بقلم رئيس تحرير صحيفة الاستقلال/ خالد صادق
تحيي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ذكرى انطلاقتها السادسة والثلاثين الجمعة القادمة التي توافق السادس من أكتوبر، وهو التاريخ الذي تؤسس له حركة الجهاد الإسلامي لاندلاع شرارة الانتفاضة الفلسطينية «انتفاضة الحجارة» عام 1987م, حيث معركة الشجاعية التي استشهد فيها ثلة من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي ممن استطاعوا تحرير انفسهم من سجن غزة المركزي بعملية هروب معقدة اطلق عليها اسم عملية «الهروب الكبير» خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال الصهيوني, الجهاد الإسلامي اسم كبير يحمل دلالاته في ذاته, فهو قائم على قاعدة ثابتة عنوانها مقاومة الاحتلال الصهيوني ومجابهته حتى كنسه عن ارضنا الفلسطينية المغتصبة, وهذا العنوان الذي يحمله اسم الحركة, لا يمكن استيعابه في محيطنا العربي والإسلامي, ولا يمكن ان يتقبله المجتمع الدولي, وتتعامل معه إسرائيل بعنف شديد, لذلك كان يصف الدكتور المؤسس الشهيد فتحي الشقاقي رحمه الله كل من ينتمون لحركة الجهاد الإسلامي انهم مشاريع شهادة, وهذه الحقيقة بنت عليها قيادة الحركة مواقفها السياسية, بعد ان أسست الشخصية الدينية الملتزمة والمثقفة والثائرة والمضحية بكل غالٍ ونفيس, فتعاملت حركة الجهاد الإسلامي مع الفعل المقاوم على انه «اصل» في مواجهة الاحتلال, والاستثناء ان ينعم الاحتلال بفترة هدوء, فتحدثت عن المشاغلة ومراكمة القوة والاشتباك المستمر مع الاحتلال الصهيوني, واستنزاف قوته وإرهاقه لإحباط مشاريعه التوسعية داخل فلسطين المحتلة وخارجها, ومثلت حركة الجهاد الإسلامي رأس حربة للفعل الفلسطيني المقاومة, وقاتلت بالسكين والسلاح والصاروخ, وبالعمليات الاستشهادية النوعية وبالعبوة الناسفة وحزام النسف الذي كان يتزنر به الشهيد ليفجر نفسه في جنود الاحتلال وقطعان مستوطنيه المجرمين, ودار الجهاد الإسلامي حيث تدور فلسطين, وحرض على مقاومة الاحتلال, والوحدة من خلال التعدد, وعدم حرف البوصلة عن وجهتها نحو الاحتلال الصهيوني, لان الاحتلال كان يغذي حالة الصراع الداخلي لإشغالنا بأنفسنا كفلسطينيين, حتى يتسنى له تمرير مخططاته العدوانية والسيطرة على أراضينا ومقدساتنا وثروات الامة وفرض نفسه على المنطقة العربية بالقوة مستغلا انشغالنا بأنفسنا ومشاكلنا الداخلية.
لأجل هذا كله كان المطلوب تغييب حركة الجهاد الإسلامي من خلال مؤامرات كبرى, تجاوزت حدود فلسطين والاقليم, فصنفت الإدارة الامريكية وقوى الشر في العالم حركة الجهاد الإسلامي بأنها حرة «إرهابية» ووضعت كل قيادتها ومن ينتمي اليها فيما اسموه «بالقوائم السوداء» وتمت ملاحقتهم في كل مكان وتضييق الخناق عليهم ومحاولة وقف كل اشكال الدعم المقدمة لهم, سواء كان دعما ماليا, او لوجستيا, او عسكريا, وقدمت عدداً من قادتها للمحاكم الامريكية, ورصدت ملايين الدولارات لمن يقوم بتصفيتهم او تقديمهم لما تسمى «العدالة الامريكية», وكانت حركة الجهاد الإسلامي تعلم جيدا انها لا تواجه إسرائيل وحدها, انما تواجه قوى الشر في العالم وعلى رأسهم الإدارة الامريكية, وتشكلت حالة الوعي لدى الشباب المنتمي اليها, بأن أمريكا تزرع «إسرائيل» في المنطقة لأجل مصالحها, وتعزيز نفوذها ومواجهة أي انبعاث حضاري للامة العربية والإسلامية, فدعمت «إسرائيل» بلا حدود, وساندتها بكل شيء بالمال والسلاح والمواقف السياسية, وجعلتها القوة العسكرية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط, واعتبرت ان «إسرائيل» ربيبتها في المنطقة, وذراعها الأيمن الذي لا يمكن استئصاله او بتره, وان من يعاديها من العرب والمسلمين انما يعادي أمريكا ويقف في وجهها وسيدفع ثمن موقفه, وكما قال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن عندما خاضت أمريكا حربها على العراق موجها خطابه للعالم, «من لم يقف مع أمريكا ويساندها فهو ضدها, وعليه ان يتحمل نتائج موقفه» لقد كان تهديدا مباشرا موجها للعرب يصب كله في النهاية لمصلحة إسرائيل لأجل فك عزلتها والتعامل معها كأمر واقع, بل وإقامة تحالفات عربية إسرائيلية مشتركة على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني, فكان المطلوب ان يغيب أي صوت مقاوم يجابه سياسة أمريكا و»إسرائيل», فغيبوا موقف الجهاد الإسلامي وحاصروه ومنعوه ان يصل الى الجماهير, لكن صوت الجهاد الإسلامي كان اعلى واكبر من ان يحاصر, فنطق الجهاد الإسلامي بالرصاص قبل ان ينطق بالكلمة, الامر الذي أعطاه مصداقية كبيرة في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي, وامام احرار العالم, فكان الرصاص هو الذي يتكلم, والاحتلال يصرخ, والإدارة الامريكية تحرض وتشدد القيود وتتوعد.
لم يستسلم الجهاد الإسلامي للتهديدات الامريكية والإسرائيلية, وقدم العديد من التضحيات, قدم امينه العام المؤسس الدكتور فتح الشقاقي شهيدا, عندما اغتاله الموساد الصهيوني في مالطا وهو عائد من ليبيا بتاريخ 26 أكتوبر 1995م, وهو الرجل الذي كان يردد مقولته الشهيرة دائما, لقد عشت اكثر مما كنت أتوقع, لقد ظنوا انهم باغتيال الشقاقي رحمه الله سيقضون على حركته «الناشئة» وينهون مسيرتها تماما, ولم يكونوا يعلموا ان الشقاقي أسس لما بعد مرحلة الشقاقي, لأنه كان يعلم انه قد يستشهد في اية لحظة, وانه أوصى بخلافته للدكتور رمضان عبدالله شلح رحمه الله, وانه كان خير خلف لخير سلف, فاستمرت حركة الجهاد في رحلة العطاء والتضحيات, فتعاظم فعلها المقاوم, وأثبتت انها قدر الله عز وجل الذي سلطه على اليهود الغاصبين, وانها اكبر من ان يتم تصفيتها او انهاء مسيرتها النضالية بقرار إسرائيلي او امريكي او بريطاني او غيره, فهي حركة ربانية تستقي مواقفها من النبع الصافي «القرآن الكريم» ومن سنة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.