قائمة الموقع

صورة بعد عقود على دفنها.. الحفرُ في أسرار جثث لم تأكلها الأرض بـ"مقبرة التوانسي"!

2023-09-16T11:13:00+03:00
جثث-لم-تأكلها-الأرض
شمس نيوز - مطر الزق

"أبو عصام" ماذا يجري في الأسفل؟!، يجيبه فورًا والدموع تكاد تنفجر من هول ما رأت عينيه: "جثة أبي كما هي لم تتحلل"، أصيب من كان حوله بالدهشة والاستغراب؛ وبدأت أجسادهم ترتجف مما رأته أعينهم وأحست به أيديهم، فما زالت الجثة التي دفنت قبل (42 عامًا) بمقبرة التوانسي في حي الشجاعية يكسوها اللحم والعظام.

شرع أبو عصام بنقل رفات أقربائه من "آل أبو عمار"، بناءً على قرار لجنة العمل الحكومي في غزة القاضي بإزالة جميع رفات الموتى من مقبرة "التوانسي" تمهيدًا لإقامة مشروع لبناء مجمع مدارس وسط حي الشجاعية شرق مدينة غزة.

لم يكن جثمان يونس أبو عمار الوحيد الذي خرج من مقبرة التوانسي كامل الجسد؛ إنما خرجت العديد من الجثامين من بينهم محمد رجب والذي توفي قبل (20 عامًا)، إضافة إلى جثمان الرجل الصالح "أبو علاء سهمود" الذي دفن قبل (10 أعوام) وما زالت الجهات المختصة تواصل عملية الحفر ونقل رفات الموتى من المقبرة حتى الآن.

وبالعودة إلى تفاصيل يوم نقل جثمان المتوفي يونس أبو عمار، ففي صباح يوم الأربعاء (13-9-2023) كانت الأمور هادئة في منزل عائلة أبو عصام، قبل أن يدق جرس الهاتف المحمول، بسرعة وضع أبو عصام الهاتف على أذنه ليستمع للمتصل: "عائلة المتوفى يونس أبو عمار"، ليجيب فورًا: "نعم"، عاد المتصل للحديث: "وصلنا في إزالة رفات الموتى إلى قبر والدك هل تحب أن تأتي لتتم عملية نقل الرفات أمامكم".

في تلك اللحظة شعر أبو عصام بصعوبة الموقف والرهبة، وبدأت الرجفة تجتاح جميع أجزاء جسده، ليجيب على سؤال المتصل: "نعم الآن سآتي مع أبنائي"، أغلق الهاتف وجمع أبنائه المتواجدين في المنزل، وبسرعة توجه إلى مقبرة التوانسي وسط حي الشجاعية.

كانت المقبرة قد أغلقت بشكل كامل، ومنعت أجهزة الأمن المنتشرة على طول سور المقبرة المواطنين من تصوير عملية نقل رفات الموتى، كانت عقارب الساعة تُشير إلى نحو العاشرة صباحًا عندما وقف أبو عصام أمام قبور عائلته.

بدأ أبو عصام كما يروي لمراسل "شمس نيوز"، حفر القبور وانتشال جثامين أبناء عائلته (أعمامه وعماته) بشكل اعتيادي إذ كانت جثثهم قد تحللت بشكل كامل؛ لكن المفاجأة التي جعلته يذرف الدموع دون أن يدري هي جثة والده.

يداه ترتعشان ونبضات قلبه تزداد سرعة ما شاهده، أطال "أبو عصام" المكوث في قبر والده قبل أن يستعجله أحد الحضور الذي كان يساعده بنقل الرفات، ليسأله "ماذا يجري أبو عصام؟"، فورًا أجابه: "جثة والدي كما هي لم تتحلل"!.

شعر الجميع بقشعريرة في أجسادهم وانتابتهم الرهبة، تجمع المتواجدون حول القبر، مجموعة منهم كانوا يحملون صندوق خشبي –تابوت- وآخرون يحملون الجثة التي دفنت قبل (42 عامًا) كأنها دفنت قبل ساعات قليلة.

لم يتماسك أبو عصام نفسه وحاول اسناد جسده المنهك مستعينًا بمن حوله من أبنائه وجيرانه، إذ أن عملية نقل جثمان والده استمرت من (10 إلى 15) دقيقة، قبل أن يتم نقل الرفات إلى مقبرة الشهداء شرق جباليا.

هنا استعاد أبو عصام شريط ذكرياته ليروي جزءًا من سيرة والده الطيبة: "ولد والدي في قرية قطرة على بعد 15 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة الرملة عام (1923)، وهجر كغيره من أبناء الرملة إلى قطاع غزة بعد احتلال فلسطين عام (1948).

"كان رجلًا صالحًا، يؤدي الصلاة على وقتها، يعبد الله كأنه يراه، يخاف من ارتكاب أي من المحرمات فهو يحب جميع الناس التي تسير على خط مستقيم لا اعوجاج فيها مطلقًا" هكذا وصف أبو عصام والده يونس.

لم تكن هذه الصفات فقط متصلة بيونس، إنما كان يُخفي أعمال الخير عن أبنائه وتم اكتشافها بعد وفاته إذ يقول أبو عصام: "كان يكفل بعض الناس ويقدم لهم يد العون والمساعدة ولم نكن نعلم بذلك في حياته مطلقًا".

يستذكر أبو عصام جزءًا من حياة والده، فيقول: "كان يُصر بشكل كبير على تنفيذ الخير ويقف إلى جانب الضعيف أمام القوي، ولا يحب الاستقواء على أحد، هذه حياته التي يحبها وورثناها عنه وورثناها لأبنائنا".

توفي يونس والد "أبو عصام" عام (1982) عن عمر ناهز الـ (58 عامًا) قضاها في طاعة الله وإصلاح ذات البين وتقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين، هذه الصفات التي تمسك بها والد أبو عصام كانت كفيلة بأن تحفظ له جسده تحت التراب؛ لتكون رسالة من الله عز وجل للناس أجمعين بأن فاعل الخير له كرامة من الله تعالى.

روايات عدة يتم تداولها بين أهالي حي الشجاعية حول نقل جثامين دفنت قبل عقود من الزمن في مقبرة التوانسي ولم تتحلل مطلقًا، رغم تحلل الجثامين المجاورة لها، ما يُدلل وفقًا لأهالي الحي على كرامات لهؤلاء المتوفين قد يكونوا مارسوا عبادة مخفية بينهم وبين الله حفظت جثثهم من التحلل.

 

اخبار ذات صلة