قائمة الموقع

إسرائيل وانكماش قدرة الردع في مواجهة حزب الله

2023-07-13T18:22:00+03:00
ياسر الخواجا
بقلم/ ياسر عرفات الخواجا

مازال القلق الوجودي الاستراتيجي يخيم على منظومات الكيان وخصوصًا المنظومة الأمنية والعسكرية، وذلك من خلال متابعتهم لسلوك حزب الله في رسم استراتيجية متقدمة في إدارة الصراع، وذلك من خلال وضع قواعد جديدة وفرض واقع عسكري جديد على الكيان، ويسعي حزب الله من هذا التحدي الجديد إبراز عدم قدرة "إسرائيل" وعجزها عن التغيير. وإن هذا التطور في سلوك المقاومة بات واقعًا قابلاً للتمدد أكثر. وأما فيما يتعلق بإقامة حزب الله لموقع عسكري داخل الأراضي التي تحتلها "إسرائيل" فإن المشكلة عند الاحتلال تكمن في أن هذا الفعل يأتي ضمن سلسة من التحديات فرضها حزب الله على الحكومة الإسرائيلية التي وبالتأكيد سوف تنصاع لمطالب حزب الله كما في كل مرة بدءاً بمنصة الغاز كاريش ومروراً بالصواريخ التي أطلقت من الحدود اللبنانية وليس انتهاء بإقامة موقع عسكري لنخبة الرضوان داخل الأراضي المحتلة *والسؤال الجوهري هنا منذ متي والكيان الصهيوني يتنازل عن ثروة هامة مثل الغاز؟ ، ومنذ متي يُعهد على "إسرائيل" -المنتفشة غرورًا- القبول بالتنازل عن أمنها؟، ومنذ متي تقبل "إسرائيل" أن تنصاع لتحدي منظمة تصفها بالإرهاب في حين أن هذه المنظمة تفرض حالة من التحدي الواضح والصريح علناً

وإن المتابع للشأن الصهيوني يري أن "إسرائيل" لم تستطع الرد على الحزب بنفس المستوي، بل حافظت الأخيرة على الصمت والتزام أقصي درجات ضبط النفس، ولم يخرج من قيادتها سوي بعض العبارات الجوفاء، مثل ما صرح به وزير الحرب غالانت: "الجيش الإسرائيلي لن يبقي ضابطاً للنفس لفترة طويلة، ولن يسمح لحزب الله باستغلال ضبط النفس والقيام باستفزازات متكررة". ويتضح من هذا التصريح وأمثاله مدي هشاشة وضعف هذا الكيان المردوع والمأزوم والمهزوم، وهذا بشهادة ذوي الاختصاص الأمني في الكيان الصهيوني الذين يؤكدون حقيقة مفادها: أن حزب الله هو من يردع إسرائيل.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحقيقة المتعلقة بالكيان لم تكن لتوجد لولا ذكاء حزب الله وقدرته على إدارة المواجهة المنقطعة النظير، وذلك من خلال الفهم العميق للعقلية الإسرائيلية، وإدراك نقاط ضعف العدو ونقاط قوته، وكيف يتم استغلال ذلك واستثماره بما يخدم مصالح الحزب في إدارة المواجهة.

بعض الخبراء في الأمن القومي الإسرائيلي يصرحون بأن حزب الله لديه قدرة استخباراتية هائلة، لدرجة أن لديه معلومات أمنية حقيقية حول كل المواقع الحساسة والاستراتيجة في الكيان،إضافة لما يملكه حزب الله من قدرات عسكرية تشكل دوماً تهديدًا وجودياً لإسرائيل في أي معركة مقبلة وموسعة، الأمر الذي من شأنه أن يضع "إسرائيل" على المحك الحقيقي.

هذه هي حقيقة الواقع الذي لو تحدثنا عنه قبل سنوات ما صدق أحد بأن المقاومة قادرة على تحقيق كل هذه القوة وهذا التقدم في مشروعها المقاوم، وها نحن أصبحنا اليوم نري كيف أن حزب الله قدم لنا استراتيجية الانتصار على أرض الواقع وليس عبر الأمنيات والرجاء؛ هذا التطور بات يزرع في الوعي الجمعي العربي والإسلامي أن دولة الاحتلال التي تخشاها دول عربية كبري باتت تنصاع لرغبات ومطالب فصائل المقاومة في جنين وغزة ولبنان، وهذا كله يؤصل لمرحلة جديدة من الصراع عمادها وأساسها أن المقاومة هي من ترسم حدود القرار الإسرائيلي، وأن الإسرائيلي الذي كان يصول ويجول في المنطقة والعالم معربداً بكل قوته بات مقيدًا في وجود المقاومة، ومحصوراً في دائرة الردع التي شكلتها له المقاومة عبر العديد من المواجهات.

وهذا كله يعكس صورة لواقع حقيقي مفاده أن المقاومة اليوم أصبحت قادرة على مراكمة إنجازاتها وقوتها والبناء عليها؛ للوصول إلى هذه الحالة الردعية التي تجعل المحتل مقيداً وغير قادر على تنفيذ رغبته في المواجهة، ولكن وعلى النقيض فإن سياق الواقع وحيثياته الميدانية يشير إلى أن هناك استعداداً كبيراً من طرف الحزب للمواجهة، وهو متسلح بعقيدته وإيمانه بأنه سينتصر في معركته العادلة التي ستعيد له الأرض المغتصبة، وهذا ما يتمثل في سعيه بكل السبل لاستدراج "إسرائيل" للمواجهة، وهو مدرك تماماً تفاصيل هذا الكيان، ويتحرك وفق هذه الحقيقة التي تتعلق بضعف بنية الجبهة الداخلية لدي الكيان والانقسام السياسي والعرقي والحزبي الذي انعكس على كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى ضعف الجبهة الداخلية والاستعدادات للصمود في حال اندلاع المواجهة الموسعة مع حزب الله

الخلاصة:

لقد وضع حزب الله "إسرائيل" في دائرة الاضطراب الأمني والعجز العسكري، فهي تعيش الآن بين حالين هما: الرغبة في القتال والتخلص من التهديد الوجودي الذي تشكله له المقاومة وإعادة قوة الردع التي ذهبت دون عودة، وبين القدرة القتالية والعسكرية على تحقيق ذلك. فإسرائيل القوية عسكرياً والتي تأتي في المرتبة الثامنة عشر في قوة الجيوش على مستوي العالم لم تستطع ردع المقاومة والقضاء عليها.. بل أصبحت الآن تخشي وتحسب حساب أي تداعيات من شأنها أن تعود عليها بمزيد من تآكل الردع ومزيد من توسع رقعة احتمالات التهديد الوجودي لها.

اخبار ذات صلة