يقوم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كل يوم «بتطليق» المقاومة والتحلل منها, وينعكس ذلك على سلوك فصائل المقاومة الفلسطينية, فتتباين في مواقفها وردة فعلها على «تطليق» محمود عباس للمقاومة, فتسعى فصائل مثل تلك التي تنتمي الى منظمة التحرير للبقاء في بيت الطاعة والعض على جراحها حتى لا تكون عوامل «حردانها» وخيمة وتحرمهم من خير رب العائلة, اما حركة حماس فتبقى في دائرة ارسال الجاهات والوسطاء في محاولة لتقريب وجهات النظر المتباعدة تماما, فمحمود عباس يطالبها بالدخول في بيت الطاعة, بينما تصر هي على حقهما في طرح وجهة نظرها والتمسك بها, وتصحيح المسار بما يخدم المجموع الفلسطيني, وهنا يتدخل المأذون الشرعي في محاولة للإصلاح, وان ابغض الحلال عند الله الطلاق, ويعطي فرصة للمتنازعين للتصالح والبحث عن عوامل وقواسم مشتركة لأجل مصلحة الأبناء «الشعب الفلسطيني», اللي ممكن يتشتتوا ويتفرقوا ويعانوا اذا ما تفرق البيت وتنافر افراده, والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعا العمل على الا «يفترقوا» لذلك نبقى لسنوات ندور في نفس الدائرة, حوار في القاهرة, ثم حوار في مكة, وحوار في بيروت, ثم حوار مرة أخرى في القاهرة, وحوار في قطر, وحوار في الجزائر وكل حوار من هذه الحوارت كان يأخذ نسبة ضئيلة من التفاؤل على المستوى الشعبي وفصائليا, ونسبة اكبر بكثير من التشاؤم والفشل كنتيجة طبيعية متوقعة للحوار, وفي كل مرة ينجح المأذون في الا يصل الطرفان الى الطلاق البائن «بينونة كبرى», حتى يترك المجال للوسطاء والوجهاء للعودة مرة أخرى الى تلك الدائرة المغلقة من الحوار بين كل الأطراف, والمحصلة النهائية فشل, لان نقطة الالتقاء بين المتحاورين لا يمكن ان يجتمعا عليها, فكلاهما يسير عكس الاخر, لذلك يبقى الأبناء «الشعب» دائما هو الضحية, ويعاني اشد المعاناة من حالة التناقض والتباين في الموقف بين الطرفين, فالسلطة مصرة على ادخال الجميع لبيت الطاعة, والفصائل بتكرم للجاهات والوساطات حتى لا تتهم بانها افسدت الحوار, وهى تدرك تماما ان نهاية أي حوار بين متناقضين لا يمكن ان تؤدي الى نتائج من شأنها انهاء الانقسام وإيجاد حلول له.
اللقاء الوطني الذي عقد بالأمس في غزة، للتمهيد لاجتماع القاهرة نهاية الشهر الجاري، والذي كان يهدف لوضع خطة وطنية شاملة وقيادة موحدة لمواجهة حكومة المستوطنين الفاشية، انتهى الى عدة مطالبات وجهت للسلطة بهدف إنجاح الحوار الفلسطيني, منها البدء فورًا بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة في القاهرة وبيروت والجزائر, واطلاق سراح المعتقلين السياسيين على يد أجهزة امن السلطة, ووقف كل اشكال الملاحقة للمقاومين, ووقف التنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال, والتحلل من الاتفاقيات الموقعة مع «إسرائيل» ( اتفاقية أوسلو واتفاقية باريس الاقتصادية), وكذلك وقف حملات التحريض والتراشق الإعلامي وتبادل اتهامات مع المقاومة, واشترطت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مشاركتها في حوار القاهرة المزمع نهاية الشهر الجاري تنفيذ هذه المطالب, وقال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين القائد زياد النخالة، أن الجهاد الإسلامي لن تذهب إلى اجتماع الأمناء العامين في القاهرة إلا بالإفراج عن المجاهدين المعتقلين في سجون السلطة, وهذا الموقف المتقدم كالمعتاد لحركة الجهاد الإسلامي, ينم عن التحلي بالمسؤولية والمواقف الشجاعة لحركة الجهاد الإسلامي, التي تستجيب دائما لرغبات الشعب الفلسطيني, فهي غير معنية مطلقا بالدخول في معركة جانبية مع أي طرف اخر غير الاحتلال الصهيوني, لكنها في نفس الوقت ترفض ان تدخل لبيت الطاعة الذي شيدته السلطة على قواعد التسوية الواهنة, والتي لا يمكن البناء عليها مطلقا, وموقف الجهاد الإسلامي لا يهدف مطلقا لإفشال الحوار الفلسطيني, انما يريد إنجاح الحوار من خلال التحلي بالمسؤولية, وتهيئة الأرض الخصبة لإنجاح الحوار, بالتمسك بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين, وهذا ما نادى به البيان الختامي للمؤتمر الوطني في غزة بالأمس, ودعت اليه كل الفصائل الفلسطينية, الجهاد الإسلامي لا يريد ايهام الشعب الفلسطيني اننا امام مصالحة تاريخية, ثم يصاب الشعب بالإحباط في حال فشل حوار القاهرة, فهو يريد ان يؤسس لحوار وطني مسؤول, قائم على قواعد متينة «الثوابت» التي لطالما ضحى الشعب من اجلها, وقدم عشرات آلاف الشهداء, فهل تعون الدور الملقى على عاتقكم أيها المتحاورين, وهل تدركون خطورة فشل الحوار وانعكاسه السلبي على شعبنا ؟!.
حركة الجهاد الإسلامي وبتصريح امينها العام القائد زياد النخالة, رمت الكرة في ملعب السلطة الفلسطينية التي عليها مسؤولية كبيرة, ان كانت معنية بإنجاح الحوار, وهى بداية اطلاق سراح المعتقلين السياسيين فورا, اما محاولات التنصل من هذا الواجب الوطني بحجة ان المعتقلين أوقفوا على خلفية جنائية, فهذا امر فيه استخفاف بعقول الناس, ومستفز تماما للمقاومة التي تناضل لأجل شعبها, يجب على أجهزة امن السلطة ان تتوقف طويلا عند بيانات كتائب شهداء الأقصى التي تبرأت تماما مما يفعلون, وحملت الأجهزة الأمنية مسؤولية توتير الوضع الداخلي وتشتيت الساحة من خلال الاعتقالات السياسية, عليها ان تستمع جيدا الى تصريحات القائد في حركة فتح جمال حويل, وان تمعن النظر جيداً في سياستها المستندة الى املاءات الاحتلال الصهيوني, وان تعدد من خياراتها في مواجهة الاحتلال, لان الشعب الفلسطيني ومقاومته الورقة الأكثر قوة التي يمكن ان تخضع الاحتلال من خلالها, لكنها سلطة تفرط في المكاسب, وتتمسك «بالسلام» المزعوم, وتخدع نفسها بالاحتلال الصهيوني والإدارة الامريكية والمجتمع الدولي, وتراهن عليهم , لذلك لن تجني من وراء سياستها الخرقاء الا الفشل الذريع.