في الوقت الذي يعيش فيه الكيان الاسرائيلي أزمة بنيوية بفعل تعدد الثقافات الفرعية وغلبة بعضها على بعض،وبفعل عدم التوازن بين قوى اتخاذ القرار، وبفعل انعكاس عمليات المقاومة على البنية السيكولوجية للمجتمع طبقا لبيانات الصحة الاسرائيلية الرسمية، وبفعل القلق من بعض التحولات الدولية وتداعياتها على اسرائيل ، تنخرط التنظيمات الفلسطينية في مماحكات سياسية حول ما يسمى " الوحدة الوطنية"، وفي هذا السياق تتم الدعوات لعقد مؤتمرات لتحقيق هذا الهدف النبيل في بيئة من "الشُبهات" ، وهنا لا بد من تسجيل الملاحظات التالية:
أولا: مكان عقد اللقاءات:
كل لقاءات المقاومة الخاصة بالوحدة الوطنية الفلسطينية تم عقدها منذ اغتيال ياسر عرفات خارج فلسطين ، فإذا كانت الضفة الغربية مكان غير آمن لعقد اللقاءات فيها بسبب الاحتلال والتنسيق الامني ، فلماذا لا يتم عقد اللقاءات في قطاع غزة ؟ فقيادات تنظيمات المقاومة المركزية موجودة في القطاع ، وليس هناك ما يمنع اي قيادي من سلطة التنسيق الامني من الذهاب الى غزة ، فلماذا لا يتم عقد الاجتماعات هناك بكل ما في ذلك من رمزية من ناحية ، وابتعاد من ناحية اخرى عن الضغط العربي الذي يعمل على توظيف هذه الاجتماعات للضغط على الاطراف الفلسطينية ليشتري بها ثمنا بخسا من عواصم الدوائر الدولية الكبرى؟
لم يزر رئيس سلطة التنسيق الامني قطاع غزة منذ 16 سنة رغم انه اقليم يُفترض انه تابع "لسيادته" ومحرر ، ولعل المبرر الذي يسوقه مناصروه هو المبرر الأمني، وهنا نسأل: من يهدد رئيس سلطة التنسيق الامني؟ فهو في رام الله بين احضان الاحتلال، مما يعني ان التهديد ضمنا هو "افتراض انه من المقاومة"، فإذا كان غير مستعد للقاء بالتنظيمات خوفا منها ولا يثق فيها ،فهل هذا اساس صلب لعقد اتفاقات أكثر اهمية وخطورة من أمنه الشخصي؟ انه لن يذهب الى غزة الا إذا رضخت غزة لشروطه وهي اولا وأساسا وقف المقاومة وتعميم التنسيق الامني في غزة والسيطرة على حدود قطاع غزة ، والسيطرة على الموارد المالية لكي يخنق المقاومة عطشا وجوعا.
ثانيا: موضوعات اللقاء:
إن طرف التنسيق الامني يريد الآتي:
أ- الاعتراف باسرائيل وبكل الاتفاقيات التي تتضمن ذلك من اوسلو وغيرها..وهو امر مرفوض تماما من قوى المقاومة طبقا لبياناتهم المعلنة ليلا ونهارا.
ب- رفض المقاومة المسلحة أيا كان مستواها ، واعتبار المقاومة عملا ارهابيا وغير شرعي، وهو امر غير مقبول تماما من المقاومة.
ت- رفض اية انتخابات رئاسية او تشريعية لاعتقاده الجازم انه سيفشل فيها ، وما التذرع بموضوع القدس إلا هربا من هذا الاستحقاق، بينما المقاومة تريد انتخابات رئاسية وتشريعية لان كل استطلاعات الرأي ترجح فوزها
ث- يرفض وباصرار العودة لميثاق منظمة التحرير الاصلي كما يرفض اي احياء لدور مؤسسات منظمة التحرير التي فككها ضمن مخطط تم وضعه منذ تم اختياره لرئاسة السلطة في الاجتماع الذي شرحت كونداليزا رايس كل تفاصيله في كتابها قبل اغتيال عرفات الذى وعدنا رئيس السلطة بعد الاغتيال بايام بانه سيكشف من قام بالاغتيال وما زلنا ننتظر، ولا نرى اية نقطة في كل ما سبق فيهااتفاق بينه وبين المقاومة
ثالثا: في الوقت الذي يجري فيه الترويج لعقد لقاء الوحدة الوطنية ، تتسع دائرة الاعتقالات للمقاومين او لكل من تحوم حوله شكوك بانه مقاوم في الضفة الغربية بخاصة في الايام القليلة الماضية ، ورغم اعلانه للمرة 66 عن وقف التنسيق الامني فان كل وسائل الاعلام الاسرائيلية ومراكز دراساتهم وكثير من وسائل الاعلام الغربية يؤكدون ان مستوى التنسيق الامني يتزايد بين الاحتلال والسلطة.
لذلك ، على المقاومة ان تعقد اجتماعا في غزة تحضره كافة التنظيمات الفلسطينية وهيئات المجتمع المدني الفلسطيني التي تستطيع الحضور للمؤتمر، لاعلان الطلاق البائن بينونة كبرى مع هذه السلطة، ولانتخاب قيادة جديدة، ووضع برنامج عمل بعيدا عن سلطة اوسلو ، وعندها ليتفق هؤلاء القادة على ما يمكن الاتفاق عليه طبقا لأدبياتهم ، ولا بد من البحث عن قيادات من فتح ممن لا زالوا على العهد الذي اعلنته" الطلقة الاولى" عام 1965 ليشاركوا في المؤتمر ، وأي اجتماع للقيادات الفلسطينية في هذا الجانب وتحديدا خارج غزة هو اجتماع "الف مشبوه"، واذا تم فان تنظيمات المقاومة ستكون دخلت لا في مرعى المشتبهات بل في "غيابة الجُب".
طلاق بائن بينونة كبرى
بقلم: وليد عبد الحي