على أرض فلسطين المخضبة بدماء الشهداء والمحمَّلة بأنَّات الجرحى وغضب الثائرين وصمود الأسرى، ترتسم صورة العطاء والبذل والفداء، فداءً للقدس ومسجدها الأقصى المبارك، ودفاعاً عن حمى الأرض والعرض والروح، وصداً للعدوان الإسرائيلي الغاشم، مسيرة يجود فيها الأوفياء بدمائهم مهراً نحو الجنان، ليسطع دمهم النازف نوراً وشموخاً.
هذه الصورة جسدها واقعاً بكامل أركانها، عضوُ المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، القائد أحمد المدلل "أبو طارق"، الذي قدَّم ابنه القيادي في سرايا القدس زياد أحمد المدلل، شهيداً على طريق الجهاد والحق والحرية، لتثبت في خلجات النفوس منهاج العقيدة الراسخة والمتينة، التي انطلقت منها حركة الجهاد الإسلامي أواخر سبعينيات القرن الماضي، صادحةً قولاً وفعلاً: "الإسلام، الجهاد، فلسطين" لتؤكد لشعبها الفلسطيني الصامد أن الخيار الوحيد لدحر الاحتلال هو المقاومة المسلحة، وليست الشعارات الرنانة، وأوهام المفاوضات والتنازلات، فما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، فلا لغة تعلو فوق لغة الجهاد والمقاومة، وما أعظم أن يُقدِّم القائد نجله في سبيل الله!
الشهيد القائد زياد المدلل، انخرط في صفوف سرايا القدس مطلع العام 2003م، حيث تمتع بسرية عالية جداً، وتدرّج في العمل العسكري ليعمل في المجموعات العسكرية في "كتيبة يبنا" آنذاك، ثم انتقل للعمل في الوحدة الصاروخية ثم في وحدة الإعلام الحربي لسرايا القدس، ثم في قيادة المنطقة الجنوبية لسرايا القدس برفقة الشهيد القائد خالد منصور عضو المجلس العسكري.
وارتقى شهيداً في معركة وحدة الساحات، يوم السبت الموافق 2022/8/6م، برفقة القائد خالد منصور، والقائد رأفت الزاملي "شيخ العيد"، خلال استهداف الاحتلال لأحد المنازل في منطقة الشعوث في مدينة رفح.
لواء المقاومة سيبقى مرفوعاً
وأكد عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، الدكتور أحمد المدلل، أن معركة (وحدة الساحات) حاضرة بكل تفاصيلها، وأن المقاومة باتت أكثر قوةً بعدها.
وشدد القيادي المدلل، لـ"شمس نيوز"، على أن البطولات والتضحيات الجسام التي قدمناها في معركة (وحدة الساحات) ومن بعدها معركتي (ثأر الأحرار) و (بأس جنين)، عمّدت اسم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وذراعها العسكرية سرايا القدس، وعززت من حضورها.
وقال:" لقد أحيت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، بجهادها ومقاومتها الأمل والتفاؤل في نفوس أبناء الأمة، وكذلك في نفوس أبناء شعبنا بالتحرير والعودة".
وجدد تأكيده على أن "المقاومة وحدها هي الخيار الذي نحرر به الأرض، وننتصر به لكرامة شعبنا وأمتنا، داعياً جماهير الأمة إلى مساندة المقاومة في فلسطين بكل ما يستطيعون من قوة، لكونها تصد وتدفع عنهم أخطاراً جسيمة، فالعدو له مطامع في ثروات الشعوب العربية وخيراتها، وما تطبيعه معها إلا لهذه الغاية".
ونبَّه إلى أن محاولات الاحتلال لن تُفلح في كبح جهاد شعبنا، وسيظل لواء المقاومة مرفوعاً في وجه الصهاينة في كل ساحة يتواجد فيها الفلسطينيون.
زياد دينامو البيت
في الذكرى الأولى للارتقاء، "يُشكِّل غياب زياد همّاً كبيراً، وشيئاً غالياً كالروح يفقدها الجسد، فهو قطعة مني، انتمى إلى نفس الخيار الذي أنتمي إليه، وكان ملازماً لي بشكل كبير"، كما يقول الدكتور المدلل.
وأضاف الدكتور المدلل، في تصريحات صحفية: "تأثرتُ كثيراً عندما غاب عني زياد، وعن العائلة التي تعتبره الدينامو الذي كان يزيل عنها حالة السكون؛ لتبقى مشدودة نحو حديثه، وحركة يديه، ومواقفه الرجولية، وتميزه عن أقرانه بما امتلك من ذكاء وفطنة وشجاعة".
وتابع: "الشهيد زياد ابن الخامسة والثلاثين شاب يافع مملوء بالحيوية والنشاط منذ صغره، كان متفوقاً في دراسته ومثقفاً، ولم يكن يلهو مع أقرانه إلا بألعاب هو يبدعها، وتحتاج إلى تفكير وحركة، فأحبه مدرسوه لتفوقه وذكاءه".
وأشار الدكتور المدلل، إلى أن نجله الشهيد زياد كان حريصاً على زيارة الأقارب في كل المناسبات، "لدرجة أن الجيران أحبوه أكثر من أبنائهم؛ لخفة ظله، ومثابرته، وسرعة مساعدتهم عندما يحتاجون شيئاً"، منبِّهاً إلى أن علاقاته ليست عشوائية بل كان دقيقاً في اختياره لأصحابه".
وحول علاقاته العائلية، أوضح أنه كان مبدعاً في كل عمل يتم تكليفه به، تطمئن إليه كثيراً، وهو يتحدث، وهو يجامل، وهو يعمل، وفياً في علاقته مع زوجته وأبنائه وحنوناً عليهم بشكل كبير، وفي آخر أيامه زاد قربه من عياله وبيته، بالرغم من غيابه كثيراً عنهم بسبب انشغاله في عمله، وكان يوصيني بهم كثيراً، ومن توصياته الدائمة لي: لا تحزن عليَّ، وصيتي أبنائي، واجعل بيتنا دائماً مفتوحاً للمجاهدين".
وبيَّن أن نجله كان يمتلك حيوية واندفاعة وحباً للعمل والدراسة بشكل كبير، ومتفاعلاً في دراسته الماجستير الذي أشرف على نهايتها، وبدأ التكفير جدياً في الدكتوراه.
ويقول القيادي المدلل إنه "عندما انتمينا إلى الجهاد الإسلامي قبل أكثر من أربعين عاماً، كنا نقدر حجم التضحيات التي سنقدمها، من اعتقالات لي ولنجلي الأكبر طارق، والملاحقات المستمرة، وتدمير المنزل تدميراً كاملاً في عدوان ٢٠٠٨، وتدمير منازل أفراد من عائلة المدلل، واستشهاد زياد".
وأشار إلى أن ذلك كله جاء في سياق هذه التضحيات التي تساوينا فيها مع أبناء شعبنا، بل هي أقل مما قدمته كثير من عائلات شعبنا، "وبالفعل كم كنت فخوراً، ورافعاً رأسي دائماً في حياة الشهيد، بتميزه وشجاعته وانتمائه إلا أن فخري تضاعف كثيراً بعد استشهاده، وأنا أقول لنفسي الحمد لله الذي أكَّد صدقنا، عندما كنا نواسي عائلات شعبنا أهالي الشهداء والأسرى والجرحى".
منذ نعومة أظفاره، ترعرع الشهيد زياد على المشاركة في النشاطات الطلابية والتنظيمية لحركة الجهاد الإسلامي، وفي صفوف سرايا القدس أبلى القائد زياد المدلل، بلاءً حسناً، وأثبت نفسه في كل الميادين والأماكن التي عمل بها، فكان ملازماً للقادة والشهداء وحافظاً لوصاياهم، ويضيف الدكتور المدلل: "من شدة حب زياد وإعجابه بالشهداء القادة صلاح أبو حسنين، ودانيال منصور، وخالد منصور، وآخرون له، فقد كان مرافقاً لهم، ومتأثراً بهم بشكل كبير، ويسير على دربهم ونهجهم".
ويضيف: "كان زياد متعلقاً بالشهيد خالد منصور تعلقاً كبيراً، حتى أننا في المنزل كنا نناديه بـ"خالد منصور"، وكانت أمنياته الشهادة معه، فنالها معه في نفس اللحظة ونفس المكان ومعهما الشهيد القائد رأفت الزاملي، مقبلين غير مدبرين".
- وحول اللحظات الأولى لوصول نبأ استشهاد زياد، يردف القيادي المدلل: "كنتُ مختفياً حين وصلني نبأ استشهاده الذي كنت أتوقعه في كل لحظة من حياته، وقد تعرض من قبل لملاحقة الاحتلال منذ مشاركته وهو صغير في أحداث المواجهات في منطقة الحدود الجنوبية، والتحاقه بصفوف سرايا القدس وتجهيزه لعملية استشهادية مع الاستشهادي فؤاد أبو هاشم وتراجع الإخوة في آخر لحظة نتيجة اعتقال اخيه الاكبر طارق الذي أمضى ١٤ عاماً في سجون الاحتلال".
ومضى بالقول: "لذلك لم أتأثر كثيراً بنبأ استشهاده في لحظاته الأولى، لأني أُدرك أنها معركة مستمرة مع الاحتلال والمتوقع أن نستشهد فرادى أو جماعات".
وفي الذكرى الأولى لارتقاء زياد يستذكر القيادي المدلل: "عندما مرت عليَّ ذكرى استشهاده، وأنا في الغربة تذكرت تلك اللحظات التي كان جالساً فيها معنا في غرفة الضيوف، والكل ينتظر نتيجة التوجيهي لأخيه جهاد، وهو الذي يتابع من بيننا وننتظر منه الإشارة، وإذا به يصرخ مبتهجاً معلناً تفوق أخيه، وأخذ يقبله بلهفة، ويقول ها هو جهاد سيعوضك عنا بدخوله الطب"، ويضيف: "في لحظة الذكرى هذه بكيت بكاءً لم أبكه من قبل ولا حتى لحظة استشهاده".