قبل 3 سنوات عُقد مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في بيروت ورام الله، وجاء في بيانه الختامي تأكيد "تجسيد مبدأ الشراكة الوطنية الفلسطينية" وأضاف أنَّ "إنجاز الشراكة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية" بعد دخول حركتي الجهاد وحماس المنظّمة.
وبعد عامين انعقد في الجزائر "مؤتمر لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية"، وصدر عنه (إعلان الجزائر) الذي أكد "تكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية"، ووضع خطوات عملية لإنجاز المصالحة الفلسطينية، وقبل أيام صرّح الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية أنّه "تقرّر دعوة الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية لاجتماع طارئ"، وهدف اللقاء وفق أحمد مجدلاني أحد وزراء السلطة هو "التوافق على استراتيجية وطنية لشراكة سياسية تُنهي الانقسام"...
مؤتمر الأمناء العامّين السابق في بيروت ورام الله، ومؤتمر لمّ الشمل في الجزائر أكدا مبدأ الشراكة الوطنية والشراكة السياسية، ولكنها ككلّ قرارات المؤتمرين وكلّ قرارات لقاءات ومؤتمرات المصالحة الفلسطينية ذهبت مع ريح الأحداث والمصالح، واصطدمت بصخرتي الاحتلال والانقسام، ولم ترَ الشراكة الوطنية النور، وظلت حبراً على ورق وجسداً بلا روح.
وتلك الشراكة التي عاد مسؤولو المنظمة والسلطة للحديث عنها، غابت عن إجراءات التحضير لمؤتمر الأمناء العامين المقبل في القاهرة، وخلقت أجواء سياسية مناقضة لروح الشراكة الوطنية، أوجدتها السلطة باعتقالاتها السياسية، وملاحقاتها الأمنية في الضفة الغربية، فماذا يفيد حضور الأمناء العامّين في ظلّ غياب الشراكة الوطنية؟!
الشراكة الوطنية الفلسطينية أمامها عقبة كبيرة مدفونة في عمق الثقافة الحزبية والتعبئة الفصائلية، رسّخت ثقافة رفض الآخر المختلف فكرياً وسياسياً وحركياً، وصلت في مراحل تاريخية سابقة إلى أقصى درجات التطرّف، وبقيت آثارها وأشكالها حتى الآن.
تمثّلت هذه العقبة في (التكفير الديني) عندما احتكرت بعض أجنحة الحركة الإسلامية تمثيل الإسلام في جماعة إسلامية واحدة وغيرها، خاصة الحركة الوطنية صُنّفت خارج الدائرة الإسلامية. وتمثّلت أيضاً في (التخوين الوطني) عندما احتكرت بعض فصائل المنظّمة تمثيل الوطن في منظمة وطنية واحدة، ولا سيما الحركة الإسلامية فقد صُنّفت خارج الدائرة الوطنية، وما بين أقصى التطرفين، التكفير والتخوين، درجات متفاوتة من التطرّف. جميعها يتطلّب ترسيخ ثقافة قبول الآخر، واحترام التباين والاختلاف، واللقاء على القواسم المشتركة.
والشراكة السياسية تصطدم بعقبة تناقض المسارات والبرامج السياسية نتيجة للتناقض في مفهوم المشروع الوطني بين نهجي التسوية والمقاومة، نهج التسوية انتهى بإقامة سلطة فلسطينية تقمع المقاومة بوسائل الملاحقة الأمنية المختلفة، والاعتقال على خلفية الانتماء السياسي لفصائل المقاومة، ونهج المقاومة في مسارٍ مناقض واتجاه معاكس لنهج التسوية الذي تسير عليه السلطة والمنظمة، فأيّ شراكة بين هذين النهجين سينتج شراكة مشاكسة وشركاء متشاكسون.
وهي تجربة حدثت في حكومة الوحدة الوطنية بعد انتخابات عام 2006، فأيّ شراكة سياسية حقيقية يجب أنْ تبدأ بالاتفاق على الخطوط العريضة للمشروع الوطني الفلسطيني، أو على الأقل الثوابت الوطنية الجامعة والقواسم الوطنية المشتركة.
إذا تجاوزنا ثقافة رفض الآخر نحو قبول الآخر، وعبرنا عقبة تناقض المسارات نحو تكامل المسارات؛ فإننا بحاجة إلى تجاوز وعبور المفهوم المغلوط لمبدأ الشراكة الوطنية المختزل عند البعض في المنافسة، أو التوافق على تقاسم سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، وبقاؤها مرهون برضا الكيان الصهيوني، والدعم الخارجي المشروط بتنفيذ إرادة الكيان الصهيوني، والمُختزل في المشاركة السياسية في نظام سياسي سقفه اتفاقية أوسلو المُقيّدة بإرادة الاحتلال.
تجاوز المفهوم المُختزل للشراكة الوطنية إلى مفهوم الشراكة الوطنية الحقيقية، تعني كما جاء في الوثيقة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، "مساهمة جميع الأُطر والتنظيمات والفعاليات الفلسطينية في صنع القرار الوطني، النابع من حقّ شعبنا في كامل وطنه فلسطين، وهذا يتطلّب إعادة بناء وتأطير المؤسسات الوطنية الفلسطينية، بما يلائم حركة تحرير وطني، تُجسّد وحدة الأرض والشعب، وتكافح من أجل استرداد الأرض والحقوق.
الشراكة الوطنية الفلسطينية تتحقّق بجملة من المبادئ والأعمال أهمها: الاعتراف بالآخر الوطني المُختلف فكرياً وسياسياً وحركياً، واحترام الاختلاف مع الآخر في الرؤى والوسائل والأهداف، واعتماد أسلوب الحوار الفكري والسياسي لحل الخلافات مع الآخر، واللقاءات على الثوابت والقواسم الوطنية المشتركة، واعتماد مبدأ الوحدة من خلال التعدد لتكوين جبهة وطنية موحّدة، هدفها تحرير كل فلسطين، ورفع شعار كل البنادق نحو الاحتلال قولاً وعملاً.
وهذه الشراكة الوطنية إلى جانب هذه المبادئ والأعمال، تتطلّب تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية جوهرياً، لتخدم المشروع الوطني الفلسطيني، كي لا تُمارس اعتقال المقاومين والمعارضين، وتقمع المقاومة والمعارضة، استجابةً لاتفاقية أوسلو ومطالب الاحتلال، وهذا بدوره يتطلّب الذهاب إلى شراكة وطنية حقيقية، تُعيد توزيع الأدوار الوطنية في إطار التكامل الهادف إلى إنجاز المشروع الوطني... مشروع التحرير والعودة والاستقلال.