بمشاعر روحانية جميلة، وبصوتٍ جهوري رخيم يصدح بتكبيرات العيد: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد"، يذهب محمد (40 عاماً) مصطحباً أطفاله الذين ارتدوا "الجلابية" بألوانها الزاهية، وعلى كتفهم سجادة الصلاة "المصلية"، بين جموع غفيرة من الفلسطينيين، الذين قصدوا مصلى "الإسلام" المركزي المقام في العراء، أمام مسجد الإسلام بمدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة.
وفي أجواء من السعادة والبهجة، يجتمع المسلمون في الصباح الباكر؛ لصلاة عيد الأضحى المبارك في العاشر من شهر ذي الحجة، للتعبير عن فرحتهم وشكرهم لله تعالى على نعمه وآلائه، وهو يوم يعتبره المسلمون كلهم فرحةً بأداء الركن الخامس للإسلام وهو فريضة الحج، إذ يقف الحجاج على جبل عرفة في اليوم التاسع من الشهر ذاته، متضرعين داعين راجين المغفرة والثواب من ربهم تعالى، وهو الركن الأعظم لهذه الفريضة، وتتويجاً لغير الحجاج لصيامهم يوم عرفة، وهو مباركٌ يومٌ تُكفَّر فيه السيئات -كما أخبر النبي محمد صلَّ الله عليه وسلم-.
وتُشكِّل صلاة العيد اجتماعاً روحانياً سنوياً للمسلمين من مختلف الأعمار والأجيال في مكان واحد، مما يعزز الروح الجماعية والترابط والتلاحم بين أفراد المجتمع الفلسطيني المسلم، لتكون مناسبة مهمة تعزز الروحانيات، وتنشر القيم الإسلامية.
وبصوته الواضح، وكلماته الإيمانية، وقف الشيخ أحمد صلاح البيوك أمام جموع الحاضرين بعد أن أمَّ فيهم صلاة العيد، ليلقي خطبة عيد الأضحى المبارك، التي تحدث فيها عن أهمية القرب من الله والتضحية والعطاء في إطار الأضحية، وأهمية تعزيز روح التسامح والمحبة بين الناس وبناء المجتمعات المترابطة والمتحابة.
وقال البيوك، في خطبته التي حضرها "مراسل وكالة شمس نيوز للأنباء": إن "عيد الأضحى المبارك، هو عيد التضحية والفرحة والتقرب إلى الله. وفي هذه المناسبة السعيدة، نتذكر قصة النبي إبراهيم -عليه السلام- وابتلائه بأمر الله بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام"، مضيفاً أن النبي إبراهيم -عليه السلام- كان رمزاً للطاعة والتواضع، ولم يتردد في تنفيذ أمر الله الذي ابتلي به. وفي اللحظة الحاسمة، تدخل الله برحمته وأمر إبراهيم بأن يقدم كبشاً فداءً لولده إسماعيل البار، وهكذا أظهرت قصة التضحية قوة الإيمان والثقة التي ينبغي أن نمتلكها في الله.
وأكد أن روح التضحية التي تتجلى في عيد الأضحى تذكر بقيمة التفاني والتعاون والعناية بالآخرين، مشيراً إلى أنها "فرصة للتعبير عن شكرنا وفرحتنا لنعم الله علينا بتحقيق فريضة الحج والأضحية".
ولفت إلى أن الأضحية هي تعبير عن التضحية والاستعداد للفداء في سبيل الله. وأنها ليست مجرد ذبيحة للحيوان، بل هي رمز للتواضع والانقياد لأمر الله، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ".
وأوضح أن عيد الأضحى لا يقتصر على التضحية بالأضاحي فحسب، بل إن قيمة التضحية يجب أن تكون في الحياة اليومية، فالتضحية تعني تقديم النفس، والوقت، والجهود من أجل خدمة الآخرين، والنضال ضد الاحتلال ومقاومته حتى دحره عن فلسطين كلها، وتحرير المقدسات من دنسه.
فور انتهاء الخطبة، قال محمد لمراسلنا: "إن خطبة عيد الأضحى تجسد روح التضحية والتكافل في الإسلام، وهي فرصة لاجتماع الكلمة، وتوحيد الصف، وشحذ الهمم".
وتُعدُّ خطبة العيد تعبيراً حياً عن التزام المسلمين بقيمهم الإسلامية وروح الإيمان والتسامح والتكافل، وتعزيز أواصر المحبة والروابط الاجتماعية داخل المجتمع المسلم.