غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

عطا موسى.. حكاية "جندي مجهول" تكشفت تفاصيلها بعد استشهاده

الجندي-المجهول.jpg
شمس نيوز - مطر الزق

صعد زياد بسرعة البرق إلى سيارة شقيقه الذي حبس دمعاته وهو يقول بصوت مخنوق: "شقيقنا عطا أصيب برصاصة ونقل للمستشفى الحكومي"، تفاجأ زياد من الحدث، وطالبه بزيادة سرعة السيارة أكثر فأكثر، ليتحرك كالصاروخ صوب المستشفى؛ لكن المفاجأة هناك أن رصاص الاحتلال لم يتوقف والتوجه للمستشفى أمر قد يهدد حياتهم.

ترك "زياد" وشقيقه "أبو ثائر" موسى سيارتهم، وتوجها سيرًا على الأقدام بعد أن وصلا دوار السينما في جنين، كانت عقارب الساعة حينها تُشير إلى العاشرة ليلًا، الناس من خلفهم ومن أمامهم ينادون بأعلى أصواتهم: "توقفوا الجيش موجود أمامكم وإطلاق النار متواصل ارجعوا"، لكن الشقيقين لم يستمعا لأصوات الناس.

تمكن الشقيقين من تفادي الطلقات النارية التي كانت تصوب نحوهم من قبل جنود الاحتلال التي اقتحمت مخيم جنين، بالدخول عبر طرق التفافية، إلى أن وصلا إلى المستشفى الحكومي، ضوء فانوس الاسعاف لم ينطفئ منذ ساعات، وصوت إنذار الاسعاف دفع الشقيقين والناس المتجمهرة أمام بوابات المستشفى لإفساح المجال لمرورها.

من مستشفى لمستشفى..

لم يتوقع الشقيقين أن سيارة الاسعاف تلك، كانت تقل شقيقهم عطا موسى الذي أصيب بجروح خطيرة جراء إصابته برصاص الاحتلال، يجيب أحد الممرضين على سؤال زياد وشقيقه: "قبل قليل تم نقل عطا بسيارة الاسعاف إلى مستشفى ابن سينا لخطورة وضعه الصحي".

"ماذا عطا إصابته خطيرة! ونقل لمستشفى ابن سينا!"، يا الله، كم كانت تلك الكلمات صعبة على مسامع شقيقيه اللذان استقلا سيارة من أمام المستشفى الحكومي؛ فانطلقا مسرعين إلى حيث يرقد شقيقهم.

هنا توقف زياد عن سرد تفاصيل إصابة عطا، وأعاد شريط ذاكرته ليروي سيرة شقيقه لـ"شمس نيوز" يقول: "ولد عطا (عام 1994م) وعاش حياة مليئة بالعمل والحيوية، لكن عطا لم يتمكن من إكمال دراسته، فانتقل للأعمال المهنية حتى استقر به الحال؛ ليصبح أحد أشهر العمال في مخيم جنين بمهنة "البلاط".

صوت زياد بدا خافتًا، عندما وصل في حديثه إلى ذكر أسماء أبناء الشهيد "عطا"، يقول وهو يبتلع ريقه بصعوبة: "ترك عطا 3 أبناء (حسين 9 سنوات – محمد 5 سنوات – سراج سنة ونصف) إذ يتميز حسين بتفوقه على زملائه الطلبة بشكل كبير".

عطا استشهد..

لم يستمر زياد كثيرًا  في سرد سيرة شقيقه "عطا"، ليعود إلى الواقع؛ فعندما وصل إلى مستشفى ابن سينا، كانت دقات القلب تتدفق بسرعة عالية، وجسده أصيب بالرجفة والقلق عندما وقعت عين زياد إلى الأجهزة الطبية التي تملأ جسد شقيقه عطا.

أربعة من الأطباء يرتدون ملابس العمليات الجراحية، يحاولون انعاش القلب، في تلك اللحظة لم يتمكن زياد من حبس دموعه التي سالت على وجنتيه، وخارت قواه الجسدية؛ ليجلس على الأرض في انتظار ما يُشير إلى عودة طنين جهاز فحص دقات القلب من جديد.

عقارب الساعة كانت تدور بشكل سريع وعندما وصلت إلى نحو الثانية فجرًا كانت الصدمة على لسان أحد الأطباء الذي اخضبت لحيته بالدموع وامتلأت ملابسه بالدماء: "عطا استشهد.. عطا استشهد.. لم نستطيع أن نفعل له شيء".

أسرع زياد لرؤية شقيقه فقد كان نائمًا كالملاك، وجهه مضيء، أسنانه كانت توحي بابتسامة رقيقة لأنه نال ما تمنى، طبع زياد قبلة الوداع على جبين شقيقه، وبكاه بكاءً حارًا حتى أمسكه شقيقه الأخر "أبو ثائر" ليعودا إلى البيت والاستعداد لتشيع جثمانه الطاهر.

حاولت ولم التقي به..

في تلك اللحظة استذكر زياد آخر يوم له مع عطا يقول: "كنت سعيدًا جدًا، حاولت الاتصال به عصر يوم الثلاثاء؛ لأبلغه عن وجود عمل، تواصلت معه دون أن يرد، تواصلت مع زوجته التي ابلغتني أنه نائم، لم أتمكن في ذاك اليوم من التواصل معه مطلقًا رغم أنه يبعد عن منزلي نحو أمتار قليلة فقط".

قبل شهور قليلة فقط لاحظ زياد وشقيقه الذي عاد من دبي زائرًا لجنين تغيرات كبيرة في تصرفات "عطا" مع الناس ومع أسرته ومع والدته التي أصيبت في حادث عرضي، يقول زياد: "كان عطا يقوم بكل ما تحتاجه والدتي من رعاية وخدمات".

ولم يكتفِ عطا برعاية والدتي إنما كان يرعى شقيقي الذي يعاني من "متلازمة داون" فكانت وصيته رعاية الوالدة وشقيقنا.

أسرار الجندي المجهول..

ساعات قليلة مرت على تشييع جثان الشهيد عطا موسى من مخيم جنين شمال الضفة حتى تكشفت حقيقة الجندي المجهول الذي احتفظ بها عطا منذ سنوات، يقول زياد: "لم أكن أعلم مطلقًا لا أنا ولا أشقائي ولا أحد في المنطقة التي نسكن بها أن عطا ينتمي إلى كتيبة جنين وأبطال المقاومة".

"حالته المادية الممتازة دفعتنا لأن نكون على ثقة تامة بأن عطا بعيد عن خط المقاومة؛ لكنه فاجئنا جميعًا بأنه أحد أبطال المقاومة وبات معروفًا في مخيم جنين بالجندي المجهول نظرًا لأنه خاض اشتباكات كثيرة مع جنود الاحتلال على مدار السنوات الماضية" -كما قال زياد-.

واستشهد عطا فجر يوم الأربعاء الموافق (20-9-2023) ومعه ثلة من المجاهدين في مخيم جنين أثناء تصديهم برفقة المقاومين من كتيبة جنين وغيرها من الكتائب المقاومة؛ لاقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للمخيم.