هم الشهداء، الذين سلكوا طريق العلم طريقًا إلى الجنة، فاستحقوا الشهادة الأسمى، الذين آمنوا بالفكرة المقاتلة والوعي الحركي، وفي كنف الإيمان والوعي والثورة كانت صولاتهم وجولاتهم، وفي مدرسة الشقاقي انتموا لخيار المثقف أول من يقاوم وآخر من ينكسر، فكانوا أول من لبى النداء على طريق القدس.
كانت جنين على موعد مع المجاهدة هنادي تيسير جرادات في 21 سبتمبر 1975م، لعائلة كريمة من عوائل فلسطين التي قدمت التضحيات، حيث ارتقى شقيقها المجاهد فادي جرادات شهيدًا، كما قدمت عائلة جردات الكريمة الشهداء نعمان جردات وراغب جرادات منفذ عملية حيفا الاستشهادية وصالح جردات وحسام جرادات، وغيرهم.
أنهت عروس جنين تعليمها المدرسي، ثم التحقت بجامعة جرش بالأردن لدراسة تخصص الحقوق وتخرجت منها عام 1999م، فكانت تتمنى العيش في وطنها السليب وتحظى بأبسط حقوقها، ولكنَّ الاحتلال أراد لها غير ذلك حين نفذ جريمة قتل شقيقها فادي وابن عمها صالح أمام ناظريها في 12 يونيو عام 2003م، في مشهد بشع حيث منعت قوات الاحتلال إسعافهم حتى فاضت الأرواح إلى علياء المجد والخلود.
بتاريخ 4 أكتوبر من العام 2003م في صبيحة ذلك اليوم الأغر، أمضت هنادي العابدة الزاهدة ليلتها ما بين صيام وقيام ودعاء وابتهال وتضرع لله، عاكفة على كتاب الله حتى أنهت ختمتها كاملة مبتهلة منكسرة القلب داعية ربها أن يوفقها في مهمتها الجهادية النوعية.
الموعد في حيفا
وانطلقت صباحًا نحو الهدف المرسوم والمخطط لها من إخوانها المجاهدين في سرايا القدس نحو "مطعم مكسيم" في مدينة حيفا المحتلة، واجتازت التحصينات الأمنية والحواجز التي واجهتها واستطاعت دخول المكان المستهدف، وما هي إلا لحظات حتى دوى انفجار كبير هز الأرجاء.
خرجت من جنين الملحمة والأسطورة التي ظن الاحتلال أنه دمرها وقضى عليها وعلى مقاوميها، حيث صرعت 21 صهيونيًا على الفور وأصابت 50 آخرين في عملية معقدة وكان من بين القتلى قائد سلاح البحرية الصهيوني "زئيف ألمونج".
ساعات قليلة وصدر القول الفصل، سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي تعلن مسؤوليتها عن العملية الاستشهادية في مدينة حيفا وتزف ابنتها الاستشهادية المحامية هنادي تيسير جرادات وشقيقة الشهيد فادي وابنة عم الشهيد صالح ورداً على اغتيال الشهداء القادة محمد سدر وذياب الشويكي وعبد الرحيم التلاحمة.
أصيب الاحتلال بعد العملية بحالة من الجنون والهستيريا فشن حملات مداهمة واعتقالات مكثفة للقضاء على بنية الجهاد الإسلامي في جنين، في محاولة يائسة منه للحد من العمل المقاوم، في الوقت الذي أعلنت فيه سرايا القدس أن جدار الفصل لن يمنع مجاهديها من الدخول إلى عمق الكيان وتلقيه مزيدًا من الدروس.
والد هنادي الحاج تيسير جرادات الذي كان طريح فراش المرض، فما أن سمع الأنباء عبر الإذاعات وأعلن عن أن منفذة عملية حيفا التي حصدت عشرات الصهاينة بين قتيل وجريح، حتى قام بكل قوة وتغلب على مرضه الذي لازمه، ليجد الأهالي قد تجمعوا في بيته لتقديم التهاني بارتقاء ابنته، والذي عبر عن فخره بصنيعها رافضًا التعازي باستشهاد ابنته، وكان يردد "لا مكان للمعزين في بيتي، فابنتي شهيدة وأنا فخور بها".
كلمات من وصية الاستشهادية هنادي جرادات
"بقوة الله وعزيمته قررت أن أكون الاستشهادية السادسة التي تجعل من جسدها شظايا تتفجر لتقتل الصهاينة وتدمر كل مستوطن وصهيوني. ولأننا لسنا وحدنا من يجب أن يبقى ندفع الثمن ونحصد ثمن جرائمهم، وحتى لا تبقى أمهاتنا تدفع ثمن الإجرام الصهيوني، وحتى لا تبقى أمهاتنا تبكي وتصرخ على أطفالها وأبنائها بل يجب أن نجعل أمهاتهم يبكون فقد قررت بعد الاتكال على الله أن أجعل الموت الذي يحيطوننا به يحيط بهم وأن أجعل أمهاتهم تبكي دمعاً وندماً ودعوتي لله أن يجعلنا نحن معمرون في الجنة وجعلهم من الخالدين في النار".