كل شيءٍ في البيت يكسوه القلق والترقب، عقاربُ الساعة تسير بتباطؤ شديد، شهد تجلس على "الكنبة" وحولها عائلتها، تُحدِّق في شاشة هاتفها بدقة، منتظرةً وصول نتيجة الثانوية العامة، وفي قلبها تدعو الله أن لا يخيبها، ويكلل جهودها بالنجاح والتفوق.. في تلك الأثناء كان الصمت يُخيم على المكان، والقلق هو سيد الموقف، والعرق يتصبب بغزارة كالمطر من جبين الموجودين كلهم، وما هي إلا دقائق حتى علا صوت رنين الهاتف، لقد وصلت الرسالة، ازدادت دقائق القلب تسارعاً، وكالأسد الوثَّاب أمسكت الهاتف وقرأت بصوت عالٍ: "99.7.%".
القلق، وانقلبت أجواء التوتر إلى فرحةٍ عمَّت أرجاء المنزل كله، فور انتهاء انتهاء شهد من لفظ آخر حرف من معدلها، وعلت أصوات الزغاريد التي امتزجت بأصوات أناشيد النجاح والتفوق، لتشكل سيمفونيةً متكاملةً من البهجة والفرح.
الطالبة شهد وسام عيسى من محافظة خانيونس جنوبي قطاع غزة، حصلت على معدل 99.7 في الثانوية العامة "التوجيهي 2023م"؛ لتظفر بالترتيب الأول على مستوى الوطن.
نشأت الطالبة عيسى في كنف أسرة مثقفة، غرست قيم العلم والتفوق في نفوس أبنائها، وتؤمن بأن أعظم استثمار هو الاستثمار في العقول وصياغتها، وأعظم بناء هو الإنسان، فالمثقف هو عماد الوطن وزينته، وآخر مَن ينكسر في قاموس هذه العائلة.
"فرحة النجاح فرحة لا توصف، أجمل فرحة في الحياة"، بعبارات الفخر والإنجازات الممزوجة بدموع الفرح تروي عيسى لمراسل "شمس نيوز"، مشاعرها لحظة وصول النتيجة، مشاعرُ لا يمكن مهما كتبنا عنها أن نصفها حقَّ وصفها، فرحة التفوق أكبر من أن توصف!
ولم تألُ الطالبة عيسى جهداً، فثابرت، واجتهدت، وسهرت الليالي، وعكفت على كتبها قراءةً، وحفظاً، وفهماً، مستمدةً العزيمة والإرادة من قول الله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"، هذا السعيُ والجد تجسَّد واقعاً أمام بسالة عيسى وهمتها الوثَّابة.
هل كنتِ تتوقعين هذا المعدل؟ تجيب عيسى: "لم أضع توقعاً أو سقفاً لمعدل محدد بعينه، بل توكلت على الله، وقدَّمت الاختبارات بثقة عالية، واستقبلت نتيجتها بفرحة عارمة".
وبالرغم من الصعوبات والتحديات التي واجهتها عيسى، جراء الحصار المفروض على قطاع غزة، وانقطاع التيار الكهربائي، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، نجحت الطالبة عيسى في تحويل هذه المِحَن إلى بارقة أمل، وأطلقت من غياهب الظلمات شعاعاً من نور ليس له حد في سماء الإبداع والتميز.
وأهدت تفوقها الباهر إلى والدها ووالدتها، الذين وفَّروا لها الظروف كافة، ولم يبخلوا عليها، كما أهدته لمعلماتها، وإلى أرواح الشهداء الذين خضَّبوا بدمائهم الزكية ثرى الوطن، وسطَّروا ملاحم بطولية في التصدي للاحتلال.
أما بخصوص التخصص الذي تنوي عيسى الالتحاق به، أوضحت أنها ستدرس التخصص الذي يخدم الوطن وأبناءه، وستكون وفيةً للشعب الفلسطيني الصامد على أرضه، رغم مخططات الاحتلال الرامية للإحلال العرقي، وسرقة الأرض، وتدنيس المقدسات.