وافق الكنيست الإسرائيلي الاثنين 24 يوليو الماضي على مشروع قانون "عدم المعقولية"، حيث سعى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في بداية شهر يونيو/ حزيران الماضي لتأجيل طرح مشروع القانون إلى ما بعد الاجازة الصيفية للكنيست لاعتبارات كثيرة أهمها امتصاص غضب المعارضة والشارع الإسرائيلي ومحاولة الوصول الى قواسم مشتركة مع المعارضة بما يخص الإصلاحات القضائية، ولكن ما حدث في 14يونيو 2023 أجبر نتنياهو لتغيير خطته بالكامل، وجاء هذا التغيير عقب توجيه الكنيست ضربة مفاجئة لائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بانتخاب نائبة من المعارضة لعضوية لجنة تعيين القضاة، وأصبح لا يوجد أمام نتنياهو سوى الانتقال إلى خطة "ب" وهي طرح مشروع قانون عدم المعقولية بهدف الحد من صلاحيات المحكمة العليا في إسقاط قرارات الحكومة وتعييناتها على أساس أنها لا تلبي معايير المعقولية.
ويعود أحد الأسباب الرئيسية في إقرار قانون عدم المعقولية لإلغاء إمكانيّة أن يفصل القضاء في “مدى معقوليّة” قرارات الحكومة، وذلك عبر تقليص صلاحيات المحكمة العليا لصالح الحكومة والكنيست، وفي القراءة الأولى للتصويت على نص القانون كانت في جلسة صاخبة سادها الكثير من الاضطراب والسجال، حيث أيد 64 صوتاً، وهم عدد نواب الائتلاف الحكومي، بينما صوت 56 نائباً ضد القانون وهم نواب المعارضة، بينما جاء إقرار التشريع واعتماد القانون في القراءة الثانية والثالثة بحصوله على 64 صوتاً مقابل لا شيء إثر انسحاب المعارضة من جلسة التصويت، وفي إطار حال الاستقطاب والخلاف الداخلي الحاد بين أحزاب المعارضة والحكم في إسرائيل.
التصويت بالأغلبية على إقرار قانون "عدم المعقولية" شكل حالة من الاحتقان في داخل إسرائيل ودخلت بعض المدن في حالة فوضى نتيجة المظاهرات الحاشدة التي دعت لها المعارضة، حيث تواصلت الاحتجاجات للأسبوع الـ 33 ضد مشاريع القوانين التي تدفع بها الحكومة للتعديل القضائي، وتقول المعارضة إن الحكومة "تحوّل إسرائيل إلى ديكتاتورية"، ومحاولة الشرطة الإسرائيلية التعامل بعنف مع المتظاهرين عبر استخدام خراطيم المياه وتفريقهم بالقوة، واعتقال العشرات من المتظاهرين، أما على المستوى العسكري وفقاً لمصادر إعلامية عبرية انتشرت حالات التمرد لدى جنود وضباط وقادة جيش الاحتلال على اختلاف التخصصات العسكرية التي كان أبرزها في سلاح الجو.
الأحداث الداخلية المتصاعدة داخل الكيان مثلت أزمة حقيقية إلى نتنياهو في ظل عدم قدرته على إيجاد حلول بناءة تحتوي حالة الاحتقان الداخلية، وكذلك الرفض الأمريكي لتعاطي حكومة نتنياهو مع الأحداث، وفي ظل هذه "المعمعة" التي تدور في عقل نتنياهو، جاءت سلسلة من عمليات المقاومة لتزيد من الأزمات التي تعيشها حكومة نتنياهو، فكانت البداية مع عملية مجدو التي تعلثم أمامها نتنياهو وقيادة المنظومة الأمنية والعسكرية داخل الكيان واتضح في عدم قدرتهم على الحديث علانية بما يخص حيثيات العملية لأنهم يعلموا بأن طرح أي معلومة يعني أن هناك رد على ما جرى، فكانت سياسة التمييع والتسويف حاضرة نشر معلومات حول العملية التي صنفت بالخطيرة داخل أروقة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ثم جاءت عملية الأغوار وتبعها عملية اطلاق صواريخ من جنوب لبنان التي سرعان ما تم تحميل الفصائل الفلسطينية المسؤولية عن إطلاقها، مع تفادي مسؤولية حزب الله عن الإطلاق، وهنا تكرر للمرة الثانية عدم تحميل حزب الله حتى لا يكون نتنياهو ضعيف أمام الجبهة الداخلية في عدم قدرته على حزب الله، ثم جاءت عملية المقاومة بغزة ثأر الأحرار التي خاضتها سرايا القدس والمقاومة في غزة عقب اغتيال الاحتلال لثلاثة من أعضاء المجلس العسكري لسرايا القدس، وشهدت هذه الجولة العسكرية تميز للعمل المقاوم الذيم لم يتأثر باغتيال قادته وواصل اطلاق الصواريخ حتى وسط الكيان الذين فشلت منظومته الدفاعية "القبة الحديدية – مقلاع داوود" من اسقاط عدد من صواريخ المقاومة التي سقطت في تل أبيب وأوقعت قتلى وجرحى، ومن ثم جاءت جنين لتتوج فشل نتنياهو في قدرته على اقتلاع المقاومة في الضفة الغربية، حيث قدمت المقاومة في جنين أنموذجاً متقدماً مقارنة مع الإمكانيات والمقدرات التي خاض بها الاحتلال معركته مع مجموعة من المقاومين في مساحة جغرافية محدودة للغاية، وإنجاز المقاومة في جنين ساهم في رفع الروح القتالية للمقاومة في الضفة وتصاعدها بشكل أكبر وهو ما كان واضحاً في عملية حوارة وكريات اربع في الخليل، ومؤخراً حدوث 4 عمليات نوعية خلال الــ 24 ساعة الأخيرة أوقعت قتيل وأكثر من 8 جرحى في صفوف جنود ومستوطني الاحتلال في رام الله والخليل والقدس وأبرزهم في نابلس في تفجير كتيبة نابلس – سرايا القدس عبوة شديدة الانفجار في قوة صهيونية خاصة، ويبدو أن الاحتلال يواجه نوعاً جديداً من التكتيك العسكري للمقاومة، والتي جعلت نتنياهو يظهر بصورة العاجز الذي اضطر للخروج على وسائل الاعلام لكي يحمل ايران والمقاومة في لبنان وغزة المسؤولية عن تصاعد المقاومة بالضفة وهدد بالرد على ذلك باغتيال قيادة حماس والجهاد الإسلامي بالداخل والخارج.
يدرك نتنياهو جيداً خطورة الذهاب إلى معركة متعددة الجبهات، فهو صاحب قاعدة فرق تسد، والتي من خلالها يقوم بالاستفراد في جبهة واحدة أو فصيل واحد، ولذلك لديه خشية جادة أن يتكرر نموذج معركة سيف القدس من جديد، والتي كانت نموذج مصغر عن معركة متعددة الجبهات، لهذا يتضح الصداع الكبير لنتنياهو أمام المشهد الداخلي المتصاعد المعارض لخطواته الإصلاحية في القضاء، وفي الجانب الآخر تهديد المقاومة بفتح جبهات متعددة لن يكون نتنياهو والكيان بأكمله قادراً على تحمل تداعياتها ونتائجها، ولكن يبدو أننا في نقطة ما لن يكون أمام نتنياهو للخروج من الأوضاع الميدانية الحالية سوى الذهاب نحو معركة لأيام يستهدف من خلالها قادةمن المقاومة الفلسطينية، وهو الأمر الذي ربما يكون نتنياهو فيها قادراً على فتح هذه المعركة ولكن من خلال ما تعلنه المقاومة يبدو أنه لن يكون قادراً على ختام ونهاية هذه المعركة.