قائمة الموقع

يولا فلاديمير.. روسية حاولت الفرح مع ابنتها لينا فدمرت "إسرائيل" أحلامهما: "كلهم راحوا؟"

2023-10-27T10:04:00+03:00
يولا فلاديمير وابنتها لينا
شمس نيوز - مطر الزق

لم تتوقع يولا فلاديمير حاملة الجنسية الروسية، بأن يتحول اهتمامها الدقيق بتزين بيتها وترتيبه بالطريقة التي تراها مناسبة لتعزيز ثقافة المحبة والسلام والهدوء وراحة البال، إلى كارثة وفاجعة مؤلمة بفعل غارات إسرائيلية حاقدة خطفت روحها المليئة بالحب والحنان.

تعشق يولا زراعة الورود في كل زوايا البيت وتحفظ أسمائها عن ظهر غيب، فيما تغضب عندما يقطف أحد الصغار زهرة أو يغفل أحدهم عن رشها بالماء؛ لكن ما جرى ظهر الاثنين (23 أكتوبر 2023) من استهداف إسرائيلي مفاجئ للعائلة أدى إلى قتل أحلام واهتمامات الروسية يولا بدون شفقة أو رحمة من الاحتلال الإسرائيلي.

يولا الروسية باتت فلسطينية

يولا فلاديمير نيكولا (48 عامًا) تحمل الجنسية الروسية، تزوجت من الدكتور سامي أبو معيلق قبل (30 عامًا) حينها أعلنت إسلامها عن قناعة تامة؛ لتعيش بين أهله وعشيرته في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة بأمن وأمان وسلام.

خلال (30 عامًا) كانت الحياة في فلسطين بالنسبة للسيدة يولا مليئة بالإثارة، والتشويق، والعمل على نشر المحبة والسلام بين أفراد العائلة والمجتمع المحيط بها، إذ كانت تعمل طبيبة بإحدى العيادات في دير البلح لتعالج المرضى نفسيًا قبل أن تعالج أوجاعهم.

فقد أنجبت يولا (3 أبناء) وهم "يوسف – ليزا متزوجة في هولندا– لينا"، وكانت تعشق ابنتها لينا (23 عامًا) والتي تم خطبتها قبل شهرين فقط، هنا كانت الصدمة واضحة على ملامح الدكتور سامي أبو معيلق، فقد ارتسم الألم والحزن على وجهه أثناء روايته لمراسل "شمس نيوز" تفاصيل الحكاية المؤلمة.

 

كُلهم راحوا

عندما اقترب مؤشر عقارب الساعة إلى الثانية (2:00) ظهر الاثنين كان الدكتور سامي أبو معيلق يعالج أحد مرضى الأسنان، في تلك اللحظات وقع انفجار ضخم قرب العيادة، وبعد دقائق معدودة قطع عمله اتصالٌ مفاجئ من البيت، توقيت الاتصال لم يتوقعه مطلقًا فقرر ترك المريض ليجيب بتوتر.

يداه ترتجفان وجسده يرتعش خوفًا من المتصل، رد الدكتور سامي على عجل ليجبه المتصل فورًا: "كلهم راحوا؟!"، هنا كانت الصدمة قوية جدًا، كرر الدكتور السؤال ليفهم الحدث؛ لكن الإجابة كانت واحدة: "كلهم راحوا؟!".

لم يتمكن "سامي" من الوقوف على قدميه؛ لكن الحدث المؤلم دفعه للركض مباشرة صوب مركبته، هنا أدار عجلات المركبة نحو الشرق متجهًا حيث المنزل، امتلأت عينياه بالغبار، وبدا المشهد غير مألوف، منازل سويت بالأرض، وألسنة النيران تشتعل من تحت الركام، وحشود كبيرة من الناس تحاول بكفيها إزالة الحجارة وإنقاذ أرواح تصرخ: "نحن هنا أحياء أنقذونا"، كأن الأرض قد ابتلعت أجسادهم الصغيرة.

لم يستوعب "أبو معيلق" الحدث المؤلم، وقف صامتًا مدهوشًا مرعوبًا فوق ركام منزله يصرخ: "يولا - لينا - يوسف"، عاد صدى صوته سريعًا دون إجابة؛ فالمشهد المؤلم ترك أبو معيلق دون إرادة لتنسكب الدموع على وجنتيه كالنهر الجارف.

من بعيد وصل صوت أحد أفراد عائلته إلى آذان أبو معيلق: "تم نقل يولا ولينا ويوسف وعدد آخر من أبناء العائلة للمستشفى، وهناك عدد آخر تحت الركام"، لم يتمكن من السيطرة على نفسه فقد قاده أحد أبناء العائلة لمستشفى شهداء الأقصى بسرعة عالية.

هناك كانت الصدمة المؤلمة التي تعرض لها أبو معيلق: "يولا ولينا استشهدتا أما يوسف فهو مصاب بجروح مختلفة"، ورغم الحدث الأليم؛ إلا أن لسانه كان يردد في كل لحظة: "الحمد لله الحمد لله الحمد لله".

ودع أبو معيلق زوجته الروسية يولا بقبلة على جبينها، فالدموع الساخنة سقطت من عينيه على جسدها الطاهر يقول لمراسل "شمس نيوز": "كان الوداع مؤلمًا جدًا ومحزنًا، فكيف ستصبح حياتي بعد (30 عامًا) من مسيرتي مع يولا المميزة بأخلاقها وحسن كلامها وأدبها".

أعلنت إسلامها عن قناعة تامة

تتميز يولا كما يقول زوجها المكلوم بكل معاني وصفات الأدب والاحترام والتقدير وتكره الحرب والعنف، "لم يشتكِ منها أحد منذ أن وطأت قدمها قطاع غزة، فقد كانت تحب الجميع وتحاول قدر المستطاع بأن تؤلف بين القلوب وتحل الإشكاليات التي تقع بين الأطفال أو حتى النساء والصبايا".

رغم أن يولا تحمل الجنسية الروسية؛ إلا أنها تتحدث اللغة العربية بطلاقة، يقول زوجها: "تقرأ القرآن وتصلي وتصوم وتزكي وتقوم بجميع الأعمال الخيرية التي عززها الدين الإسلامي فكانت مميزة جدًا بتعاملها مع الجميع".

فرحة الخطوبة لم تكتمل

قبل شهرين تقريبًا من استشهاد يولا فلاديمير كانت في غاية السعادة والفرحة التي قتلها الاحتلال، يُشير أبو معيلق إلى أن زوجته شعرت بالسعادة عندما تقدم أحد الشباب المخلصين المهذبين لخطبة لينا، فمثلها مثل جميع النساء تغيرت حياتها وبدت الفرحة تملأ البيت.

تخصصت لينا (23 عامًا) في دراسة كلية الصيدلة وحصلت على درجة الامتياز في جميع مراحل الدراسة، وقبل شهرين فقط تم خطبتها تقول لينا لوالدها لحظة إعلان خطوبتها: "الحمد لله وشكرا يا بابا وربنا يقدرني على اسعادك".

تلك الكلمات التي يتذكرها أبو معيلق والدموع تنفجر من عينيه، كانت صعبة جدًا وبالكاد أفصح عنها: "كانت الحبيبتين يولا ولينا تجوبان الأسواق للبحث عن ملابس الفرح والذهب وتبحثان عن صالة الأفراح المناسبة لهم ووضعتا جداول الفرح والأغاني الجميلة"؛ لكن أبو معيلق لم يتمكن من إكمال حديثه المؤلم إذ ابتلع بعضًا من المواقف المؤلمة.

فرحة يولا بخطبة ابنتها لينا، لم تكتمل فالاحتلال الإسرائيلي خطف فرحتها التي أعدت وخططت لها بكل حب وتفاني، يقول: "هذا هو ديدن الاحتلال لا يفرق مطلقًا بين امرأة أو طفل أو مقاوم أو شيخ أو حجر أو شجر فالجميع مستهدف لأن الاحتلال لا يملك أخلاق ولا يملك احترام للقوانين الإنسانية والدولية".

العائلة الروسية مفجوعة

حاول الدكتور سامي أن يبلغ عائلتها باستشهادها؛ لكن انقطاع التيار الكهربائي والانترنت في قطاع غزة لم يساعده مطلقًا وبعد يومين من الحادثة المفجعة تواصل مع عائلتها التي كانت تعلم بالخبر لحظة وقوعه عبر وسائل الإعلام الروسية.

فور الإعلان عن استشهاد يولا تواصل العديد من الشخصيات الفلسطينية والدبلوماسية مع الدكتور سامي أبرزهم سفير كازخستان في المملكة الأردنية، لأن زوجته تحمل الجنسية الروسية، إذ عبر الجميع عن تضامنه ووقوفه إلى جانبه إذ دان الجميع الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

وأوصل الدكتور رسالة يولا إلى سفير كازخستان إضافة إلى عائلتها وصديقاتها في روسيا بضرورة نشر قصة يولا واستشهادها بغارة إسرائيلية عنيفة جدًا خطفت أرواح نحو 18 شخصًا غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، يقول: "عسى أن تكون روح يولا بداية السلام في المنطقة وتساعد في وقف إطلاق النار وإعادة عجلة الحياة إلى قطاع غزة".

اخبار ذات صلة