لون بشرته تغير إلى اللون الأصفر، وعيناه ترويان حكاية آلم ومعاناة متفاقمة، بصعوبة تخرج بعض الكلمات من شفتيه.. "نحن بخير وبصحة وعافية إرادتنا قوية ومعنوياتنا عالية لا تهزم، سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري"، يقف الأب فؤاد كممجي مندهشًا أمام قوة تحمل نجله أيهم للمعاناة الظاهرة على جسده.
فؤاد كممجي هو والد الأسير البطل "أيهم" أحد القادة الستة الذين انتزعوا حريتهم عبر "نفق الطريق إلى القدس"، يروي تفاصيل مؤلمة وموجعة أصابت القلب، عاشها خلال زيارته الأخيرة لنجله الذي مر عليه عامين بالعزل الانفرادي في سجون الاحتلال.
كادت دموع فؤاد التي تقف على جفنيه أن تشق طريقها متساقطة عبر خديه؛ لكنه استدرك الموقف وتماسك نفسه وترك للسانه حق الأولوية ليستفسر عما يشاهده: "سألت الصليب الأحمر والمحامين فهم يقولون إن وضع أيهم الصحي صعب ويعيش معاناة شديدة، ماذا بك يا بُني؟"، لم يجد فؤاد ردًا مقنعًا من نجله أيهم سوى ابتسامة عريضة تدل على عزيمته الجبارة.
في تلك اللحظات المؤلمة التي يعيشها أيهم خلف القضبان الحديدية محكمة الإغلاق، كان يرغب بقلب صفحة الحوار المؤثرة مع والده؛ لينتقلا للحديث عن أوضاع العائلة والأشقاء والأحباب وحديقة المنزل وموسم العمرة.
اعتقلت قوت الاحتلال "أيهم" بعملية خاصة بتاريخ (4-7-2006) من مدينة رام الله، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وفي تاريخ (6-9-2021) كانت المفاجأة التي دوت صداها في جميع أنحاء العالم وكسرت هيبة الاحتلال، أيهم وخمسة من الأبطال انتزعوا حريتهم من أقوى السجون تسليحًا وتأمينًا عبر نفق حُفر بأدوات المطبخ أسفل سجن جلبوع.
تنسم أيهم عبير الحرية متنقلًا من قرية إلى قرية حتى وصل إلى مشارف مخيم جنين، قبل أن تتمكن قوات خاصة إسرائيلية من إعادة اعتقاله بعد مطاردة استمرت نحو 13 يومًا، ومنذ تلك اللحظة يقبع الأسير أيهم وجميع أسرى نفق الحرية للعزل الانفرادي في سجون الاحتلال.
وتتعمد إدارة مصلحة سجون الاحتلال اتباع سياسة التضييق والخناق ضد أسرى "نفق الحرية" بنقل تعسفي للمعتقلين من عزل انفرادي إلى عزل آخر في سجن آخر، مرة كل 3 أشهر يقول والده فؤاد: "على مدار عامين من إعادة اعتقاله فقد تنقل أيهم بين غرف العزل الانفرادي في جمع سجون الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين".
يعاني أيهم من أوضاع صحية صعبة تتمثل بوجع شديد في الرأس ومن جفاف بالعين اليمنى، ويشتكي من ارتفاع في ضغط الدم ودوار مستمر، إضافة إلى شد عضلي دائم وهو بحاجة لعلاج طبيعي، وفقًا لتقرير صادر عن هيئة شؤون الأسرى؛ لكن أيهم يخفي معاناته عن والده وعن شقيقه محمد الذي تمكن من زيارته بتاريخ (17-8-2023).
تهدف إدارة مصلحة سجون الاحتلال من التنقلات التعسفية لأسرى نفق الحرية لا سيما أيهم كممجي من عزل إلى آخر مرة كل ثلاثة شهور وفقًا والد الأسير أيهم: "إلى الضغط على أيهم وهزيمته نفسيًا ومعنويًا وكسر إرادتهم في محاولة للانتقام مما فعلوه قبل عامين من كسر هيبة الاحتلال أمام العالم أجمع بانتزاع حريتهم عبر "نفق جلبوع".
هناك الكثير من الأمور السيئة التي يعاني منها أيهم داخل السجن إذ روى والده بعضًا منها تتمثل في استمرار العزل الانفرادي إضافة إلى عدم الاستقرار في معتقل واحد منذ عامين، والأكثر إيلامًا هو الطعام السيء المقدم للأسرى فلا يصلح ذلك للحيوانات.
وتتضاعف المعاناة في تناول الطعام عندما حددت إدارة مصلحة السجون مبلغ (1200 شيكل في الشهر فقط) ليتمكن الأسرى من الشراء عبر "الكنتينة" وهذا يتسبب بأزمة كبيرة للأسير الذي لا يستطيع شراء ما يحتاجه علاوة على ارتفاع الأسعار بشكل جنوني بهدف تعذيب الأسير وفقًا لوالد الأسير أيهم كممجي.
ومع مرور عامين على عملية نفق "الطريق إلى القدس"، أو ما يعرف إعلاميًا باسم "نفق جلبوع" أو "نفق الحرية" فقد عبر والد أيهم عن فخره واعتزازه بالعملية البطولية التي نفذها نجله ورفاقه الأبطال رغم أنف الكيان الإسرائيلي وكسر هيبتهم أمام العالم.
وعلى الرغم من عظمة وانجاز العملية البطولية التي لا يضاهيها أي عملية أخرى في الاعجاز والانجاز فقد تواضع والد أيهم ليقول: "نحن نخجل أمام تضحيات أبناء شعبنا التي يقدمها يوميًا في مواجهة الاحتلال، فكل يوم نسمع عن شهيد أو جريح أو اعتقال أو هدم منازل، فعلًا هذا شعب لا يمكن أن يستسلم أو يهزم".