قائمة الموقع

بين عربات النار واللكمة القاضية...هل ستنفذ "إسرائيل" تهديداتها؟؟

2023-06-03T18:16:00+03:00
ياسر الخواجا
بقلم/ ياسر عرفات الخواجا

مع بدء المناورة التي أطلق عليها "اللكمة القاضية" ارتفعت لغة التهديدات تجاه إيران ومحور المقاومة، والتي جاءت على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي " بيبي نتنياهو" ووزير  الحرب "غالانت" ورئيس الأركان "هرتسى هاليفى"... واللافت للنظر أن هذه التهديدات تتشابه كثيراً بل هي نفس التهديدات التي جاءت في مناورات "عربات النار" في مايو من العام الماضي، وكانت حينئذ على لسان رئيس الوزراء السابق "بينت" ووزير الحرب السابق "غانتس" ورئيس الأركان السابق أفيف كوخافى" صاحب "خطة تنوفا" وفكرة مناورات "عربات النار".

هذه التهديدات تعبر عن حالة المأزق والتهديد الوجودي الذى يعانيه الكيان الصهيوني من تأثير محور المقاومة عليه، والتي عبرت عنها  قيادة الاحتلال بأبشع وأغلظ العبارات التي تنم عن الفاشية والنازية في أوضح صورها، فكانوا يقولون تارة بأننا سنعيد لبنان إلى العصر الحجري، وسيبلغ حجم التدمير فيها سبعين ضعفاً، وتارة أخرى كانوا يعلنون أنه يجب على اللبنانيين ترك لبنان عند سماع الطلقة الأولى للحرب، وذلك في إشارة لحجم الحرب ومستوى كثافة النيران والدمار الذى سينشأ عنها؛ لذلك  أطلقوا عليها مناورات "عربات النار" ووصفوا الشهر الذي انطلقت فيه تلك التهديدات "بشهر الحرب".

كل هذه الزوبعات من التهديدات والتحركات في العام الماضي كانت تنذر حقيقة بأن الحرب واقعة لا محالة، وأننا فقط في انتظار لحظة الصفر لانطلاقها، لكن في حقيقة الأمر لم يتم تنفيذ أي من تلك التهديدات، بل انتهى الأمر بتصريحات لقيادة الجيش بأن مناورات "عربات النار" كانت مهمة جداً، وجاءت لتطوير ورفع القدرات القتالية والمعنوية، وزيادة مستوى التنسيق بين أذرع الجيش البرية والبحرية والجوية، ، ومن خلالها يتم إرسال رسائل بأن الجيش قادر على ردع الأعداء، وهو مستعد لمواجهة متعددة الجبهات في آن واحد.

لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا: لماذا لم تتجرأ "إسرائيل" على ضرب إيران وحزب الله وكافة أذرع المحور جواً وبحراً وبراً في آن معا كما كانت تهدد، خصوصًا أن الجيش قد أجرى عدة تدريبات على الأراضي القبرصية تحاكي ضرب أهداف لحزب الله وإيران، كما أن الفرصة كانت مواتية ومتاحة بشكل كبير للبدء بالحرب ضد محور المقاومة؟؟؟.

ويتبادر إلى الذهن سؤال آخر: لماذا تعطي "إسرائيل" محور المقاومة وقتاً ونفساً إضافياً دون رد، الأمر الذي من شأنه أن يعاظم قوة المقاومة أكثر، ويساعد في بلورة تنسيق كامل ومريح بين أذرع المحور مما يشكل تهديداً إضافياً للوجود الإسرائيلي؟؟؟.

أليس ذلك الأمر غير منطقي في ظل التحديات المفروضة؟... أعتقد أن الأمر كان له علاقة بالحسابات الدقيقة والخسائر والأثمان الاستراتيجية التي ستتكبدها "إسرائيل" في حرب واسعة متعددة الجبهات، وخصوصًا بعدما أرسلت إيران خرائط وصور عبر مسؤول أوروبي للكيان يظهر فيها صوراً لمواقع حساسة ومهمة في الكيان تم تصويرها عن طريق الأرض، وكلها في متناول الضربات الصاروخية الإيرانية، وذلك يأتي في إطار التهديد المسبق في حال كان يفكر الكيان بالاعتداء عليها.

 إن خطورة هذه الحرب من المنظور الإسرائيلي أنها لن تقف عند حد معين يمكن التحكم فيه، وربما تتدحرج لتصبح حرباً كونية، وخصوصاً أن المناخ الدولي والإقليمي بات مهيأً لذلك، لكن وفي ظل هذا الإطار وهذه الحسابات الدقيقة لدى العدو فإن قرع طبول الحرب قد يتوقف، ويتم الاقتصار فقط على الاستمرار في الحرب الحاصلة أصلاً، والمتمثلة بالملاحقة المستمرة للعلماء الإيرانيين وللقادة العسكريين، إضافة لضرب أي موقع استراتيجي مهم لإيران لكن يقع خارج حدودها، وملاحقة وضرب شحنات الأسلحة التي تأتى من إيران لحزب الله وسوريا وتدميرها، وضرب مواقع للمقاومة في سوريا.

إن "إسرائيل" بتلك الأفعال بدل أن تدفع عن نفسها ذلك التهديد المتعاظم وتخوض المعركة وتدرأ عن نفسها  تلك المخاطر، أصبحت تفضل هذا النوع من الملاحقة والردود، وباتت تتعايش مع الأمر من خلال إطلاق التهديدات أثناء كل مناورة، مع اجتناب الدخول في معركة مفتوحة ومتدحرجة تطبيقاً لتلك  التهديدات على الواقع، وذلك يرجع إلى الحسابات المستمرة والمعقدة ميدانيًا، وله علاقة بالقدرات العسكرية لمحور المقاومة، حيث سيكون غداً الأحد "3يونيو" اجتماعاً للمجلس الأمني المصغر لحسم  وإقرار موقف واضح ونهائي يتم من خلاله الترجيح بين الدخول في معركة متعددة الاتجاهات أم التراجع عن ذلك كما حصل في "عربات النار"

"شمعون شيبرا" الخبير الأمني البارز، والذى تثق به معظم القيادات الأمنية في الكيان، قال عندما سئل عن السيناريو القادم للحرب على لبنان وحزب الله: "سيحاول حزب الله السيطرة على أراضي الجليل، وسيخترق البؤر الاستيطانية، وسيرفع العلم عليها من خلال نخبة  قوات الرضوان،  وسينشر هناك فرقًا مضادة للدبابات لعرقلة حركة ومسار الجيش والقوات البرية، مما سيعيدنا بالذاكرة إلى ما قبل أربعين عاماً؛ لنشاهد من جديد صور قوافل الدبابات المدمرة، والجنود القتلى، بالإضافة إلى الأنفاق المتشعبة لدى حزب الله التي فاجأت القوات البرية الصهيونية وضربتها في مقتل، وهذا يعنى في نهاية المطاف احتلال منطقة  الجليل"...

إن حزب الله الذى كان منشغلاً في الحرب السورية، والتي أعطته مزيدًا من التجربة الميدانية القتالية كان دائماً في الاتجاه الحذر من الانزلاق إلى حرب مع الكيان، لكن وفى ظل أزمة " كاريش" والتي حقق فيها الحزب شروطه دون أية طلقة فإن الحزب بات يتحدث بنوع من التحدي  والجهوزية، وإن شهيته المندفعة نحو الحرب أصبحت كبيرة في مقابل التردد الذى يبديه العدو الذي بات يكتفى بالتهديد المرتفع، مما يوحي بأن طبول الحرب قد لا تقرع في الوقت الحالي.

هذا التحدي الذي تفرضه قوى محور المقاومة يضع الاحتلال أمام خيارين لا ثالث لهما: أولاً إما أن ينزلق إلى حرب واسعة ومصيرية قد تتدحرج إلى حرب إقليمية مفتوحة (كونية)، وعلى "إسرائيل" حينها أن تكون مستعدة لدفع الأثمان المرتفعة دون أن تحقق أهدافها وعلى رأسها القضاء على قدرات وقوة محور المقاومة، وضرب المنشآت النووية الإيرانية. وهذا الأمر ليس بالسهل على مستقبله الوجودي، كما أن الكيان غير مستعد لمواجهة بذلك الحجم، ولا يمكنه تحمل نتائجها الخطرة؛ لأنه يفتقد إلى العناصر الداعمة لتلك المواجهة، سواء فيما يتعلق بحصانة جبهته الداخلية، أو بضعف التأييد الواضح لتلك المواجهة على المستويين الإقليمي والدولي، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، أو بسبب ضعف مستوى الاستعداد والصمود أمام الضربات الصاروخية الإيرانية وحزب الله ذات القدرات الصاروخية الدقيقة، والصواريخ المضادة للطائرات، والسفن البحرية، والطائرات المسيرة الانتحارية، والقوات البرية عالية التدريب والكفاءة، ومؤخرا تم الإعلان عن صاروخ" خيبر" إيراني الصنع الذي يتميز بفاعلية انفجارية قوية ويتجاوز الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي، وغير ذلك من ترسانة يوم القيامة، خصوصاً أن العدو لا يملك الكثير من المعلومات حول عددها وأنواعها. وثانياً: الاكتفاء بالتهديد اللفظي والكلامي دون التهور والدخول في مواجهة لا تحمد عقباها، واستمرار العمل العسكري المحدود فى إيران وسوريا ، والضغط على المحور من خلال تفعيل واستمرار الأدوات الدولية فى معاقبة ايران كالعقوبات، والملاحقات المالية، وتجفيف منابع الدعم للمحور بأنواعه، وقتل العلماء الإيرانيين وملاحقتهم.

الخلاصة:

إن العدو يحسب كل الحسابات، وهو يعلم أن الحرب مع إيران وحزب الله ليست بالحرب العادية، وهى تختلف اختلافاً تاماً عن كل الحروب التي خاضها الكيان سابقًا، بل ستكون -في نظري في حال حدوثها- معركة وجود من عدمه، وهذا الكلام ليس تضخيمًا لقدرات حزب الله وإيران وتقليلاً من قدرات وإمكانيات العدو، بل لأن هذه الحرب تعقيداتها كبيرة، وحساباتها دقيقة، ولن تصب في كفة الكيان -في حال حدوثها-... وبناء على ما تقدم فإننا نستبعد أن يقوم الكيان بتنفيذ تلك التهديدات التي يطلقها ويرددها يومياً على لسان قياداته.

اخبار ذات صلة