قائمة الموقع

"جداريات الحج".. تقليد فلسطيني قديم يكمل بهجة عودة الحجاج!

2023-07-10T17:52:00+03:00
جداريات الحج.. فن يسحر الأبصار
شمس نيوز - وليد المصري

 بتركيز عالٍ، ودقة محكمةٍ، يتفانى الجرافيتي محمد الدردساوي في رسم الخطوط ووصلها بعضها ببعض بمرونة وانسيابية مُجسداً صورةً مكتملة الجمال للكعبة المشرفة، باستخدام "بخاخة التلوين"، والكتابة على الجدران بخط الثلث الجذاب، بأوزانه المتنوعة "حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور وتجارة لن تبور"، مُشكِّلاً لوحةً فنيةً رائعةً في المعنى والمبنى، مع بدء رجوع ضيوف الرحمن إلى أرض الوطن بعد أدائهم مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام.

وتنشط مهنة الكتابة على الجداريات، في المناسبات الاجتماعية والوطنية بشكل عام، وفي المناسبات الدينية بشكل خاص، حيث يُشكَّل موسم الحج فرصةً خصبة للخطاطين للعمل، ومصدراً جميلاً للرزق، من خلال تصميم الجداريات التي تحمل في طياتها رسائل دينية، وتعبيرات فنية ترسخ روحانية الانتماء والمكان، وظلَّت هذه العادة القديمة مستمرة على الرغم من محاولة وسائل التواصل الاجتماعي شد البساط من تحتها، إلا أنها لا زالت تلقى رواجاً كبيراً.

ظهر فن الجرافيتي الحديث في فلسطين بشكل واضح مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة)، وتُعد فلسطين من أوائل الدول العربية التي ظهر فيها هذا فن الجرافيتي الحديث؛ حيث لجأت التنظيمات الفلسطينية إلى استخدام هذا الفن كأحد أساليب مقاومة المحتل؛ من خلال رسم الرسوم وكتابة الشعارات الوطنية، التي غطت جدران المنازل والمحال التجارية في الأزقة والحارات والميادين العامة، ودعت الفلسطينيين للمشاركة في الفعاليات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي؛ بهدف رفع المعنويات، وبث روح الصمود والتحدي لمواجهة بطش المحتل.

وفي سنوات التسعينات، وبعد قدوم السلطة الفلسطينية، بدأ فن الجرافيتي يأخذ بعداً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؛ وبدأ يمارس بشكل متخصص من قبل مجموعة من الفنانين بشكل فردي أو جماعي؛ وبدأ الرسم بالظهور كطابع غالب على ممارسة هذا الفن؛ وبدأت اللمسات الفنية المتخصصة تبرز في جداريات انتشرت في الميادين والساحات العامة، وهو ما يُعطي بُعداً جمالياً للمكان.

وتتنوع جداريات الحج في تصاميمها، إذ تُبرِز صوراً دينية للكعبة المشرفة والمسجد الحرام، وآيات من القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأدعية مأثورة، مثل: "(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).

يقول الدردساوي لمراسل "وكالة شمس نيوز"، وحوله مجموعة من الأطفال التي ترتسم على أفواههم الابتسامات، وتمتلأ قلوبهم بالبهجة التي تترجمها حركاتهم في المكان، والتي من ضمنها التقاط الصور والفيديوهات التذكارية للنقوش التي ترحب بعودة حجاج بيت الله الحرام، وهو لا يزال منهمكاً في النقش والرسم، يقول: "مهنة الرسم على جداريات الشوارع والمنازل هي عملنا المهني الذي نسعى من خلاله إلى إدخال الفرحة والبهجة في قلوب الناس، ونكسب منه الرزق الحلال".

مشهدية الجمال هذه، زاهية الألوان، وإبداعية الأسلوب، وراقية الفحوى، وتفاصيلها الدقيقة، يتنافس الفنانون لتسطيرها بريشتهم ومهاراتهم الفنية التي تُعيد نبض الحياة للمكان، وتعكس روح الحج المقدس مُلَامِسَةً القلوبَ والمشاعر، ومُعَزِّزَةً عن الروح السامية والتلاحم الديني.

خلف الخطاط، يقف وسام المصري، وهو بصدد الانتهاء من استكمال كافة التجهيزات لاستقبال والده ناهض وعمه ماهر، اللذين أتَمَّا مناسك الحج، يقول لـ"شمس نيوز" مُتابعاً بدقة متناهية لريشة الخطَّاط: "حج بيت الله الحرام حلم وأمنية لجميع المسلمين في أنحاء المعمورة كافة، وبفضل الله تمكَّن والدي من أداء هذه الفريضة المقدسة".

ويضيف: "لاستقبال والدي وعمي، عملنا على تزيين واجهة البيت وجدران الشارع، بصورة الكعبة المشرفة، وإعلان أدائهما المناسك بخير وعافية، لأن أداء الحج شرف لا يضاهيه سواه، فالكتابة والرسم على الجدران يعني نيل شرف زيارة المسجد الحرام، وهي عادة توارثناها من أجدادنا وتعبر عن الفرح والبهجة، ونستبشر بها خيراً".

اخبار ذات صلة