في الوقت الذي تتخذ فيه المقاومة الفلسطينية فيه أعلى درجات الحيطة والحذر، على خلفية التهديد الإسرائيلي باتخاذ خطوات انتقامية ضد قادة الفصائل الفلسطينية قد تصل إلى تنفيذ عمليات اغتيال ضدها. كما يدور الحديث في أوساط المستوطنين عن عملية سور واقي 2، في الضفة الغربية المحتلة رداً على تصاعد أعمال المقاومة.
بعد مقتل المستوطنين الثلاثة في عملية إطلاق نار في حوارة والخليل الأسبوع الماضي، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعاً عاجلاً للمجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينيت) يوم الثلاثاء، نتنياهو الذي عمل خلال الفترة الماضية على عقد اجتماعات خاصة واستبعاد عدد من الوزراء من الائتلاف الحاكم، لأنه لا يثق ببعض أعضائه خاصة وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، خوفاً من التسريبات.
هذه المرة، اضطر نتنياهو لدعوته وغيره من الأعضاء من الائتلاف، بسبب زيادة وتيرة العمليات في الضفة الغربية التي تضر بالضعف الناعم لأحزاب اليمين المتطرف، وناخبيها في المستوطنات، وقادتها يطالبونه بالتحرك. وأصدرت الحكومة تصريحاً عاماً وواضحاً، وعدت فيه بضرب المقاومين والمسؤولين عنهم، وتقديم الدعم لقادة الجيش الإسرائيلي وجنوده في أنشطتهم ضد المقاومة.
ومع تعمق الأزمة السياسية في إسرائيل وخطة الإصلاح القضائي، وارتباط ما يجري في الساحة الإسرائيلية وبين ما يجري في الضفة الغربية. والتشكيك في نوايا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وأن الأمر ليس على رأس قائمة أولوياته، بينما هي في قلب سياسات شركاؤه في الائتلاف الحاكم اليمني المتطرف، وإمكانية تشكيل الحكومة المتطرفة، وإضعاف النظام القضائي، سيخدمان خططهم لتوسيع المستوطنات، واشعال الضفة الغربية، بزيادة عمليات الإرهاب ضد الفلسطينيين، وإضعاف آليات الضبط الخارجية لممارسة القوة في الضفة الغربية.
وبالنظر إلى الأزمة السياسية المتفاقمة، وحكومة اليمين الكاملة التي شكلها بنيامين نتنياهو، في محاولاته للإفلات من ومحاكمته، والاتهامات الموجهة له وحكومته بالتقصير في التعامل مع التحديات غير العادية خاصة في اشتعال الضفة الغربية. والقلق في بعض الأوساط الإسرائيلية من أن الصهيونية الدينية، والقوة اليهودية اليمينيتين المتطرفتين تستفيدان من الوضع القائم من أجل تحقيق أهدافهما.
تنظر المؤسسة الأمنية لزيادة اعمال المقاومة وجرأتها خلال الأشهر الماضية في الضفة الغربية أنها تطور دراماتيكي، وهناك تطور نوعي في العمليات الفدائية التي اشتعلت منذ آذار/ مارس من العام الماضي، في زمن ما تسمى حكومة التغيير حكومة بينيت لبيد. لكن رقعة وشدة العمليات اكتسبت زخماً منذ بداية العام الجاري، مع أداء حكومة نتنياهو اليمين القانونية.
وتوجه الاتهامات والتحريض أيضا من وسائل الاعلام والمعارضة لحكومة نتنياهو، وأنها مستمرة في نفس السياسة للحكومة السابقة، وأنها تمسكت بوقف إطلاق النار مع حركة حماس في قطاع غزة، وتوجيه الاتهامات لها بانها تقدم الدعم والمساعدة للمقاومة، وهي المسؤولة عن اشعال الضفة الغربية في الآونة الأخيرة. وفي الوقت ذاته تعمل على تطوير قدراتها العسكرية، وزيادة تجارب إطلاق الصواريخ وإطلاق طائرات بدون طيار بالقرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك التظاهر بالقرب من السياج الحدودي.
رافق ذلك التحريض على نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، وأنه الذي يوجه سياسة حماس عن بعد في الضفة الغربية، ويحصل على تمويل من إيران لإشعال الضفة الغربية، وزيادة وتيرة عمليات المقاومة، في سياق شعار "وحدة الساحات"، والتي تحققت في "هبة الكرامة"، و"سيف القدس"، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2021، وذلك رداً على الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، وامتدت إلى المدن الفلسطينية داخل الخط الأخضر. وتكرر ذلك بعد اقتحام المسجد الأقصى في شهر نيسان/أبريل من العام الجاري، وتم إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان وقطاع غزة، والحدود السورية.
القلق الاسرائيلي هو أن استمرار التصعيد في الضفة الغربية، أو حدوث حدث لمرة واحدة في إحدى الساحات، سيجر المنطقة إلى حرب شاملة، حتى لو لم يكن هذا هو هدف الأطراف المعنية، وهذا قد يكون سبب من الأسباب في تأخير اتخاذ إسرائيل والمؤسسة الأمنية قرار برد في القطاع أو خارج فلسطين.
ومع اشتعال المقاومة وعدم قدرة الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الإسرائيلية القضاء على المقاومة، برغم أن الجيش الإسرائيلي ينشر حاليا 23 كتيبة في الضفة الغربية، أي ما يزيد بنحو 50% عن القوات التي كانت حتى مارس/آذار 2022. وما زال هذا أقل من ثلث القوات المنتشرة في الضفة الغربية في عملية "الجدار الوقائي" في عام 2002. ولكن حتى لذلك هناك تأثير شديد على التدريب في الجيش البري وعبء متزايد على كتائب الاحتياط. وينفق جزء كبير من الوحدات الخاصة في الضفة الغربية، في ملاحقة واعتقال المقاومين، والتي بدأت العام الماضي مع شن حملة عسكرية كبيرة أطلق عليها "كاسر الأمواج"، وفشلت في تحقيق الردع وتوفير الامن للمستوطنين.
الحديث في اليمين عن "عملية السور الواقي2" حسب ما نقل بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين لا أساس له من الصحة. ولا يرى الجيش والشاباك أي ضرورة لذلك. في حين أن نتنياهو لديه مصلحة في الحفاظ على ضبط النفس في الأشهر المقبلة لسببين: رغبته في أن يتم قبوله للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن الشهر المقبل (ويفضل أن يكون ذلك في البيت الأبيض)، وآماله في تسريع المفاوضات بشأن اتفاقيات التطبيع مع السعودية.
وعندما يدعو الوزراء وأعضاء الكنيست من اليمين المتطرف إلى الانتقام، فالهدف الرئيسي ليس مجرد الانتقام، وذلك لا يقتصر على إراقة الدماء، بل إن وراء هذه الأمور خطة أكبر بإشعال الضفة، والطريق إليها هو إنارة المنطقة بشكل منهجي، إلى حد اندلاع انتفاضة ثالثة واسعة النطاق. والمزيد من عمليات الإرهاب والجرائم، وحرق القري والممتلكات. في اعتقاد منهم أن ذلك سينتهي بـ "نكبة" ثانية وتهجير جماعي للفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة، وفرض السيادة والفوقية اليهودية، وتكريس وتعميق نظام الفصل العنصري وإقامة دولة الشريعة المتحررة من أي قيود.