غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

صديق الشهداء ورفيق المُقاتلين..

الشهيد محمد الشامي.. عريس "حُور العين" وقصة الاتصال الأخير!

الشهيد محمد الشامي
شمس نيوز - مطر الزق

"ارجع يا محمد اليوم ليس ككل يوم، هناك آلاف الجنود والاجتياح كبير جدًا"، قالتها والدته بقلب متوتر جدًا، لحظة خروج تلك الكلمات كانت شفتيها ترتجف، ودقات قلبها تتسارع كلما سمعت صوت انفجار شديد؛ لكن نجلها طمأنها بابتسامة رُسمت على شفتيه حينما قال مودعًا لها: "دعاؤك يا إمي سيكتب لي الخير الكثير، والي كاتبوا ربنا بصير".

نصف ساعة تقريبًا مرت كـ"لمح البصر" على لقاء محمد الشامي بأسرته، بدا الحديث طبيعيًا عن أجواء جنين والأوضاع الميدانية المتوترة، ولم يخلُ اللقاء من المُزاح حينما قالت والدته: "شُفنالك عروس يا إمي"، في تلك اللحظة استقبل محمد رسالة والدته بابتسامة عريضة ومازحها بقوله: "سأتزوج الحور العين".

 

انفجارات متتابعة

ثوانِ قليلة مرت على الابتسامات التي توزعت على شفاه أسرة محمد، وفجأة دون سابق إنذار دوى انفجار كبير هزَّ مخيم جنين عن بكرة أبيه، انفجار وراء انفجار، وصراخ يعلوه التكبير والتهليل، والتضرع إلى الله بأن يُسلم أهل المخيم.

كانت عقارب الساعة في تلك اللحظة تُشير إلى الواحدة فجرًا من يوم الاثنين (3 يوليو 2023)، لم يتمالك محمد نفسه إذ ودع أسرته بابتسامة عريضة قائلًا: "ادعو لنا بالنصر والتمكين"، حمل سلاحه وغادر المنزل، تاركًا نار الشوق والمحبة تغلي في قلب والدته التي لم تغلق جفونها ثانية واحدة في تلك الليلة الصعبة.

بعد مرور ساعتين تقريبًا اشتد القصف الإسرائيلي لمخيم جنين، صوت سيارات الاسعاف لم يهدأ مطلقًا وصوت طائرات الاستطلاع "الزنانة" كان يخترق طبلة الأذن، في ذات الوقت كانت والدة محمد تتجه يُمنة ويُسرة داخل ساحة منزلها ترتجف خوفًا على نجلها الذي ودعته قبل ساعتين، لم تكن مطمئنة لما يحدث فطلبت من نجلها قصي بأن يتواصل مع محمد فورًا.

قصي الذي لم يكن يعلم طريقة للتواصل مع شقيقه سوى الاتصال عليه أو مراسلته عبر تطبيق "واتساب" للمحادثات، حاول مرة وثانية وثالثة دون إجابة، يصف قصي تلك اللحظة "بالرعب" إذ بدا التوتر يشتد على والدته، كانت حينها الدموع تقف على باب جفونها، ورغم ذلك لم يتوقف لسانها لحظة بالتضرع إلى الله تعالى بأن يحفظ نجلها وجميع أبناء مخيم جنين.

 

الاتصال الأخير

"يمَّا.. محمد رد على الـ واتساب" قالها قصي كأنه أدار ماءً باردًا من الماء المثلج على قلبها ليطفئ نارها، فورًا أرسلت له عشرات الأدعية وطلبت منه تكرارها فأجابها بالقبول، قائلًا: "سأكررها في كل لحظة، والحمد لله نحن بخير والي كاتبوا ربنا بصير ادعوا لنا بالصبر والنصر والتمكين"، ثم انقطع الاتصال مرة أخرى.

 

ميلاده وحبه للناس

محمد الشامي من مواليد (عام 1997) ولد في مخيم جنين ودرس في الجامعة الأمريكية متخصصًا بدراسة المحاسبة، كان محبًا لدينه ووطنه، كبُر على جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي لم يخلُ بيتًا من التعرض لها.

اشتد عشق محمد لوطنه قبل عامين تقريبًا مع انطلاقة "كتيبة جنين" وزيادة الفعل المقاوم ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه؛ ليتعرف على أصدقاء جدد قادته معرفتهم للانضمام إلى المقاومين في المخيم، أصر على شراء سلاح بأمواله الخاصة للمشاركة في عمليات إطلاق النار.

بصوت يحفه الفخر والاعتزاز أعاد قصي شريط ذكريات شقيقه، قائلًا لمراسل "شمس نيوز": "أغلب أصدقاء محمد استشهدوا برصاص الاحتلال، وهنا أصرَّ محمد على شراء السلاح بماله الخاص، ليشارك في التصدي لجميع الاجتياحات الإسرائيلي للمخيم".

"كان محمد محبوبًا جدًا وملتزماً بالصلاة والصيام، لا يترك فريضة مطلقًا، لم يؤذِ أحدًا، ولم نسمع عن اشكالية له مع أي شخص"، هكذا وصف قصي شقيقه محمد الذي تربى على الدين والإسلام والعزة والكرم.

 

لحظة نبأ الإصابة

عاد قصي للحظة انقطاع الاتصال مع شقيقه محمد فجر الاثنين (3-7-2023)، كانت لحظات متوترة جدًا: "العائلة لم ترَ النوم في تلك الليلة التي شهدت قصف متواصل وعنيف جدًا على مخيم جنين".

عندما مرت عقارب الساعة نحو الثالثة والنصف فجرًا دق جرس الهاتف لتزداد دقات قلب قصي ووالدته بشكل كبير: "إنه عمي ماذا لديه في هذا الوقت المتأخر؟"، أخبره عمه بالقول: "محمد أصيب بشظايا صاروخ إسرائيلي والآن هو في مستشفى جنين الحكومي"، في هذا الموقف ماذا يفعل قصي؟، كيف سيخبر والدته بهذا النبأ الصعب؟.

فورًا أخبر قصي والدته بنبأ إصابة محمد؛ لكنه طمأنها بأنه بخير، لم يتوقف القصف الإسرائيلي الهمجي مطلقًا على مخيم جنين، ازيز الطائرات أيضًا لم يهدأ منذ ساعات طويلة، وجنود الاحتلال تفرض حصارًا محكمًا، يقول قصي: "جنين تحولت إلى ساحة حرب حقيقية يُمنع الدخول إليها أو الخروج منها".

 

مفاجأة قاسية لعمه

لم يتمكن قصي وأسرته من التوجه للمستشفى الحكومي؛ لكن المفاجأة هناك كانت صادمة بالنسبة لـ"عمه" الذي كان يساعد المسعفين بنقل المصابين، أحدهم قال له: "هذا محمد ابنك وهذا أيضًا محمد ابن أخوك"، كان موقفًا صعبًا فقد اتسعت حدقات عينه وانفجرت بالدموع.

عاد رنين هاتف قصي مرة أخرى والمتصل هو ذاته عمه: "الأطباء نقلوا محمد إلى مستشفى ابن سينا لخطورة وضعه الصحي، ادعوا له بأن يشفيه الله تعالى".

نحو (8 ساعات) مضت على دخول محمد لغرفة العمليات الجراحية، كانت إصابته خطيرة جدًا أصيب في رأسه وأنحاء متفرقة من جسده الطاهر، فعندما وصل إلى المستشفى فقد جسده الكثير من الدماء التي كانت كفيلة بأن يرتقي شهيدًا كما كان يحلم.

 

نبأ الاستشهاد

أعلن الأطباء في الساعة العاشرة صباحًا من يوم الثلاثاء (4 يوليو 2023) استشهاد محمد الشامي متأثرًا إصابته بشظايا صاروخ إسرائيلي استهدف مركبة في ساحة مخيم جنين.

في اليوم التالي وبعد انسحاب جنود الاحتلال الإسرائيلي من مخيم جنين وجره أذيال الخيبة والعار والهزيمة شيعت جماهير غفيرة جثامين شهداء مخيم جنين من بينهم الشهيد محمد الشامي وأطلق المسلحون النار في الهواء تأكيدًا منهم على مواصلة الطريق حتى التحرير.