تعاظم قوة حزب الله العسكرية أحد المكونات الرئيسة في تهديده لـ"إسرائيل"، وقد ازدادت قدراته الصاروخية على نطاق واسع، كما تسلح بمجموعة متنوعة واسعة النطاق من الأسلحة المتعددة، وبات من الشائع الآن -حسب التقديرات الإسرائيلية-أن في حوزة حزب الله من (130- 150) ألف صاروخٍ وقذيفةٍ من مختلف المديات (القصيرة والمتوسطة والطويلة)، وهو مخزون أكبر بعشر مرات، مما كان لديه عام 2006، أضف إلى ذلك، أن جهود حزب الله في تطوير مشروع الصواريخ الدقيقة، والقادرة على ضرب الأهداف الإسرائيلية بدقة كبيرة، لذلك صرّح مسؤولون إسرائيليون بشكلٍ علني، أن مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله على الأراضي اللبنانية، هو في المرتبة الثانية، من حيث الخطورة، بعد مشروع إيران النووي، ويجب إيقافه، "حتى في ظل خطر الحرب".
في المقابل، صار حزب الله، كما أكدت دراسة لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي، أكثر حساسية تجاه الحفاظ على قواعد اللعبة القائمة، كما تجلى ذلك في ردوده على عمليات "الجيش" الإسرائيلي، على الأراضي اللبنانية والسورية، ويُعدّ الحفاظ على الردع المتبادل مع "إسرائيل" مهماً منذ حرب 2006، وقد أدى ذلك إلى حرص حزب الله على الرد تجاه أي فعل إسرائيلي يراه كسراً لقاعدة الردع المتبادلة، وبالتالي يمكن تحديد قواعد الاشتباك مع الإسرائيلي من جهة حزب الله من خلال مسارين:
المسار الأول، تأكيد قواعد الاشتباك مع الجانب الإسرائيلي على الساحة اللبنانية، من خلال تثبيت قاعدة الردع المتبادل بين الطرفين، الممتدة منذ 2006، مع عدم السماح لـ"إسرائيل" بتغييرها بالمطلق.
المسار الثاني، الإنهاء التدريجي لسياسة "الصبر الاستراتيجي"، التي انتهجها حزب الله تجاه الاستهداف الإسرائيلي لمواقعه، وعناصره على الأراضي السورية، ويسعى حزب الله إلى مد قواعد الاشتباك الموجودة بينه، وبين الجانب الإسرائيلي من الأرض اللبنانية إلى سوريا، فمنذ أيلول/سبتمبر 2019، يحاول حزب الله مدّ "معادلة الردع" إلى الساحة السورية.
لكن، تبقى حسابات حزب الله في إدارة الصراع مع "إسرائيل"، تدور حول الحفاظ على قواعد الاشتباك، التي تم تكريسها منذ نهاية حرب 2006، كونها تصب في مصلحة حزب الله في ظل أزمات لبنان الداخلية، والضغوطات الخارجية، مع السعي لانتهاز الفرصة لتطويرها لمصلحته.
وفي ظل قواعد الاشتباك المتبادلة والتي يعتقد كل طرف أنه قادر على تطويرها لمصلحته، يطرح تساؤل استشرافي عن مستقبل المواجهة بين حزب الله و"إسرائيل"، في ضوء التغيرات الدراماتيكية والعميقة، التي شهدتها البيئة الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، بما تحمله من تأثيرات في قواعد الاشتباك بين حزب الله و"إسرائيل" مستقبلاً، وهل تستطيع قواعد الاشتباك الحالية، منع اندلاع مواجهة عسكرية في الأيام القادمة؟
إن استمرار قواعد الاشتباك الحالية، رغم أنها لا تلبي طموحات كلٍ من حزب الله و"إسرائيل"، فإنهم قادرون على التعايش معها، في ظل عدم قدرتهم ولا رغبتهم في دفع أثمان الحرب الباهظة، وفي حال اندلاع الحرب فلا يستطيع أحد أن يعلم مدى اتساعها وشراستها، والأهم نتائجها الكارثية على جميع الأطراف، وبالتالي سيحاول حزب الله الحفاظ على قواعد اشتباك تتيح له الحفاظ على سياسة الردع المتبادل بينه وبين "إسرائيل"، ومنع الأخيرة من تغييرها لمصلحتها، مع استثمار كل فرصة لتوسيع دائرة الردع المتبادل بينهما، ليشمل الأراضي السورية. وفي المقابل، فكرة الحرب المفتوحة غير مطروحة فعلياً، لكن تستخدم تهديداً كلامياً لأسباب سياسية مختلفة، لذلك ستحاول "إسرائيل" تكثيف استخدام استراتيجية (المعركة بين الحربين)، التي تعتقد أنها لم تستنفد ما في جعبتها من أساليب، في عرقلة التهديدات المحيطة بها وتأخيرها، من خلال تغيير مفهوم استخدام القوة، والاستفادة من الظرف الموضوعي، في لبنان، ومن الممكن أن تنتهزه "إسرائيل"، لتغيير معادلة الاشتباك، من دون الحاجة إلى الحرب.
ورغم تكرار تقديرات الجهات الرسمية في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، "فإن احتمالية أن تكون الساحة الشمالية "على شفا تصعيد" قد تتصاعد إلى حرب"، لكن صانع القرار الإسرائيلي، سيفضل استنفاد الخيارات كافة، من خلال المعادلة الداعية إلى إمكانية التعايش، مع تهديد استراتيجي على المدى البعيد قد لا يحدث، أفضل من الذهاب إلى معركة ستكلف ثمناً باهظاً، وغير مؤكد تحقيق كامل أهدافها، وبالتالي يبقى سيناريو اندلاع حرب إسرائيلية – لبنانية بمبادرة من أحد الطرفين، في المرحلة الحالية احتمالاً ضعيفاً في ضوء مأزق الخيارات لدى كل الأطراف.
وفي المحصلة، قواعد الاشتباك المتبادلة بين "إسرائيل" وحزب الله، رغم أنها غير قادرة على منع تهديد حزب الله بالشكل الكامل، فإنها تبقى أفضل الخيارات المتاحة لـ"إسرائيل"، وفي الوقت نفسه، سيستمر كلا الطرفين في مسار الجهوزية العسكرية والاجتماعية والسياسية للمعركة القادمة، التي من الممكن ألا تتأخر كثيراً لأخطاء في تقدير الموقف.