بابتسامته الجميلة الرقيقة، وهندامه الأنيق، ورائحته العطرة التي تمنحه الوسامة والجاذبية، يجلس الخريج حسام عبد العزيز المقوسي (60 عامًا) إلى جانب أصدقائه الطلبة على المنصة للاحتفال بتخرجهم من جامعة الإسراء بعد تمكنه من اجتياز المرحلة الجامعية في كلية الحقوق بمعدل تراكمي (87%) وبمدة دراسية لا تتجاوز الـ 3 سنوات فقط.
تفوق الخريج حسام المقوسي في دراسته الجامعية يؤكد بأن تحقيق الحلم لا يمكن أن يتوقف أمام طموح كبار السن المتسلحين بالإصرار والعزيمة والإرادة، إنما يكون ذلك دافعًا قويًا للوصول إلى الهدف المنشود لفهم متطلبات وطبيعة الحياة الحديثة التي لا تتوقف عجلة دورانها وتطورها مع مرور الزمن.
بداية قصة النجاح
بدأت قصة حسام المقوسي وشغفه بالعودة إلى مقاعد الدراسة تدور في عقله قبل (30 عامًا) فهو متزوج ولديه (5 من الأبناء) جميعهم أنهوا تعليمهم الجامعي؛ فأكبرهم سنًا يعمل مذيعًا إخباريًا في فضائية "فلسطين اليوم"، والثاني يعمل موظفاً في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أما الابن الثالث مزاول لمهنة المحاماة، بينما الابن الرابع فقد أنهى دراسة الحقوق ويعمل محامٍ متدرب، وعن كريمتي الوحيدة فهي حاصلة على درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية
اتخذ حسام معنى الآية الكريمة "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا" دافعًا قويًا لتحقيق شغفه وحبه للعلم، وما تعلقت به قناعته التامة بأن لا حدود، ولا عمرا، ولا وقت يمكن أن يقف عائقاً أمام بحر العلم والتعلم، لذا عقد حسام العزم لإكمال تعليمي الثانوي ثم الجامعي.
يقول حسام صاحب الإرادة الفولاذية والعزيمة التي لا تلين: "إن مشواري للعودة لمقاعد الدراسي بدأ قبل 30 عامًا فقد كنت مهتمًا في العمل المهني، ما أهلني للحصول على شهادات مهنية عدة في مجال تعليم السياقة النظرية والعملية".
وتمكن حسام خلال مرحلته الأولى من العمل كمحاضر لقوانين السير في كليات التعليم المهني ومدارس تعليم السياقة في غزة والضفة لسنوات طويلة، يُشير إلى أنه تمكن خلال سنوات عمله من تخريج مئات الطلاب الذين حصلوا على شهادات علمية مهنية وقيادة السيارات.
قبل 18 عامًا تحديدًا في العام (2005) قرر حسام خوض التحدي والمغامرة الجميلة؛ لإكمال تعلميه، هنا قرر إعادة تقديم امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" للمرة الثالثة، أملًا في الحصول على معدل يُأهله لدراسة التخصص الذي يرغب بدراسته وهو "الحقوق".
في تلك الفترة تمكن حسام من رسم أولى مخططاته لتحقيق حلمه الكبير، بعدما حصد معدل (84%) في الثانوية العامة، ما أهله مباشرة للتسجيل في التخصص الذي يرغب فيه؛ لكن هناك مفاجئة منعته من الالتحاق بالجامعة.
شهادة الثانوية أملٌ جديد
الظروف القاهرة التي منعت حسام من الالتحاق بالجامعة؛ لم تقضِ على فكرة استكمال تعليميه الجامعي التي كانت تراوده بشكل دائم ومستمر؛ لكن حصوله على وظيفة "فاحص سائقين" لدى وزارة النقل والمواصلات بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة كانت سببًا في تأخير دخوله معترك العلم الجامعي.
لم يتوقف شغف حسام عند هذا الحد، بل تمكن بعد 4 أعوام من العمل بوزارة النقل والمواصلات للالتحاق بوظيفة "سائق مرافق للوفود الأجنبي" التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا في قطاع غزة.
ومنذ انتقاله للعمل في وكالة "غوث وتشغيل اللاجئين" وجد حسام فراغًا كبيرًا ومتسعًا من الوقت، هنا قرر حسام استغلال ذلك الوقت للعودة إلى مقاعد الدراسة الجامعية؛ لزيادة رصيده من العلم فوضع خطة دقيقة للوصول إلى حلمه الكبير.
في تلك الفترة تمكن حسام المقوسي من زيادة رصيده العلمي والمهني ليطور قدراته في دورات عملية حتى تمكن من الحصول على شهادة "خبير ومحكم قانوني" في منازعات حوادث الطرق والمرور معتمدة من وزارة العدل، لتكون هذه الشهادة نقطة تحول نحو المجال الأكاديمي.
سبب دخوله الحقوق..
وعن سبب رغبته الجامحة في دراسة الحقوق قال: "عندما أريد الاستفسار عن شيء في القانون النظامي ألجأ إلى أبنائي وهذا ليس عيبًا مطلقًا، لكن هنا تحدثني نفسي عن بعض التساؤلات التي دفعتني لأن أكون متميزًا ومتفوقًا، لماذا لا أكون محاميًا؟، لماذا لا ألتحق بالجامعة وأتعلم كل ما تعلمه أبنائي؟، هل استطيع أن أتعلم بعد هذا العمر (57 عامًا)؟، كيف سأجلس بين طلبة في العشرينات من العمر؟ كيف ستتقبل نفسي ذلك؟".
ودخل حسام في صراع وصدام داخلي للإجابة على تلك التساؤلات، ليعرضها على نجله البكر "وسام" والذي لم يتردد لحظة واحدة بدفع والده وتشجيعه ليكمل دراسته الجامعية، ولم تتراجع قدميه خطوة للوراء، إذ ذهب مباشرة إلى رئيس مجلس إدارة جامعة الإسراء في غزة حينها، الدكتور الراحل إبراهيم الحساينة ليعرض عليه الأمر.
"سنذهب معك إلى أبعد ما تتوقع وسنبقى إلى جانبك حتى التخرج"، بهذه الكلمات استقبل الراحل الدكتور الحساينة، رغبة حسام المقوسي بالعودة إلى مقاعد الدراسة بعد أن بلغ من العمر (57 عامًا).
دراسته الجامعية
أسابيع قليلة حتى انطلق العام الدراسي الجامعي وبدأ الطالب حسام المقوسي (57 عامًا) بمرافقة طلبة الجامعة وكان طالبًا متميزًا جدًا بشهادة المدرسين والطلبة إذ لم يغب حسام يومًا واحدًا عن المحاضرات الجامعية، إنما تمكن من تنظيم علاقات وصداقات مع طلبة تبلغ أعمارهم الـ (18 -19 عامًا).
وعبر حسام عن فخره واعتزازه بتكوين صداقات قوية وجميلة مع الطلبة التي يصغرهم بعشرات السنين، قائلًا: "كونت صداقات جميلة ورائعة جدًا مع زملائي الطلبة وأساتذتي الأفاضل وهذا أجمل ما حصلت عليه خلال دراستي الجامعية".
ولم يتوقف حسام لحظة في الحديث عن المتعة والسعادة التي كان يحصل عليها داخل أروقة جامعة الإسراء، متوقعًا بأن تفاني ورقي الخدمات الإدارية والأكاديمية التي تعيشها الجامعة سترتقي بالجامعة لأعلى المستويات.
حفل التخرج
ثلاثة سنوات قضاها حسام في كلية الحقوق لجامعة الإسراء بغزة تمكن خلالها من الحصول على معدل فصلي (91%) يقول: "اتخرج اليوم من الجامعة وأحمد الله تعالى على التمام والوصول، ولذة الإنجاز وشعور التخرج والنجاح، وإن شاء الله يكون هذا النجاح دافعاً لي في المستقبل لاستكمال مسيرتي العليا في الماجستير في نفس الجامعة".
وأهدى الطالب حسام المقوسي تخرجه وتفوقه في الجامعة إلى روح والده ووالدته وروح إخوته وشهداء فلسطين جميعًا وإلى روح الدكتور ابراهيم الحساينة، وإلى أبناءه الذين لم يفارقوه لحظة في مسيرته العلمية، يقول: "أشكر كل من شاركني هذه الفرحة وأخص بالذكر أساتذتي أصحاب العطاء الكبير، لا سيما الدكتور منذر عزام، الذي كان دافعًا وداعمًا نفسيًا لي"، ولم ينسَ تقديم خالص الشكر إلى زملائه الطلبة.
"لأنه يقف خلف كل رجل عظيم امرأة عظيمة" وجه حسام كل كلمات الشكر والتقدير والمحبة لشريكة حياته التي ساندته ووفرت له كل سبل الراحة حتى حقق حلمه بدراسة الحقوق.
وختم حسام المقوسي حديثه مع "شمس نيوز" بتوجيه رسالة لجميع الطلبة من كل الأعمار، قائلًا: "كل من لم تسعفه ظروفه (وخاصة المادية) لإكمال تعليمه وبالذات التعليم العالي، فإن جامعاتنا وعلى راسهم جامعة الإسراء العريقة تفتح ذراعيها للجميع للالتحاق بالركب، وتقدم كل التسهيلات والمنح للحصول على الدرجات العلمية العليا، بل ويقارب أن يكون التعليم فيها بالمجان وخاصة للمتفوقين، فلا تفوتوا الفرصة، فالأمم اليوم تقاس قوتها بإنجازاتها العلمية".