قائمة الموقع

الطفل صُهيب يفقد البَلع ووالدته تصرخ في وجه الصِحة: ابني بموت 1000 مرة في الدقيقة!

2023-06-26T10:56:00+03:00
الطفل صهيب أبو حبل.jpg
شمس نيوز - وليد المصري

يمنةً ويسرةً، يتجول داخل مطبخ بيتهم، يحدق في باب الثلاجة بعيون ذابلة، يفتحه باستمرار، وصراخه يضج في أرجاء البيت.. للوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن الثلاجة فارغة، ولكنها ليست كذلك، ففيها أصناف من الطعام الذي يكفي قوت يوم العائلة، حالها حال الأسر الفلسطينية التي تعيش في قطاع غزة، يأخذ قطعة من الخبز، ويمضغها بأسنانه بشراهة كبيرة، ثم يحاول ابتلاعها، غير أنه لا يقدر على ذلك.. ثمة خطب ما يواجه الطفل صهيب! 

على مقربةٍ منه، تقف والدته ناظرةً باكيةً، قلبها يغلي على نجلها الصغير، لكنها لا تملك فعل شيء، عاجزةً أمام ما يمر به ابنها، متألمة لألمه، تتمنى أن تكون هي المصابة بدلاً منه، تقول في قرارة نفسها: "فداك يا أمي!"، ألمها يفوق حدود الوصف، لا ألم يفوق ألم الأم، ولا قلب أكبر من قلبها. 

الطفل صهيب أبو حبل، البالغ من العمر عامان ونصف، من سكان مدينة بيت حانون شمالي قطاع غزة، لم يأكل منذ 29 يوماً بسبب مضاعفات خطأ طبي تَسَبَّبَ في فقدانه القدرة على بلغ الطعام، بعد إجراء عملية استئصال اللحمية، وهي العقد الليمفاوية التي تقع في الجزء الخلفي من الأنف. 

كان كل شيءٍ هادئاً ليلة السادس والعشرين من شهر مايو المنصرم، نعمة تروي لابنها صهيب بعض الحكايات الشعبية من التراث الفلسطيني التي تحث على الشجاعة، وبأسلوبها الحنون تغدقه بمشاعر الأمومة، يسألها عن عمليته الجراحية المقرر إجراؤها له في الصباح. 

يعاني صهيب من التهاب في اللحمية، سبَّبَ له ألماً شديداً ومشاكل في التنفس، وبعد عرضه على الطبيب المختص في مشفى بيت حانون شمالي القطاع، تقرر إجراء عملية استئصال لهذه الزوائد، وهذه العملية -وفقاً للأطباء- هي إجراء بسيط، يتم تحت تأثير التخدير العام وتستغرق من 30 إلى 60 دقيقة فقط.

تُساعد اللحمية على حماية الجسم من الفيروسات والبكتيريا، ولكنها تتورم أحياناً أو تتضخم أو تُصاب بالعدوى المزمنة، ويمكن أن يكون هذا بسبب العدوى أو الحساسية أو لأسباب أخرى، فقد يُولد بعض الأطفال أيضاً بزوائد أنفية كبيرة بشكل غير طبيعي.

وعندما تتضخم اللحمية لدى الطفل، فإنها يمكن أن تُسبِّب بمشاكل عن طريق سد مجرى الهواء بشكل جزئي، وعندما يحدث هذا، يمكن أن يُعاني الأطفال من مشاكل في التنفس أو التهابات الأذن أو غيرها من المضاعفات، والتي يمكن أن تُؤدي إلى الشخير أو حالات أكثر خطورة مثل توقف التنفس أثناء النوم، ويمكن أن تُؤثر اللحمية المتضخمة أيضاً على تكرار (عودة) التهابات الأذن والسوائل المزمنة في الأذن، مما قد يؤدي إلى فقدان السمع المؤقت.

 وغالبًا ما يقوم الأطباء بإجراء عمليات إزالة اللحمية واستئصال اللوزتين (إزالة اللوزتين) معاً؛ لأن التهاب الحلق المزمن والتهابات الجهاز التنفسي غالباً ما تسبب العدوى والالتهاب في الغدد.

 

صباح يوم الكارثة!

 

صباح اليوم الموعود، استيقظ الطفل صهيب باكراً، ارتدى ثيابه الأنيقة وجهَّز نفسه ملتزماً بتعليمات الطبيب التي أوصاها له قبل أيام من موعد العملية، أخذ لعبته معه، وانطلق بصحبة أمه إلى المشفى.

بعد إجراء العملية، خرج الطفل صهيب من غرفة العمليات مُنهكاً تبدو عليه أعراض الإعياء؛ لتلاحظ والدته زيادة كبيرة في نسبة "البلغم" -وهو مادة تتكون من لعاب ومخاط تصل إلى الفم نتيجة للسعال، ومصدرها الرئتان، أو القصبة الهوائية، أو الشعب الهوائية-، والاستفراغ الشديد المصحوب بالدم.

تقول نعمة أبو حبل، وهي والدة الطفل صهيب: "تفاجأت بوضع ابني بعد خروجه من العملية، إذ إنه الوحيد ضمن 16 حالة لم يفق من آثارها، وبعد سؤال الطاقم الطبي أجاب أنه لا يزال تحت تأثير البنج ويحتاج وقتاً للاستفاقة". 

وتضيف أبو حبل لـ"وكالة شمس نيوز": "بعد مرور 5 ساعات على إجراء العملية، لم يتابع أحد حالة طفلي، وبعد مراجعة الطاقم الطبي، أفاد بأن هناك طبيباً مختصاً يجب أن يشخصه، ثم يجيز له الخروج، وهو إجراء روتيني بعد كل عملية"، مشيرةً إلى أنه "لم يأتِ الطبيب مٌطلقاً، وتفاجأنا بورقة الخروج".

في البيت، أعدَّت نعمة حساء "الشوربة"، -وهو ضَرْبٌ من الأغذية يكون طهيه بوضع أنواع من الخضروات مع اللحم المسلوق في ماء مغلي حتى يمتص مكوناته-، وهو مصدر غني بالسوائل ومليء بالألياف الغذائية الصحيّة، وقدَّمته لولدها، الذي أمسك بالمعلقة وحركها بانسيابية عالية صوب الطبق "اللذيذ"، ثم أخذ يمضغ الخضار المهروس ويُحاول بلعه دون فائدة، مستفرغاً بشكل إجباري كلَّ ما تناوله.

 

أمام هذا المشهد، زادت مخاوف الأم، وبدأت دقات قلبها تنبض بشدة، لتنطلق في تمام السادسة صباح اليوم التالي صوب المشفى مرة أخرى، ليقول لها الطاقم الطبي المتواجد وقتها أن نجلها لا يزال تحت تأثير البنج، وبعد إصرار منها أدخلوه إلى غرفة الرعاية، ليؤكدوا بعدها أنه يعاني من مضاعفات العملية". 

في المشفى، انخفضت نسبة الأوكسجين لدى الطفل، ما اضطر إلى وضعه تحت جهاز التنفس الاصطناعي، وأثناء التقاط صور "الأشعة" التي طلبها الطبيب، شدَّد على ضرورة عدم نزع جهاز التنفس عنه. 

ساءت حالة الطفل صهيب كثيراً، الأمر الذي أوجب استدعاء الطبيب المختص في ساعات الفجر الأولى، وبعد تشخصيه أخبرَ الأم أن ابنها يعاني من تسمم مريئي أو "كوي" في لسان المزمار، وهي حالة من مليون حالة -وفق تعبيره-، وفي اليوم الخامس أقرَّ بإجراء صورة مقطعية "CT".

وتوضح والدة الطفل: "قال لي الطبيب حينها بنبرة عالية: (اليوم يصادف عيد ميلاد ابني، و أنا بتعامل مع ابنك كحالة إنسانية، مش كواجب، لإنوا مش أنا إللي عملت العملية)، وهي كلمة "غير سليمة وأصابتنا بالإحباط" -وفق قولها-.

بعد أيام من المعاناة التي تعرضت لها والدة الطفل والألم الذي يلحق بنجلها الذي يصرخ طوال الوقت من الجوع، طالبت بإجراء عملية رنين لمعرفة وضعه الصحي بشكل صحيح، غير أنها قوبِلت برفض حازم وقاطع من الطاقم الطبي بدعوى أن حالته لا تستدعي هذا الإجراء، وأنه يضر بالطفل. 

في اليوم الثامن من هذه المعاناة، ذهبت الأم بطفلها المريض إلى عيادة طبية خاصة.. تواصل الطبيب الخاص مع إدارة المشفى للاستفسار عن حالة الطفل صهيب، فردت الإدارة أنه "خرج من المشفى سالماً، يبلع طعامه بيسر، وأهله يسببون لنا إزعاجاً شديداً" -وفق ما أعلنته والدة الطفل صهيب-. 

وعلى هذا الحال بقيت نعمة أبو حبل طيلة 15 يوماً تطوف بين مشفى بيت حانون تارةً ومشفى كمال عدوان تارةً أخرى، أملاً في علاج ابنها بشكل نهائي، وخلال الفترة المذكورة لم يتواصل معها أحد من وزارة الصحة أو إدارة المشفى، ما اضطرها إلى طرق أبواب المؤسسات الصحفية لتسليط الضوء على معاناة نجلها الذي بَقِي على يتغذى بواسطة المحاليل الطبية، وفي اليوم الـ 27 تلقت الاتصال الأول من إدارة مشفى بيت حانون، التي أعربت عن استعداد وزارة الصحة بشكل كامل لمتابعة حالة نجلها، وتوفير كل ما يلزم من أجل علاجه، وعودة القدرة على البلع له من جديد، وتحويله للعلاج بشكل طارئ في الأراضي المحتلة. 

بدورها، تواصلت "وكالة شمس نيوز للأنباء" مع الناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، الدكتور أشرف القدرة، الذي اكتفى بقوله إن "الوزارة تتابع حادثة الطفل صهيب أبو حبل، وإذا كانت هناك تطورات جديدة سنعلن عنها بها"، مضيفاً أن: "هناك تفاصيل كثيرة في هذه الحادثة". 

 

"وقفوهم إنهم مسؤولون"

 

"وقفوهم إنهم مسؤولون"، هذه الآية القرآنية التي تتجلى عبر أفواه الكثيرين بادئ علمهم بحوادث الأخطاء والإهمال الطبي، فحادثة "صهيب" ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة، في مسيرة الأخطاء الطبية والإهمال الذي أودى بأرواح عدد من المواطنين في قطاع غزة.
هذه الحادثة تجعلنا في "وكالة شمس نيوز للأنباء" ندق ناقوس الخطر، على الرغم من أننا في قطاع غزة نثق في كفاءة كوادرنا الطبية وتفانيهم، ونقدر جهودهم العظيمة، ولكن الإهمال الطبي يجب مواجهته ومحاسبة من يرتكبه.

اخبار ذات صلة