القادة في بيوتهم العائلية، لم يكن قادراً على تصيّدهم في أماكن أخرى. وتؤكد في ما تؤكد الطبيعة المجرمة لهذا الكيان الذي يريد أن يروّج لشرعية قتل الأطفال والنساء في بيوتهم، لمجرّد تصفية قادة عجز عن الوصول إليهم بعيداً عن أسرهم وعائلاتهم. لو كان بمقدور العدو تنفيذ عمليات الاغتيال في الجبهات أو داخل المقرات العسكرية وغرف إدارة العمليات، لما توّرع عن ذلك لحظة، ولكانت رسالته في إظهار قوته وتفوقه الأمني المزعوم أبلغ. وبما أنه عجز عن ذلك، فالقرينة هنا أنّ شبهة وجود اختراق أمني هشّة، ولا تملك أساساً.

لو كان بمقدور العدو تنفيذ عمليات الاغتيال في الجبهات أو داخل المقرات العسكرية وغرف إدارة العمليات، لما توّرع عن ذلك لحظة

أضف إلى ذلك، أنه لو توفرت للعدو القدرة الحقيقية على اختراق حقيقي داخل "سرايا القدس"، لكان استخدمها في تحديد مواقع لا تقل أهمية بالنسبة له عن اغتيال القادة أنفسهم، ومنها تحديد مواقع القيادة والسيطرة والتحكّم، ومواقع تخزين الصواريخ، ومواقع منصات إطلاق الصواريخ، وغيرها من الأهداف العسكرية المهمة.

الواقع يقول إنه على مدى خمسة أيام من المعارك، لم يتمكن العدو، بأجهزته التكنولوجية الفائقة، وكلّ أدوات التعقب والمراقبة، من إصابة أهداف عسكرية تكون لها نتيجة على تغيير مسار المعركة لصالحه. كانت "سرايا القدس" تحدّد سلفاً توقيت إطلاق رشقات الصواريخ، متحدّية بذلك قدرة العدو على رصدها، ليلاً أو نهاراً، في ظلّ كلّ ما يمتلكه من تكنولوجيا، واستطراداً من اختراق داخلي مزعوم.

لا يمكن لعاقل إنكار وجود اختراق هنا أو هناك. وخلال مسيرة الكفاح والنضال الفلسطيني، كانت جولات الاختراق بين المقاومة والكيان الصهيوني متبادلة، مع الإقرار طبعاً بالتفوّق التقني والعملياتي للعدو في هذا المجال. لكن، ومع ذلك، يُسجّل للمقاومة أنها، رغم كلّ ما يملكه العدو من تكنولوجيا، تمكنت من بناء قدرات عسكرية ولوجستية، مكنتها من خوض جولات ومنازلات عديدة ضد الكيان، واستطاعت أن تحقّق ضده نقاطاً لصالحها في المواجهات الميدانية.

لا شك في أنّ اغتيال القادة الستة، لا بد أن يتبعه تحقيق معمّق، وعدم الاكتفاء بظواهر الأجوبة الواضحة. ربما يكون السرّ في ذلك السلوك الفردي للقادة الذين نجح العدو في استهدافهم. ثمّة حديث أنّ خمسة من القادة الستة كانوا موجودين في أماكن فيها هواتف محمولة. وربما يكون مكان السكن العائلي بمثابة الفخ الذي يسهل لطائرات الاستطلاع رصده في ظلّ عدم توّفر معلومات أخرى، ولا سيما مع وجود عميل ميداني. وفي حين أنّ عدد القادة الذين تمّ اغتيالهم بالفعل معلوم، فإننا لا نعلم على وجه اليقين عدد الذين سعى العدو إلى اغتيالهم وفشل في ذلك.

إنّ إثارة هذا الادعاء خلال المعركة وبعدها، مع عدم تقديم أيّة قرينة أو شبهة ذات قيمة، هدفه الأكيد هو التشكيك بالإنجازات العسكرية والسياسية التي حقّقتها "الجهاد الإسلامي" خلال المعركة وبعدها، ولا سيما أنّ معظم، إن لم نقل كلّ، الذين أثاروا هذا الادّعاء عبر الوسائل والوسائط المختلفة لم تصدر عنهم إدانة للعدوان الصهيوني، ولو مجرّد إشارة إلى ارتكابه لجرائم حرب باستهداف الزوجات والأطفال داخل بيوتهم. وذلك يكفي للدلالة على المقصد الحقيقي من وراء إثارة هذا الادّعاء في هذا التوقيت بالذات.

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".