تعتبر حركة الجهاد الإسلامي واحدة من أبرز الكيانات الإسلامية المعاصرة التي تجذب اهتمام العلماء والباحثين في ميدان الدراسات السياسية والاجتماعية، خاصةً أنَّ الجهاد الإسلامي أثبتت محلياً وعربياً وإسلامياً بل وعالمياً ثقلها الميداني والجماهيري والسياسي.
وتجمع حركة الجهاد الإسلامي بين الجوانب العسكرية والدينية والسياسية وجوانب اجتماعية أخرى في رسالتها وأهدافها، وهذا ما يجعل دراستها أمرًا ضروريًا لفهم تأثيرات تلك الحركة التي باتت واحدة من أبرز الحركات الإسلامية والوطنية تأثيراً في المشهدية الفلسطينية، لاسيما أنها باتت تلعب دورًا بارزًا في تشكيل مسار الأحداث في الأراضي الفلسطينية.
العمل المقاوم للحركة، والعدوان الإسرائيلي عليها واستهدافها واستهداف قادتها، وعلاقتها بمختلف قضايا الأمة، بالإضافة إلى دورها في القضية الفلسطينية، والمصالحة والوحدة الوطنية هذا غيض من فيض الدراسات العلمية والبحثية التي درست حركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري.
واثنت دراسات سياسية واجتماعية على الدور الكبير الذي تبذله الحركة على أكثرِ من صعيد، لاسيما دورها على الصعيد العسكري والميداني، والفكر الذي تمثله الحركة، إلى جانب الأدوار الأخرى التي تؤديها مثل دورها الحيوي في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الفلسطينيين.
نموذج عسكري وسياسي فريد
الباحث السياسي وطالب الدكتوراة في جامعة القرآن الكريم وأصول العلوم بالسودان محمود الفقعاوي، أجرى دراسة علمية بعنوان "جولات التصعيد الإسرائيلية ضد حركة الجهاد الاسلامي وأثرها على الأداء العسكري لسرايا القدس 2012-2022"، نُشرت في مجلة ابن خلدون للدراسات والأبحاث.
وتوصل في دراسته إلى أن الحركة قدمت نموذجاً فريداً على المستوى السياسي والعسكري من خلال سياسة النأي عن التدخل في الصراعات الداخلية، والشؤون الداخلية للبلدان العربية، بالإضافة الي تقديم العديد من القادة الشهداء وعلى رأسهم الأمين العام المؤسس الدكتور "فتحي الشقاقي".
وجاء في نتائج الدراسة أن تحوّل دور الردع في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، إلى العمل لتقليل عمليات المقاومة العسكرية ضد "إسرائيل"، إضافة إلى إيجاد وضع يكون فيه الصراع المستمر الذي تقوده تنظيمات المقاومة على مستوى مقبول "إسرائيلياً".
ومن ضمن النتائج لدراسة الفقعاوي أن الأداء العسكري لسرايا القدس لم يتأثر برغم العدد الكبير من جولات التصعيد التي خاضتها منفردة ضد الاحتلال، وكان ذلك واضحا من خلال تطور القدرات العسكرية في كل جولة عن سابقتها.
وأضاف "رغم كل الصعاب التي واجهت حركة الجهاد الإسلامي داخلياً وخارجياً إلا أنها التزمت التأكيد على الوحدة الجغرافية ووحدة المقاومة ووحدة الحاضنة الشعبية، وكان ذلك واضحاً خلال إقامة مهرجان في 5 ساحات فلسطينية وعربية في وقت متزامن".
ولفتت النتائج إلى أن حركة الجهاد تتمتع بتعاطف وتأييد كبيرين حتى ضمن أطياف وطنية فلسطينية مستقلة وقومية عربية ويسارية قد لا تتفق مع حركة الجهاد ذاتها أيديولوجياً.
كما جاء في النتائج أن جولة وحدة الساحات" ثبتت الترابط بين غزّة والضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 48 وهي أهم المعادلات التي خرجت بها المقاومة الفلسطينية منذ معركة "سيف القدس".
وأكمل الفقعاوي في نتائجه "باءت محاولات الاحتلال دفع الحاضنة الشعبية للمقاومة إلى الانقضاض عنها بالفشل، بل زادت هذه الحاضنة تمسكاً بخيار المقاومة، وقدمت كل الدعم من دماء أبنائها وممتلكاتها في سبيل إفشال مخططات المحتل".
رؤية سياسية ثاقبة
من ناحيته الباحث رزق موسى الزعانين تطرق إلى دور الحركة في الحياة السياسية، خلال أطروحة ماجستير قدمها في قسم التاريخ بكلية الآداب - جامعة عين شمس، موسومة بالعنوان " دور حركة الجهاد الإسلامي في الحياة السياسية الفلسطينية (۱۹۸۷-۲۰۱۹)".
وتوصلت الدراسة إلى أن حركة الجهاد الإسلامي من أكثر الفصائل الفلسطينية تمسكًا بالثوابت، وأكثرها تشددًا وأقل برجماتية في موقفها ورؤيتها من الفصائل الفلسطينية البارزة في المشهد السياسي الفلسطيني.
وجاء في نتائج دراسة الزعانين أن تردد الحركة في الدخول في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وترى بأن المشروع السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية فشل في تحقيق الأهداف الوطنية، وتشترط لدخولها إعادة بنائها، وبناء المشروع الوطني على أسس وبرامج سياسي محوره المقاومة، وتراعي تغييرات المشهد السياسي الفلسطيني وظهور قوى سياسية جديدة فيه، ورفض خيار التسوية السلمية على أساس الاعتراف بكيان الاحتلال على حدود عام ١٩٦٧، وهي بذلك تقترب من موقف حركة حماس تجاه المنظمة باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ولفتت الدراسة إلى أن علاقة الحركة بالسلطة الفلسطينية شهدت حالات من المد والجزر، وهناك مراحل كانت تطفو عليها سمة التوتر، بسبب اختلاف المواقف من التعامل مع كيان الاحتلال الإسرائيلي في ظل رفض الحركة لاتفاقية أوسلو ومخرجاتها أو الالتزام بالتزاماتها وتعهداتها، ووجود مسوغات عقائدية وفكرية تحول دون ذلك، مما أدخلها في علاقات شابها التوتر في كثير من الأحيان.
وجاء في الدراسة أن بروز الحركة تشكل نتيجة لعدة عوامل سياقية ذاتية ومحلية ساهمت في تطورها كتراجع مشروع منظمة التحرير وفصائلها وقيام انتفاضة الأقصى، والانسحاب الإسرائيلي من القطاع.
وأضافت الدراسة "ساهم نهج الحركة وتبنيها للعمل المقاوم المسلح، وأدائها البارز في صد الهجمات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، ومساهمتها في خلق نوع من معادلة للردع مع الاحتلال كما ظهر في جولات المعارك الأخيرة، مما منحها حضورًا متزايد داخل المشهد السياسي الفلسطيني، وتزايد شعبيتها، على الرغم من صعوبة قياس حجم التأييد الذي تتمتع به الحركة فعليًّا، نتيجة لرفضها المشاركة في الانتخابات على مستوي المجالس المحلية أو التشريعية".
وفي النتائج فإن الحركة واجهت تحديات أثرت على ثقلها منها: منافسة التيار الإسلامي التقليدي لها ومحاولاته تشويهها، والقيود المزدوجة المفروضة على حركتها وأنشطتها من قبل الاحتلال ومن قبل الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، ومحدودية مصادر التمويل، إضافة إلى تركيز الحركة على العمل المسلح الذي يحتاج إلى السرية.
وأكمل الزعانين في نتائجه "تمسكها بموقفها في رفض الحلول السلمية للقضية الفلسطينية، وتحالفها مع محور المقاومة خاصة إيران، جعلها عرضة للحصار الإقليمي والدولي، وأثار حفيظة كل من التيار الإسلامي التقليدي والوطني العلماني".
المحافِظة على الوحدة الوطنية
أما الباحث محمد البيوك فأفرد أطروحة الماجستير الخاصة به للحديث عن دور الحركة في المصالحة الفلسطينية، في رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير من جامعة القدس موسومة بالعنوان " دور حركة الجهاد الإسلامي في تحقيق المصالحة الفلسطينية (2019-2006)".
وكانت من نتائج هذه الدراسة، أن الحركة تتبنى رؤية خاصة حول مفهوم الدولة وعملية التسوية، وما زالت منذ نشأتها تحافظ على الرؤية، بخلاف العديد من الأحزاب التي أجرت مراجعات داخلية، وغيرت من رويتها تجاه القضايا بفعل المتغيرات من حولها.
وأضاف البيوك في نتائج دراسته "تنطلق الحركة في تعاطيها مع منظمة التحرير من اعتقاد راسخ أنها بوابة فلسطين للعالم، ويجب أن تكون الإطار الجامع لكل فلسطيني، رغم حاجتها لإعادة بناء وتصميم هياكل جديدة برؤية وطنية جامعة ثورية توافقية يتشارك فيها الجميع، للنهوض بأعباء المرحلة، ومعالجة القضايا الوطنية، ومواجهة التحديات المتراكمة التي تحيط بالقضية الفلسطينية".
وأشارت النتائج إلى أن الحركة تحاول اتباع موقف ملتزم اتجاه الأحزاب والفصائل على الساحة الفلسطينية، قوامه سقف المشتركات الوطنية والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، بالرغم من اختلاف برامجها وفكرها عن تلك الأحزاب، وتؤكد دوماً على الوحدة من خلال التعدد.
وذكرت أنها حافظت على علاقات جيدة مع حركة فتح، رغم بعض الفتوي غي كثير المحطات، إلا أنها تطمع بأن تعود حركة فتح إلى دورها الرائد والطليعي، كذلك بالنسبة لحركة حماس، فحافظت على العلاقة المبنية إلى عوامل النشأة الإسلامية المشتركة، والاتفاق على مسيرة التحرير، رغم المضايقات التي تعرضت لها من عناصر حماس وكوادرها بداية التأسيس، غير أنها لم تنجر لمواجهة مع حركة حماس.
وفي علاقة الجهاد الإسلامي مع قوى اليسار فقد التزمت الحركة منذ نشأتها بألا تقاطعها رغم اختلاف وتقاطع محددات الفكر والأيديولوجيا معها، وكانت المبادرة في كثير من الأحيان للمشاركة في كل الجهود المشتركة مع هذه القوى، لمواجهة أي استحقاق وطني، وتضطلع بدور المشاركة في المبادرات والمؤتمرات وورش العمل، والفعاليات الوطنية على المستوى السياسي والعسكري لهذه القوى.
وجاء في الدراسة أن الحركة حددت مرتكزات المصالحة الفلسطينية باعتبار العدو الأول والأخير في الصراع هو العدو الصهيوني فقط وأي خلاف بين الفلسطينيين يجب أن يكون هامشياً ويحل على طاولة الحوار، وأي جهد يبذل في إطار الصراع الداخلي هو جريمة وطنية لأي شعب ما زال تحت الاحتلال، وإراقة الدم الفلسطيني خط أحمر لا يمكن تجاوزه، والانقسام يعتبر النكبة الثانية للشعب الفلسطيني بعد نكبة عام (1948م).
كما جاء في الدراسة أن الحركة تعتبر أن تداعيات الانقسام كارثية، وتدمر المشروع الوطني الفلسطيني، وتقفز على كل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، والمستفيد الأول من ورائه هو الاحتلال، ولذلك دعت إلى الحوار الوطني باعتباره السبيل الوحيد لإنجاز المصالحة.
كما ترى الحركة كما أظهرت نتائج الدراسة، في الدور المصري دوراً واعداً ومتقدماً ويراعي مصالح الجميع، وتعتقد حركة الجهاد الإسلامي أنه يجب التخلي عن الارتهان للخارج لدى طرفي الانقسام لإنجاز المصالحة.
وفي النتائج فقد تطرقت إلى محاولات الحركة منذ بداية أحداث الانقسام معالجة آثاره وتداعياته في سبيل تحقيق المصالحة، ولكن طرفي الانقسام لم يراعيا مطالباتها ومناشداتها المتكررة، ومع ازدياد سنوات الانقسام أصبح واضحا تراجع الدور المؤثر لحركة الجهاد الإسلامي بسبب تمترس طرفي الانقسام وراء مصالحهم وعدم استجابتهم لهذه النداءات والمبادرات.
وأكملت النتائج أن الحركة ما زالت محاولاتها مستمرة ومتواصلة من خلال طرح مزيد من الرؤى الوطنية المنفردة والمشتركة مع الفصائل الفلسطينية، لكنها ما تزال تحتاج إلى ضغط أقوى وأكبر على طرفي الانقسام لإنهاء هذه النكبة وإتمام المصالحة.
وأكدت الدراسة أن رؤية ومبادرة حركة الجهاد الإسلامي لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية تعتبر الرؤية الواقعية والأقرب للأطروحة الوطنية غير النفعية لأسباب مهمة تتلخص في أن الجهاد الإسلامي لا ينافس طرفي الانقسام على السلطة، كذلك هو ليس طرفا في الانقسام بل متضرر من آثاره كجزء من الحالة الشعبية وهو يحظى بشعبية تمكنه من الضغط نحو تحقيق المصالحة.