غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

حزب الله و"إسرائيل" ومرتكز الردع.. دراسة تحليلية (4)

حسن لافي
بقلم حسن لافي

مع تغير البيئة الاستراتيجية المحيطة بكل من حزب الله و"إسرائيل" بعد انتهاء الأزمة السورية، في غير مصلحة سياسة الردع الإسرائيلية، بدأت مرحلة جديدة من السعي لتطوير قواعد الاشتباك بين الطرفين، في ضوء تلك المتغيرات الاستراتيجية، بحيث بات من الضروري للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن تأخذ في الاعتبار تعقيدات البيئة الاستراتيجية الجديدة، في أثناء قيامها بعملية تطوير الردع الإسرائيلي تجاه حزب الله، وخصوصاً مع دخول المواجهة بينهما مسارات جديدة. ولم تبقَ المواجهة بين "إسرائيل" وحزب الله فقط، كما حدث عام 2006، بل من المحتمل أن تتحول أي مواجهة مقبلة بين "إسرائيل" وحزب الله إلى حرب بين محاور، تضم جبهات وساحات أخرى في الإقليم. وبالتالي، ازدادت تعقيدات قرار الحرب لدى الإسرائيلي، الأمر الذي انعكس على استراتيجيات الردع الإسرائيلي تجاه حزب الله.

ذهبت الرهانات الإسرائيلية في أثناء الأزمة السورية إلى أن حزب الله سيغرق بالتأكيد في مستنقع الأزمة السورية، التي لن تنتهي بحسب التوقعات الإسرائيلية. وبالتالي، فإن السياسة، التي انتهجتها "إسرائيل" في تعاملها مع الأزمة السورية، ارتكزت على فرضيتين أساسيتين:

الأولى: إن انشغال حزب الله بالقتال في سوريا لن يجعله قادراً على فتح جبهة جديدة مع "إسرائيل"، ما لم تتدخل الأخيرة بصورة مباشرة وعلى نحو علني في الأزمة السورية، ضد النظام السوري وحزب الله ومحور المقاومة. وبالتالي، عدّت "إسرائيل" قدرتها على استهداف النظام السوري عسكرياً، والعمل على إسقاطه من خلال قلب موازين المعركة لمصلحة أعدائه، قوة ردع حقيقية لحزب الله، ولمحور المقاومة بصورة عامة.

الثانية: إن استمرار تفاعل الأزمة السورية سيؤدي إلى استنزاف قوة حزب الله، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً وشعبياً، من دون تدخل مباشر من "إسرائيل"، وخصوصاً إذا تدحرج القتال إلى الداخل اللبناني. وبالتالي، سيفقد حزب الله شرعيته كمقاومة "حامية لبنان"، كما تم تصوير القتال في سوريا إعلامياً، على أنه حرب مذهبية بين السنة والشيعة، الأمر الذي حاول إفقاد حزب الله عمقه العربي الشعبي، والأهم جعله مستهدَفاً من التنظيمات التكفيرية، كنوع من حرب الوكالة عن "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية، بمساعدة حلفاء أميركا في المنطقة. لذلك، سعت "إسرائيل" لاستدامة الأزمة السورية، الأمر الذي يخدمها، في المستويَين الاستراتيجي والتكتيكي، في آن واحد.

حدثت تغيرات في غير مصلحة سياسة الردع الإسرائيلية تجاه حزب الله، الأمر الذي يجعل إدراك أبعاد تلك التغيرات في البيئة الاستراتيجية مدخلاً صحيحاً لفهم التغيرات، التي طرأت على مفهوم الردع الإسرائيلي في تلك الفترة.

عزّز ظهور "داعش" منذ عام 2014 - وما قامت به من مجازر - الصلة بين حزب الله والدولة اللبنانية، فلقد ساهم ضعف لبنان، وعدم قدرته الدفاعية ضد التهديدات الخارجية، في أن يصبح الرأي العام في لبنان أقرب إلى حزب الله، وأصبح يُنظر إليه على أنه القوة الرئيسة التي استطاعت منع الفوضى، ومنعت الإرهاب التكفيري من اختراق لبنان، من خلال تدخلها السريع في الأزمة السورية، الأمر الذي جعل معهد القدس للاستراتيجية والأمن الإسرائيلي، يَعُدّ أن من السهل على حزب الله بعد عودته من سوريا الانخراط في الدولة اللبنانية، ويزيد في نفوذه في مراكز القوة الرئيسة الثلاثة داخل لبنان: النظام السياسي، والنظام العسكري، والنظام الاقتصادي. وبالتالي، باتت "إسرائيل" في وضع جديد لا يمكنها معه التمييز بين حزب الله والدولة اللبنانية، بمعنى أن أي حرب على حزب الله ستكون بالتأكيد حرباً على الدولة اللبنانية. لذلك، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مسؤولية لبنان السيادية عما يحدث في أرضه ضد "إسرائيل"، بعكس ما حدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في "حرب تموز/يوليو" 2006، إيهود أولمرت، الذي حاول الفصل بين حزب الله ولبنان تحت ضغط دول الاتحاد الأوروبي.

من الجدير بالذكر أن حزب الله عزز قدراته العسكرية واللوجستية ووسائل التشغيل وغيرها، من الجوانب العسكرية والتكنولوجية والاستخبارية، والتي باتت تشكل تهديداً أكثر استراتيجية على الأمن القومي الإسرائيلي، وخصوصاً مع انكشاف حزب الله على الروس، وخوض معارك كبيرة على مستويات لم يكن معتاداً عليها حزب الله قبل قتاله في سوريا، فلقد كتب الباحث ييفتاح شابير في مقالته "حزب الله جيش"، أن حزب الله عمل، في الأعوام الأخيرة (2013-2017)، في سوريا إلى جانب الجيش السوري ومقاتلي فيلق القدس الإيراني. ومنذ أيلول/سبتمبر 2015، حارب أيضاً جنباً إلى جنب مع الجيش الروسي، وزادته تلك الأعوام خبرة قتالية وأسلحة لم يسبق لها مثيل من قبلُ، وكل ذلك جعل حزب الله أكبر تهديد، يواجه الجيش الإسرائيلي، و"دولة إسرائيل"، بصورة عامة.

أمّا على المستوى الإقليمي، فانتقل الصراع بين "إسرائيل" وحزب الله من صراع ثنائي إلى صراع محاور (حرب المحاور)، فلقد تحول حزب الله، في الحسابات الأمنية الإسرائيلية، من مجرد تنظيم لبناني إلى عضو رئيس في محور المقاومة، بالإضافة إلى توثيق علاقاته وتفاهماته الأمنية والاستراتيجية مع روسيا، ضمن محور المقاومة، الأمر الذي أدى إلى تعامل الساحتين الإقليمية والدولية مع حزب الله على أنه من الصف الأول، في القوى المؤثّرة فيما يجري في المنطقة. وبالتالي، حصل على نفوذ بمستوى دولة، الأمر الذي يُعَدّ نقلة نوعية في قوة حزب الله، وتأثيره في الإقليم من جهة، ومن جهة أخرى زاد في ارتباط قرار السلم والحرب لدى حزب الله بحلفائه الجدد وحساباتهم الإقليمية.

نتيجة ذلك، فإن خطورة الذهاب إلى ضربة عسكرية إسرائيلية لحزب الله تباينت حساباتها بصورة كاملة، بمعنى أن أي ضربة لحزب الله من "إسرائيل" من الممكن أن تشعل المنطقة بحرب إقليمية. ولن تقتصر على المعركة بين "إسرائيل" وحزب الله، كما كانت في عام 2006، بل ستتجاوزها لتصل إلى أبعاد ومستويات وجبهات أخرى، وخصوصاً مع زيادة الاستقطاب بين المحاور في المنطقة بعد الأزمة السورية، و"اتفاقات أبراهام" التطبيعية، الأمر الذي يتطلب إجراء حسابات استراتيجية معقَّدة قبل توجيه أي ضربة إسرائيلية إلى حزب الله. والأمر، كذلك، ينطبق على حزب الله بالمثل، وهذا نوع من أنواع تكريس قوة الردع المتبادل بين الطرفين.

أحدث فقدان القدرة الإسرائيلية على استخدام التهديد بالذهاب إلى حرب عسكرية مفتوحة مع حزب الله، نوعاً من توزان الردع القائم بين حزب الله و" إسرائيل"، وأثر الأمر سلباً في قوة الردع الإسرائيلية، الأمر الذي يتطلب من "إسرائيل" البحث عن خطط استراتيجية جديدة، تسعى للتعامل مع الواقع الجديد من توزان الردع.

يحاول صنّاع قرار "الأمن القومي" الإسرائيلي صنع استراتيجية مكتملة للتعامل مع التغيرات الجديدة، لكن الظرف السياسي الداخلي المضطرب داخل المشهد السياسي في "إسرائيل" لم يُتح الفرصة لـ"إسرائيل" في الوصول إلى تلك الاستراتيجية الشاملة والمكتملة. وغياب الاستراتيجية الإسرائيلية الشاملة لا يعني عدم محاولة "إسرائيل" تطوير طريقة لمواجهة حزب الله.

حاولت "إسرائيل"، في ظل الوضع الجديد، بدء صياغة استراتيجية شاملة، ذات مسارين مترابطين تجاه حزب الله، من أجل المحافظة على عدم تراجع قوة الردع المتبادل بينها وبين حزب الله، لمصلحة حزب الله.

المسار الأول هو تطوير استراتيجية "المعركة بين الحربين"، من خلال إدخال أبعاد جديدة فيها، تتمثل بالمزاوجة بين البُعد الإعلامي الموجه أمنياً، والبُعد الدبلوماسي، بالإضافة إلى البُعد الاقتصادي، مع تكثيف البُعد العسكري، وخصوصاً في الجبهة السورية.

الضغط على الجانب الاقتصادي كبعد جديد في استراتيجية "المعركة بين الحربين"، من خلال العمل في اتجاهين يخدمان هدفاً واحداً، متمثِّلاً بمحاصرة حزب الله اقتصادياً، و"شيطنته" لبنانياً. الاتجاه الأول، استخدمت فيه "إسرائيل" علاقاتها بحلفائها، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول الخليج في منع تقديم أي مساعدات إلى لبنان من دون تحقيق هدفها.

والاتجاه الثاني تمحور حول صياغة خطة بالتدريج للتغيير الداخلي في لبنان، عبر استخدام الوسائل الاقتصادية لمنعه من الوقوع في حضن محور المقاومة.

دمجت إسرائيل في التخطيط بين الأبعاد العسكرية والإعلامية والدبلوماسية من أجل زيادة الردع تجاه حزب الله بطريقة مدروسة إسرائيلياً، على غرار عملية "الدرع الشمالي" في شهر كانون الأول/ديسمبر 2018، بحيث يكون الهدف من العملية ليس فقط تحييد أنفاق حزب الله الهجومية، وإنما أيضاً إظهار حزب الله على أنه تنظيم يخترق قرار مجلس الأمن (1701)، ويدفع لبنان إلى الحرب مع "إسرائيل"، من أجل حسابات خارجية.

المسار الثاني هو استكمال الجاهزية العسكرية على نحو يتلاءم مع التهديدات الجديدة على "إسرائيل". وهنا تبرز أهمية خطط الجيش الإسرائيلي متعددة الأعوام: خطة "جدعون" العسكرية عام 2015، وبعدها خطة "تنوفا" عام 2019، في رفع جاهزية الجيش الإسرائيلي لمواجهة التهديدات الجديدة النابعة من تغير البيئة الاستراتيجية الأمنية المحيطة بـ"إسرائيل".

لكن الواقع الجديد في العلاقة بين حزب الله و"إسرائيل" يفتح باب التساؤل عن مستقبل الصراع بينهما، وكيفية إدارة الاشتباك، في ضوء التهديدات والفرص لكل منهما، في المرحلة المقبلة.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".