ما غابت الرقابة ببلد إلا وحل فيها الفساد، ويضاف إلى هذه القاعدة في طبعتها الفلسطينية الانقسام وغياب المجلس التشريعي وتركز السلطات بيد الرئيس، بل إن الفساد طال إعمار غزة وفق تقرير أصدره الائتلاف من أجل النزاهة والشفافية (أمان).
أرجع التقرير السنوي عن ظاهرة الفساد في القطاعات الفلسطينية تزايد الظاهرة إلى حالة الانقسام وسياسة الاحتلال وغياب المجلس التشريعي، وتمركز السلطات الثلاثة بيد الرئيس، وضعف الرقابة. وقال القائمون عليه إن الفساد طال أيضا عملية إعادة إعمار قطاع غزة.
ونبه التقرير الصادر عن الائتلاف الفلسطيني من أجل النزاهة والشفافية (أمان) في رام الله إلى أن الفساد "ما زال يشكل واحدة من أهم المشاكل والهموم في الواقع الفلسطيني، إلى جانب تردي الأوضاع الاقتصادية والإشكالات المتعلقة بقضايا الحكم".
واستعرض تداعيات الانقسام والاحتلال "السلبية على النظام الوطني للنزاهة وجهود مكافحة الفساد، وأبرزها إصرار الجانب الإسرائيلي على رفض تقديم البيانات المالية التي يقوم بجبايتها لصالح السلطة الفلسطينية بشفافية. كما برز خلال عام 2014 دور الاحتلال في حماية بعض المتهمين بقضايا فساد".
غياب واستئثار
وتطرق التقرير إلى غياب المجلس التشريعي وعدم إجراء انتخابات عامة، مؤكدا أن ذلك "أضعف الرقابة على الشأن العام وعلى الحكومة خاصة، وعرقل مواءمة التشريعات الفلسطينية مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي وقعت عليها السلطة الفلسطينية العام الماضي".
كما نبه إلى أن غياب المجلس التشريعي "أدى إلى تمركز السلطات الثلاث بيد الرئيس، مما أضعف مبدأ الرقابة المتبادلة، وأتاح للرئيس تعيين موظفين كبار في مناصب عليا بدون سند قانوني، كتعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى دون تنسيب من المجلس".
وعدد التقرير أبرز أشكال الفساد في القطاعات الفلسطينية المختلفة، وتتصدرها "الواسطة والمحسوبية"، مشيرا إلى نتائج استطلاع أعدته منظمة "الشفافية الدولية" عام 2014 أظهرت أن 6% من الفلسطينيين في الضفة الغربية دفعوا رشوة للحصول على الخدمة العامة، بينما دفعها 19% في غزة، كما أظهرت أن 70% من الفلسطينيين يعتقدون أن الفساد زاد في العام 2014.
إعمار غزة
وفيما يتعلق بإعادة إعمار غزة قال القائم بأعمال مدير ائتلاف "أمان" عصام ياسين إن المرحلة الأولى من إعادة الإعمار والتي تعلقت بالمساعدات الإغاثية العاجلة، "تمت بلا معايير توزيع واضحة وفي ظل غياب الرقابة".
وأضاف ياسين أن الائتلاف تلقى أكثر من 500 شكوى خلال العام 2014 عن غياب العدالة في توزيع المساعدات الخاصة بإعادة الإعمار في قطاع غزة.
واعتبر أن ذلك "ليس غريبا، إذ تشير الدراسات الدولية إلى وقوع الفساد في أي عملية إعادة إعمار على مستوى العالم". وأضاف أن معظم المساعدات المقدمة بواسطة المؤسسات الدولية والجهات الأخرى "لا توضح معايير التوزيع، كما أنها لا تنشر تقاريرها بذلك للجمهور، ولا توجد مظلة تحتوي هذه العملية، وهناك العديد من الأطراف والمؤسسات التي تعمل في هذا الشأن بدلا من جهة واحد يحصل منها المتضررون على المساعدات بصورة عادلة.
ورغم تشكيل لجنة عليا للإشراف على عملية إعادة إعمار غزة منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي نهاية اغسطس/آب الماضي، فإن ياسين شدد على ضرورة وجود "جهة مركزية فاعلة توفر المعطيات عن الجهات التي تقدم المساعدات وآلياتها". وعبر عن قلقه من إمكانية وقوع الفساد في المرحلة الثانية لإعمار قطاع غزة، والتي تعنى ببناء ما هدمه الاحتلال.
واعتبر الباحث في قضايا الشفافية والنزاهة جهاد حرب التقرير "جزءا من نضال طويل لمؤسسات المجتمع المدني والناشطين في مجال مكافحة الفساد وواقع النزاهة". وقال إن الضغط الذي شكلته هذه الجهود نجحت في تشكيل محكمة قضايا الفساد وتفعيل نظام الرقابة في المؤسسات العامة.
وشدد حرب على ضرورة انعقاد المجلس التشريعي ليوائم التشريعات الفلسطينية مع نصوص الاتفاقية الدولية، وقال إن غياب المؤسسة الرقابية الأساسية في البلاد يضعف نظام النزاهة الوطني بشكل عام.
إعداد: ميرفت صادق