هناك حيث ساحة الكتيبة, كانت تتجسد صورة الانتصار, جماهير شعبنا تزحف بعشرات الالاف عرفانا منها بما قدمته حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس من تضحيات, كل التجارب اثبتت ان الجهاد الإسلامي يكبر بتضحيات قادته وكوادره وعناصره, كلما عظمت التضحيات كلما كبرت الحركة وتمددت شعبيا وجماهيريا, بالأمس كانت الكتيبة وسط مدينة غزة تعج بعشرات الالاف من الجماهير الفلسطينية التي جاءت لتكرم شهداء ثأر الاحرار العظام, المشهد كان عظيما ونحن نرى اسر الشهداء الاطهار يتقدمون الصفوف, ويرفعون شارات النصر, ويهتفون للسرايا حتى قبل ان تجف دموعهم حزنا على فراق احبابهم وابنائهم وذويهم, هكذا يتجسد الانتصار, مخطئ من يظن ان الانتصار يتحقق بعدد القتلى او الشهداء او حجم الدمار والخراب, مخطئ من يظن ان المعارك تحسم في الميدان فقط, او ان قدرة العدو على اغتيال القادة تحقق صورة النصر, هذا مفهوم خاطئ بكل ما في الكلمة من معني, الانتصار يتحقق بقدر من يسكنك من إصرار على المواصلة, بقدر ما يتفجر في دواخلك من ثورة, بقدر ما يكبر فيك حلم الاستقلال والحرية والانعتاق من الاحتلال, بقدر قوتك وعزيمتك واصرارك وايمانك بعدالة قضيتك, هذا هو المعني الحقيقي للانتصار, تخرج من معركة محتدمة خضتها بكل قوة, وتستعد لمعركة أخرى ستليها دون ان تتراجع قيد انملة, انه الايمان والوعي والثورة الذي رسخه الأمين المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي منذ اللحظة الأولى لانطلاقة الحركة, جسده قولا وفعلا, واليوم ها هي الجهاد الإسلامي تكبر وتتمدد وتزداد جماهيريا بتضحيات قادتها وادائها العسكري الكبير في الميدان, وقدرتها على افشال أي عدوان صهيوني على شعبنا الفلسطيني, لذلك كنا نتوقع هذا الحضور الجماهيري المميز لمهرجان تكريم شهداء ثأر الاحرار, سواء كان هذا الحضور في غزة, او جنين, او بيروت, او دمشق, فهو عرفانا من الفلسطينيين بعظم السرايا وعطائها.
كانت رسائل مهرجان ثأر الاحرار واضحة, وانعكاسها على نفوس الفلسطينيين كان حاضرا, جاء المهرجان الحاشد ليمسح صور لا زالت عالقة في الاذهان من ذكرى النكبة ونحن نحيي مناسبتها الخامسة والسبعين بثأر الاحرار, والصورة البائسة لنتائج اجتماع جامعة الدول العربية التي لا ترتقي الى مستوى ما تشهده الساحة الفلسطينية من عدوان على جماهير شعبنا الفلسطيني, واستشهاد ثلاثة وثلاثين فلسطينيا خلال خمسة أيام, ومن بين الشهداء أطفال ونساء وأطباء ومدنيين أبرياء, فكانت الجامعة العربية كعادتها تغرد خارج السرب, لم تخرج نتائج قراراتها من مقر انعقادها في جدة, ولم ينتظر منها أي عربي شيئا, فجاء مهرجان ثأر الاحرار ليمسح صورة الخذلان الرسمي العربي, ويرسم صورة الانتصار عبر التضحيات والبذل والعطاء, ثم كانت ما تسمى بمسيرة "الاعلام الصهيونية" بما حملته من مشاهد تستنفز مشاعر شعبنا الفلسطيني, وتنتهك حرمة اقدس مقدساته, وتحول القدس لثكنة عسكرية واصباغها بالصبغة التهويدية بالكامل بعد طرد أهلنا المقدسيين منها عنوة, ومحاصرتهم في أماكن بعينها, والاعتداء عليهم بالضرب والسحل والالفاظ النابية, فكان ثأر الاحرار عنوان لمسح هذه الصور البائسة, وتثبيت صورة النصر بخطابات مسؤولية لقيادات فصائل المقاومة الفلسطينية تخللت مهرجان ثأر الاحرار, تحدث القيادي في حركة حماس الدكتور صلاح البردويل عن نهج المقاومة الأصيل الذي لا بديل عنه, واكد على وحدة الساحات ووحدة الموقف ووحدة الميدان في وجه الاحتلال الصهيوني, بينما اكد عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ماهر مزهر، ان المقاومة أثبتت خلال معركة "ثأر الاحرار" أنها قادرة على مجابهة الاحتلال عسكرياً و سياسياً, وان الشهداء والابطال هم من صنعوا هذا الانجاز بإفشال مخططات العدو، وان المقاومة هي الطريق الوحيد لانتزاع حقوقنا من هذا العدو الصهيوني.
مسؤول الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور محمد الهندي أكد ان صراعنا مع الاحتلال طويل و"ثأر الأحرار" ليست آخر الجَوْلات, وأنَّ "الضمان الوحيد والحقيقي لاستمرار وقف إطلاق النار مع الاحتلال هو الوحدة الوطنية على قاعدة الجهاد والمقاومة". وتابع: "بالوحدة الوطنيَّة سنُحقِّق مزيدًا من الإنجازات، لذلك نحن نتمسك بالوَحدة وندعو لها"، مشيرًا إلى أنَّه "دون وحدة فصائل المقاومة لا يمكن أن نُحقِّق أي إنجاز حقيقي على أرض الواقع وعليه يجب علينا جميعًا التشبُّث بها", بينما كانت كلمة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين القائد زياد النخالة تزلزل الساحات, حيث كانت رسائله للاحتلال الصهيوني واضحة, ان أي عملية اغتيال ستواجه بمعركة قوية ضد الاحتلال ولن تكون تل ابيب وغيرها من مدن الكيان الصهيوني بعيدة عن مرمى صواريخنا ورصاص مقاتلينا, وان السرايا حددت شروطها التي اذعن اليها الاحتلال مرغما, مضيفا نحن نعرف ان امامنا تحديات كبيرة وندرك ان معركة واحدة او اكثر لن تكون قادرة على تحقيق كل اهدافنا وطموحاتنا ولكنني استطيع ان أقول ان معاركنا السابقة في سيف القدس ووحدة الساحات وغيرهما واليوم معركة ثأر الاحرار قد وضعت جميعا اقدامنا على الطريق الصحيح الذي بدأناه, وانطلقنا باتجاهه ولن نتوقف", هذه هي لغة الانتصار التي تؤسس لها حركة الجهاد الإسلامي ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية منذ سنوات, انها ترسم لشعبنا خارطة الطريق نحو الخروج من تداعيات النكبة, والتبرؤ من هزيمة زعماء الجامعة العربية, واستفزازات مسيرة الاعلام, انها ترسم لوحة النصر بدماء قادتها وجنودها الابطال وهذا هو المشهد الحقيقي للانتصار .