ركض حازم بن سعيد بسرعة خارج المنزل وسط أكوام من الركام الذي يتساقط فوق رأسه، تحيط به ألسنة اللهب المشتعلة، تمكن من خطف طفله الصغير محمد وزوجته خارج المنزل، تعثر كثيرًا وأصيب بجروح متفاوتة، وعندما وصل خارج المنزل كان ينظر بعينين ثاقبتين يُمنة ويسرة في الحارة التي يسكن فيها؛ ليشاهد ما لم يتوقعه مطلقًا.
فمن هول المشهد المؤلم وضع حازم يده على رأسه؛ وبدأت الدموع تنهمر كالسيل الجارف، متسائلًا وهو بحالة يرثى لها فقد أصابته رجفة قوية: "أبي أمي أنس أسيل هاني... أين أنتم؟!"، فغبار الطوابق الأربعة التي تراصت فوق بعضها البعض حجبت الرؤية لدقائق معدودة، قبل أن تتضح الصورة الكاملة.
قصفٌ إسرائيلي مفاجئ، أدى إلى تدمير منزل والد الصحفي حازم بن سعيد المكون من 4 طوابق بجوار أبراج القسطل في دير البلح وسط قطاع غزة، منزل والده يبعد عن منزله الصغير نحو 50 مترًا تقريبًا، ففي تمام الساعة الثالثة مساءً من يوم السبت (19 أكتوبر 2023) بدأت فاجعة عائلة بن سعيد.
عاد حازم في ذاك اليوم من مستشفى شهداء الأقصى إلى منزله في منطقة أبراج القسطل، بعد أن شعر بالتعب أثناء تغطيته ومتابعته الصحفية المستمرة للحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر كأن عودته للمنزل رسالة من الله تعالى بأن يودع أطفاله الصغار وعائلته وشقيقه قبل أن ينالوا الشهادة العليا.
ما أن وصل حازم إلى البيت متعبًا ومرهقًا من العمل، حتى طلب نجله أنس بأدب وأخلاق عالية الإذن له بالذهاب إلى بيت جده لقضاء بعض الوقت معه إلى جانب شقيقته أسيل التي تستقر في بيت جدها لمساعدته ومساعدة عمتها.
ذهب أنس إلى بيت جده، بينما جلس حازم في الصالة يداعب طفله محمد، بينما كانت زوجته في مكان آخر من المنزل، وفجأة دون سابق إنذار دخلت ألسنة النيران المشتعلة عبر النوافذ، بينما غطت أعمدة الدخان الأسود المكان، والمفاجأة أن محمد قفز من أحضان والده لقوة الانفجار نحو الجدار المقابل له، ولولا قضاء الله وقدره لكانت الفاجعة أكبر بكثير مما انتهت به.
فورًا بحث حازم عن طفله وزوجته وسط الدخان وألسنة النيران فوجدهما بأمن وأمان، يقول لمراسل "شمس نيوز": "مشهد ألسنة النيران والدخان استمر لنحو دقيقة كاملة قبل أن يتم شفطه بشكل مفاجئ لشدة انفجار الصواريخ الذي استخدمته طائرات الاحتلال الإسرائيلي في استهداف عائلته".
وقف حازم أمام منزل والده مدهوشًا ومصابًا بالصدمة من هول المشهد؛ فالمنزل الذي كان شاهقًا بات رمادًا، كان يصرخ بأعلى صوته على عائلته وأطفاله دون جدوى، بدأ يزيل الركام بأنامله محاولًا إنقاذ عائلته وأطفاله الصغار.
وصل أفراد عائلته إلى المكان ليتفاجأوا بحجم الكارثة، يصرخ أحدهم "في هذا المكان -صالة المنزل- كان يجلس والدا حازم"، وفعلًا بعد نحو ربع ساعة تمكن الشبان من الوصول للوالدين الكبيرين بالسن أسفل ركام المنزل، فقد فارقت أرواحهما الحياة بفعل شظايا صواريخ الاحتلال التي فجرت الجماجم والوجوه بشكل لا يصدق.
وفي زاوية أخرى تحت ركام المنزل وجد حازم ابنته أسيل تحت حزام من الباطون الصلب وهي تقول بصوتها المليء بالألم والمعاناة: "يا رب يا رب"، لحظات قليلة قضتها أسيل في حضن والدها المكلوم، وعلى جانب آخر من الركام وجد حازم زوجة شقيقه هاني وقد نطقت الشهادتين قبل أن تفارق الحياة.
وحاول الجميع البحث عن هاني وعن أنس وهنا كانت المفاجأة، هاني تم العثور عليه عبارة عن أشلاء وبعيد عن المنزل نحو 50 مترًا، يقول حازم: "هاني هو الوحيد الذي تم العثور عليه عبارة عن أشلاء مقطعة"، مع إشارته إلى أن شقيقه تنبأ بطبيعة استشهاده قبل ساعات فقط.
أما طفله أنس الذي لم يتم العثور عليه لحظة الحادثة فقد تم استدعاء جرافات لإزالة الركام، ومع الغبار المتصاعد الذي أصاب العيون بالألم والأوجاع تمكن حازم من رؤية طفله الصغير يقول: "لقد وجدنا أنس وقد تفجرت جمجمته ووجهه بشكل كامل نتيجة الانفجار الكبير الذي خطف 7 أرواح من عائلتي "أمي وأبي وطفلتي أسيل وطفلي أنس، وأخي هاني وزوجته فيما بقي الطفل حسن تحت الأنقاض لم نتمكن من إخراجه أو العثور عليه".
نجا من الاستهداف الإسرائيلي الغادر 3 أطفال من أبناء أشقاء حازم بن سعيد وكان الأطفال قد أصيبوا بجروح وردود جراء سقوط الركام على أجسادهم.
بعد ساعات على الجريمة البشعة التي استهدفت عائلة الصحفي حازم بن سعيد ودفنهم في إحدى مقابر المنطقة الوسطى، عاد حازم إلى مستشفى شهداء الأقصى بين زملائه الصحفيين؛ ليواصل رسالته الإعلامية إذ يعتبرها واجب ديني وأخلاقي لفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال والنساء.
حاز حازم على اشادة عالية من زملائه الصحفيين لعودته للعمل رغم مصابه الجلل إذ يقول: "لن أترك جبهة الإعلام المقاوم في كشف وفضح جرائم الاحتلال عبر الإعلام المحلي والعربي والدولي وسنواصل المسيرة مهما كانت التضحيات".