صوت "زامور" سيارات الاسعافات والمركبات المدنية و"التكاتك" لم يتوقف على مدار ساعتين تقريبًا، صرخات وآهات ومشاهد مؤلمة تقشعر لها الأبدان توالت بشكل متسارع إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح جنوب قطاع غزة.
هنا أجساد أطفال مقطعة، وهناك أجسام صغيرة مغطاة بـ"حرامات"، ومشاهد أخرى أفقدت الجميع تركيزه وانتباهه؛ فعندما يخرج المصاب من المركبة بلون ممزوج بالتراب والدماء، كأنه تعرض لحروق من الدرجة الكبيرة، فورًا تتسارع نبضات القلب، وتتجمع الدموع في العيون لتنفجر في وقت آخر.
استمر مشهد وصول الشهداء والجرحى لمستشفى شهداء الأقصى لأكثر من ساعتين، إذ أن الشهداء والجرحى وصلوا من 3 مناطق مختلفة جراء ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي لمجازر بشعة بحق المدنيين والعزل في المنطقة الوسطى.
ففي الساعة الثالثة تقريبًا عصر يوم الثلاثاء (17 أكتوبر 2023) ارتكبت طائرات الاحتلال مجزرة في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" في مخيم النصيرات حيث تعتبر المدرسة ملاذًا لإيواء النازحين من شمال القطاع ومن مدينة غزة، وبعدها بدقائق معدودة ارتكبت مجزرة كبيرة في مخيم البريج إذ دمرت مربعًا كاملًا بمن فيه من المدنيين، وبعد نحو 10 دقائق أخرى ارتكبت مجزرة في منطقة "الحكر" بدير البلح.
أدت المجازر الإسرائيلية البشعة التي ارتكبت في المنطقة الوسطى إلى استشهاد العشرات من المدنيين فيما أصيب المئات بجروح مختلفة، والعشرات لا زالوا تحت الأنقاض، هذه الأعداد الكبيرة كانت بمثابة التحدي الكبير أمام الطواقم الطبية في مستشفى شهداء الأقصى.
ففي اللحظة الأولى من سماع نبأ المجازر الإسرائيلية هبت الطواقم الطبية، لتنتشر في قسم الطوارئ وبدأت تعمل كخلية نحل إلى جانب رجال الشرطة والعديد من الصحفيين، وأثناء التقاط المشاهد المؤلمة كانت الطفلة هدى خطاب تسير بشكل صعب، الدموع تنهمر من عينيها، وأنين صوتها يصل مسامع الجميع "أين أمي أين أبي أين إخوتي؟!".
يحاول عمها قدر المستطاع أن يهدأ من روع الطفلة التي تبحث عن قلب والدتها الحنون، لكنه لم يتمكن إذ بقيت جالسة على الكرسي تترقب بعينيها الدامعتين المركبات والسيارات التي تتوالى للمستشفى، علها تجد والدتها ووالدها بينهم.
أصر عمها لنقل هدى إلى مكانِ آمن ليمنعها من مشاهدة الأجساد المقطعة والمشوهة التي تصل تباعًا إلى المستشفى يقول لمراسل "شمس نيوز": "كنا جالسين في البيت بمنطقة الحكر بأمن وأمان قبل أن يأتي صاروخ إسرائيلي قاتل دمر قلوبنا".
يُشير عم هدى خطاب إلى أن المنزل كان مليئَا بالأطفال والنساء وبعضهم من أبناء العائلة النازحين من الشمال ومدينة غزة، لم نتوقع مطلقًا أن يتم قصفنا بهذه الطريقة البشعة الأطفال والنساء تحت الركام وهناك شهداء وجرحى بالعشرات -حسبنا الله ونعم الوكيل-.
حكاية محمد تختلف في تفاصيلها قليلًا رغم تشابه النتيجة بارتقاء شهداء ووصول عشرات الجرحى والدمار الهائل، خرج محمد ليشتري لأهله من مخيم البريج بعضًا من الطعام للأطفال الصغار، وفجأة أثناء وصوله إلى الشارع الرئيسي وقعت المجزرة البشعة.
في تلك اللحظة يقول محمد لمراسلنا: "أطلقت طائرات الاحتلال صواريخ ذات انفجارات كبيرة على مربع كامل في مخيم البريج ما أدى إلى تدمير العديد من العمارات السكنية المدنية فوق رؤوس الأطفال والنساء والرجال دون سابق إنذار".
فقد نجا محمد بأعجوبة من الصواريخ التي تسببت بدمار كبير أصاب المنطقة المجاورة لمنزله، إذ وصل محمد إلى مستشفى الأقصى مغبرًا بركام المنازل التي تدمرت وبعضًا من الدماء التي طُبعت على ملابسه نتيجة مساعدته في نقل الشهداء والجرحى.
مشهد محمد وهو ينزل من "التكتك" حاملًا طفلة صغيرة بين ذراعيه يؤكد من جديد على أن الاحتلال الإسرائيلي لا يعرف قوانين دولية أو إنسانية أو حقوقية مطلقًا، فهذا الاحتلال كما وصفه محمد والكثير من المصابين في مستشفى شهداء الأقصى بأنه جيش إرهابي مجرم لا يوقفه إلا البارود.