لا يمكن للإنسان العادي أن يستوعب حجم المأساة والكارثة التي أصابت أهالي قطاع غزة، ففي مشهد مؤلم يمزق القلب القاسية ويبكي الحجارة الصلبة، يجلس عبد الله محمود وسط ما تبقى من أجساد أبنائه وبناته وأبناء أشقائه الذين خطف الاحتلال الإسرائيلي أرواحهم دون سابق انذار.
ينام الأبناء مضرجون بدمائهم الزكية وسط ساحة مستشفى شهداء الأقصى وإلى جانبهم العشرات من الشهداء الذين ارتقوا في غارات إسرائيلية منذ ليلة وفجر اليوم الأحد (22 أكتوبر 2023)، وقد امتلأت المستشفى بأهالي الشهداء عن بكرة أبيها.
يُحيط عبد الله أبنائه وأبناء عائلته من الشهداء وهم (أسمهان – مشعل – أماني – جميل – عبد الرحمن – مشير..) ينظر إلى جثثهم بعينيه الدامعتين، إذ تتطاير الدموع يُمنة ويسرة بغزارة، وكانت صرخاته تعلوا شيئًا فشيئًا: "إيش ذنبهم هدول الأطفال حسبي الله ونعم الوكيل على كل الصامتين في العالم أجمع".
يحاول عبد الله محمود الوقوف على قدميه، فعندما شاهد ابنة أخيه تتنقل بين عشرات جثامين الشهداء صرخ عليها لتتعرف على جثمان مجهول، وصلت الفتاة بصعوبة وهي تتنقل بين الجثامين، كانت خائفة جدًا وجسدها يرتجف من هول المشهد التي تراه لأول مرة في حياتها.
"وينهم يا عمي، كلهم ماتوا، مين ضايل الي يا عمي"؟، لم يتحمل الصحفيون وأهالي الشهداء المشهد فكانت الدموع، ورجفة القلب، وحالة القهر والألم الشديد حكاية لعنوان موحد للجميع، يحاول عمها الإجابة على تساؤلاتها، فيكشف وجوه الشهداء مرة أخرى.
يردد عمها أسماء الشهداء ليُعرفها على جثامينهم وهي التي تعرفهم حق المعرفة "هذا هو عبد الرحمن وهذه أماني وهذا مشعل وهذه.." فما كان منه؛ إلا أن احتضن ابنة أخيه بشدة ليبعدها عن المشهد المؤلم جدًا، وهو يردد "الحمد لله الحمد لله على كل شيء".