غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

تقليد قديم وثقافة حياة

بالصور جني ثمار النخيل في غزة تراث حي يتجدد في كل موسم

موسم جني البلح (9).jpeg
شمس نيوز - وليد المصري

في الصباح الباكر، ومع بدء شروق الشمس وفي ظلال أشعتها الدافئة، يمضي فريد المصري (62 عاماً) بخطىً واثقة متنسماً الهواء العليل، بلسان يلهج بالأذكار والدعاء بالبركة، ويرافقه أبناءه وأحفاده؛ متوجهين صوب أرضهم بمدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، لجني ثمار النخيل من أشجارها الشاهقة التي زرعها أجدادهم منذ عشرات السنوات.

بدأ محمد -وهو الابن الأكبر- بتسلق الأشجار بعد أن ربط على خاصرته حبلاً متيناً يسمى بـ(المطلاع)، وحزمه بإحكام؛ لجني البلح، وأمسك في يده الأخرى "الساطور" -وهي سكين كبير لقطع عنقود البلح" و"المشنة" -وهي عبارة عن وعاء يضع به الثمر-، في الوقت الذي تنشغل فيه والدته وزوجته بتجهيز طعام الإفطار، وسط فرحة عارمة وبهجة كبيرة تظلل أجواء المحبة والترابط الأسري.

يقول محمد لمراسل "شمس نيوز"، الذي عايش أجواء موسم القطاف مع العائلة منذ الصباح، إن "موسم جني البلح ليس مجرد فترة زراعية، بل هو أيضاً تجربة اجتماعية تجمع الأهل والأصدقاء، وتزيد أواصر الألفة والتعاون بينهم".

ويضيف: "علاوةً على ذلك، فإن ثمار البلح تتميز بمذاقها الحلو اللذيذ، كما أنه يشكل مصدراً للدخل والرزق".

بجانب كل هذا، يُعبر محمد عن سعادته برؤية المناظر الطبيعية الخلابة لقطاع غزة، من أعلى أشجار النخيل الشاهقة، كما يعتبرها فرصة جيدة للاستمتاع بالهواء النقي والاستماع لزقزقة العصافير التي تُضفي بصوتها جمالاً سماعياً يفتقده في الحياة اليومية؛ نظراً للضوضاء التي تُحدثها السيارات والأطفال.

على مقربة منه، يجذبك صوت الحاج صالح بحديثه الدافئ المعبق بالحنين، الذي يأخذك في رحلة مشوقة إلى الماضي لتكتشف عراقة وأصالة عادات وتقاليد الشعب الفلسطيني، مستذكراً نفسه في مرحلة الطفولة عندما كان والده يصجبه إلى الأرض في هذا الموسم، ويعلمه أصول جني البلح وفرز ثمارها.

يوضح الرجل الستيني لمراسل "شمس نيوز": "منذ صغري كنتُ أرافق والدي -رحمه الله- وتعلمتُ منه كيفية التفريق بين البلح الناضج والغير ناضج، وكيفية تجنب تلف الثمار أثناء عملية الجني، واليوم أنقل هذه التجربة إلى أبنائي وأحفادي".

وعرفت زراعة النخيل في فلسطين منذ آلاف السنين، وحظيت باهتمام المزارع الفلسطيني؛ كونها شجرة ذات قيمة اقتصادية كبيرة، ومنزلة دينية عظيمة، تعيش مئات السنين، ولقدرتها على تحمل العديد من الظروف المناخية، بالإضافة لقدرتها على النمو في التربة المالحة.

وتنتشر زراعة النخيل في فلسطين في منطقة أريحا والأغوار وقطاع غزة، لا سيما في مدينتي: دير البلح، وخان يونس. ومن المعروف أن مدينة أريحا تاريخياً أطلق عليها اسم "مدينة النخيل"؛ لكثرة مزارع النخيل فيها. وتعد هذه الزراعة أقل الزراعات حاجة إلى الأيدي العاملة، وأقل الزراعات حاجة للكلفة المادية والتشغيلية. وتحتاج الشجرة حتى تثمر ثلاث سنوات، وتصل بعد ست سنوات إلى الذروة.

وافتتحت وزارة الزراعة في قطاع غزة، موسم جني ثمار النخيل، الذي حلَّ موعده تزامناً مع موسم جني الزيتون، إذ يكون موسم قطاف البلح في أواخر شهر أيلول (سبتمبر) من كل عام.

النخيل قطاع استراتيجي

وأفاد المتحدث باسم وزارة الزراعة بغزة، محمد أبو عودة، بوفرة إنتاج البلح هذا العام، مشيراً إلى أن كمية الإنتاج هذا العام بلغت حوالي 15 ألف طن، وهي كمية وفيرة تغطي احتياجات قطاع غزة.

وأكد أبو عودة لـ"شمس نيوز"، أن قطاع النخيل هو قطاع استراتيجي حيث يبلغ عدد أشجار البلح المزروع في القطاع حوالي 200 ألف نخلة.

وأوضح أن البلح الأحمر "الحياني" هو أكثر الأصناف وفرة في القطاع إذ يشكل أكثر من 90% من الأصناف المزروعة، إضافةً إلى صنف "بنت عيشة" وهو كذلك من الأصناف الحمراء، في حين تبلغ نسبة صنف "البرحي الأصفر" 3%، ومثلها للصنف العامري والأصناف الأخرى.

وأشار أبو عودة إلى أن ما يميز تلك الأصناف عن بعضها، هي أذواق الناس بالدرجة الأولى، ثم استخداماتها، بمعنى أن البلح الأحمر يُصَيَّرُ رطباً فقط، أما الأصفر فيمكن تَصْيِيْرُهُ تمراً -قدر الإمكان-، على الرغم من عدم ملائمة مناخ فلسطين لذلك.

وبيَّن أبو عودة أن البلح يسوق في السوق المحلي، على هيئتها الصلبة أو رطباً، فيما يتم تخزين الفائض في الثلاجات وتسويقه للضفة الغربية خلال شهري فبراير ومارس، إذ يشح البلح وقتها في الأسواق، لافتاً إلى أن الكميات التي تصدر للضفة الغربية هي كميات قليلة ومحدودة.

ويُعتبر البلح فاكهة أساسية على مائدة المجتمع الفلسطيني، وتشهد إقبالاً كبيراً على الشراء، ويتحدد السعر حسب العرض والطلب طبقاً لحجم الثمار، وجودتها، ووقت قطافها، -وفقاً لما قاله المتحدث باسم الزراعة بغزة-.

وأضاف: "يدخل البلح في صناعات عديدة، مثل: إنتاج المربي، والعجوة، وصناعة الكعك والمعجنات، والدبس، كما أنه تتم الاستفادة من سعفه في صناعة الأواني والسلال والزخارف، ومخلفات البلح" النوى" تدخل في إنتاج وتصنيف علف الحيوانات".