أوضح الأستاذ حسن قنيطة مدير عام هيئة شؤون الأسرى والمحررين فى المحافظات الجنوبية أن كتاب الإدارة والتنظيم للحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة من إصدارات هيئة شؤون الأسرى والمحررين لرئيس الهيئة وشهيد الواجب اللواء قدري عمر أبو بكر والمدير العام بهيئة شؤون الأسرى والمحررين وعضو اللجنة المكلفة بادارة الهيئة فى قطاع غزة الدكتور رأفت خليل حمدونة، حيث طبع الكتاب فى مارس 2019م ـــ رجب 1440هـ ، واهدى حينها إلى أرواح الشهداء الأكرم منا جميعًا وشهداء الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، والجــــرحى، إلـى الأســــرى والأســــيرات الفلسطينيين القابعيــن فــي ســــــجون الاحتلال الإسرائيلي وإلى ذويهم، إلى كل الأســـرى المحـررين الذين ناضلـوا من أجل كرامتنا وحريتنا وسيادتنا واستقلالنا، وإلى عمـــوم الشعــب الفلسطينـي الصـامــــد والمكافح نهدي هذا العمل.
وكانت فكرة الكتاب محاولة ومبادرة إيجابية لتوثيق تجربتين متتاليتين فى الإدارة والتنظيم للحركة الأسيرة والتى بدأن من السبعينات باعتقال اللواء قدرى أبو بكر وقد أمضى خلالها 17 عاما متنقلا بين السجون والمعتقلات ، انتخب الأسير والمناضل و اللواء قدرى أبو بكر خلالها 13 مرة موجها عاما داخل المعتقلات حتى نهاية الثمانينات ، والبدء بمرحلة ثانية باعتقال الدكتور رأفت حمدونة منذ العام 1990م أمضى فيها 15 عام متتالية في سجون عدة منها " عزل الرملة ، عسقلان ، نفحة ، بئر السبع ، هداريم ، ريمونيم ، جلبوع " وعمل فيها فى غالبية المؤسسات الاعتقالية ، وتم تحريره في 2005 بعد قضاء كامل محكوميته ، وتكمن أهمية الكتاب فى تقديم تجربة عملية للكاتبين عايشاها من شبابهما فى فترة البناء للسجون .
وقال الكاتبان فى مقدمة الكتاب أن الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة تميزت عن غيرها من حركات التحرر العالمية بالإدارة المبدعة والحالة التنظيمية الفريدة التي شهدت لها سلطات الاحتلال ومدراء إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية ، فقامت الحركة الأسيرة منذ نشأتها ببناء الذات والقدرات للمعتقلين الجدد ، وتنظيم علاقاتهم مع الآخرين ، وتعزيز الجانب الثقافي لديهم، وتشجيع حركة الأدب، وعملت على رسم السياسات والخطط والبرامج لتخريج القادة والكوادر، وإعمال العقل، وملء الوقت وإدارته بما يفيد، وممارسة العصف الذهني من خلال النقاشات والجلسات المستمرة، وإدارة العقل ومعالجة الأفكار، وزرع روح القبول والحوار مع الآخرين، والنقد الذاتي، ومعرفة الذات ومراقبة النفس، ومهارات التفكير، وحل المشكلات والأزمات بطرق منهجية عبر البدائل والتكتيكات، وتنوع المجالات الإبداعية والابتكارية، وتعزيز روح المساواة وسيادة القانون التي نصت عليها اللوائح الاعتقالية، وأهم البرامج التي وضعها الأسرى للحفاظ على تراث الحركة الأسيرة وتراكم إنجازاتها والحفاظ على حقوقها.
كما أن تجربة الرواد الأوائل من الأسرى وصمودهم وقوة انتمائهم الوطني وشدة إصرارهم وعنادهم أفشلت أهداف العدو، وحولت هذه المعتقلات، إلى عبء على العدو-نفسه-بتلك الروح النضالية تحولت السجون إلى مدارس ثورية يتم فيها التعبئة والتثقيف ورفع المستوى النضالي والتعبوي، من خلال حلقات تثقيفية وتعبوية، ومن خلال النضالات اليومية في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة استطاعوا- في بعض المراحل- أن يشكلوا في نضالاتهم وإضراباتهم الحدث الرئيس- من أحداث الثورة، ولقد اعترف- العدو الصهيوني- عبر صحافته ووسائل إعلامه بالأساليب النضالية العالية المستوى، وبالدقة وبأشكال التنظيم المتطورة لهؤلاء المعتقلين، وبانضباطهم الثوري العالي، وبالتزامهم الوطني الأصيل.
لقد وجد مبدأ الوحدة الوطنية تعبيرًا منظمًا له في إطار اعتقالي منظم ومنضبط، عبَّر عن أماني وتطلعات المعتقلين من خلال موجه عام يقف على رأس التنظيم وموجه قسم وموجه غرفة وموجه خلية، واللجنة المركزية على قمة الهرم التنظيمي تضع السياسة العامة، واللجنة الثقافية، كمشرفة على النشاط الثقافي والجلسات، بالإضافة إلى النشاط الأمني والمالي والاجتماعي مع الضبط الإداري، وترسيخ الالتزام الثوري بالحياة التنظيمية في ظل القانون تحت شعار لا فردية ولا انتهازية ولا مساومة بل روح المجموع وصمود ونضال.
والنشاط الإداري الذي لعب دورًا مهمًا في هذا الجانب كونه يكفل تنظيم الحياة حسب قوانين الدستور التنظيمي، حيث تعالج من خلاله كل المخالفات اللامسئولة ويوقع العقاب على مخاليفيها، ولكن جوهر الحياة التنظيمية ليس العقاب، ولا فرض السلطة بل التوجيه والعمل بكافة الطرق على خلق القناعة الذاتية بالقيم التي عمادها المساواة، والأخوة النضالية، واحترام الآخرين وطاعة القوانين والمراتب العليا، التي عليها أن تحترم أيضًا عناصر التنظيم وتعاملهم على أساس الأخوة التنظيمية، لا فرض السلطة، فلا فرض بلا قناعة وإيمان وجهد مشترك، ومن أهم القوانين السلوكية التي يجب عدم مخالفتها الالتزام بنظام الغرف كالهدوء، فعلى الجميع التقيد بأوقات تحددها الغرفة، والنشاط الإداري والقوانين واللوائح تكرس النظام في المجتمع الاعتقالي، وبهذا تنعدم الفوضى لأن عناصر التنظيم يعرفون ما لهم وما عليهم، ولا يتدخل أحدهم إطلاقًا في شؤون غيره، ففي الغرفة الموجه هو المسئول المباشر ويتخذ إجراءاته المقبولة من الجميع دون تدخل ولا يتصرف أحد دون مشاورته وموافقته، لذلك تسير الحياة بنظام وهدوء.
وكان الكتاب أشبه بالدراسة الأكاديمية فى اختيار المنهج العلمى فى الكتابة والتوثيق والأدوات البحثية، وأهمها الملاحظة الشخصية للباحثين اللّذين عاشا تجربة الاعتقال لفترة طويلة وفريدة، كونهما عايشا الكثير من الأحداث والمراحل الدقيقة والحرجة التي مرت على الحركة الأسيرة في فترات متغيرة سابقة ولاحقة لأكثر من اثنين وثلاثين عامًا مجتمعة، عملا خلالها في الكثير من المؤسسات واللجان التنظيمية والاعتقالية داخل السجون ( كأعضاء لجنة حوار مع إدارة مصلحة السجون وفي اللجنة النضالية العامة، وقاما بكتابة عدد من الكتب والروايات والمؤلفات، وشغل اللواء قدري أبو بكر رئيسًا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، والدكتور رأفت حمدونة مديرًا عامًا، وناطقًا إعلامياً ومديرًا لدائرة القانون الدولي، ومستشارًا لوزير الأسرى على مدار عمله فيها وعضو لجنة مكلفة بادارة الهيئة فى المحافظات الجنوبية، وبلا شك أن تلك التجربة المتراكمة للكاتبين في داخل السجون وخارجها مكّنتهما من التمييز والترجيح بين عشرات الكتابات وتفحّص الروايات ونقل الأدق والأصدق في دراستهما بما يخدم قضية الأسرى، ومصداقية العمل.
ويعتقد الكاتبان أن الجوهر في مقومات صمود الأسرى الفلسطينيين في مواجهة السجان في السجون الإسرائيلية، وتسجيل الكثير من نقاط النصر عليه، يعود للاحتراف في البناء التنظيمي، والقدرة على الإدارة والتخطيط، والنجاح في تشكيل المؤسسات، والهيئات، والهياكل والضوابط، واللجان " الإدارية، والخارجية، والثقافية، والأمنية، والمالية، والقضائية، والرياضية وغيرها، كأحد أهم عناصر التماسك والقوة الداخلية للأسرى، والمواجهة اتجاه إدارة مصلحة السجون لتحقيق الحقوق الأساسية والإنسانية التي تنص عليها الاتفاقيات والمواثيق الدولية والقانون الدولي الإنساني.
كما أن الدراسة تقدم نموذجًا للعمل الإداري والتنظيمي في السجون كتأسيس اللجان وترسيخ ثقافة الديمقراطية وعمليات اتخاذ القرار بالأغلبية وضمن مؤسسات تمثل الكل الاعتقالي دون استثناء وبلا تجاوز لأي تنظيم قلّ عدده أو كثر ، وتقدم تفسيراً حول إنجازات الأسرى التي أثرت إيجابًا على مجمل حياة الحركة الأسيرة الفلسطينية، بل على مجمل الحياة النضالية الفلسطينية تأثرًا بتجاربهم، لأن السجون والمعتقلات كانت ولا تزال جامعات ومدارس وطنيةً وتربويةً وكان لآلاف الأسرى المحررين دورهم في هذا الاتجاه، بعد أن تخرجوا من أكاديمية السجون وتصدروا المواقع والمراكز المتنوعة، وتبوؤوا مواقع سياسية وأماكن مهمة في المؤسسات المجتمعية المختلفة ولعبوا ولا زالوا دورًا مؤثرًا في الحياة السياسية، والفكرية، والاجتماعية، والإعلامية، كقادة سياسيين وعسكريين، ووزراء ونواب وأمناء عامّين وأعضاء مكاتب سياسية لفصائل وحركات ثورية، وأعضاء في المجلسين " الوطني والتشريعي"، ومدراء لمؤسسات رسمية وأهلية، وخبراء ومفكرين، ونخب أكاديمية وإدارية