قائمة الموقع

"طوفان الأقصى"... حين صارت الكلمة رصاصة

2023-10-27T12:49:00+03:00
y4Jk3.webp
شمس نيوز - متابعة

بقلم: هبة دهيني

في كلّ مرّة يُستهدف فيها صحافيٌّ يزداد فينا اليقين بأنّ العدوّ تخترقه رصاصةُ الكلمات، ومنظرُ الحقيقة وهي تتجلّى في صورة أمام عدوانه اللامحدود. منذ أول انتفاضة فلسطينية حتى اللحظة، الكلمة أصبحت بندقيّة والعدو الصهيوني يسعى لطمس صوتها. من غسان كنفاني الذي اغتيل في العصمة اللبنانية في 8 تموز/يوليو 1972 بانفجار عبوة ناسفة وضعت في سيارته، إلى اغتيال رسام الكاريكاتير ناجي العلي بلندن  في 29 آب/أغسطس 1987 فمات الجسد، لكن الأفكار حيّة تتسلل إلى عقولهم كل مساء، تؤجج إلى الذعر الذي بلاحقهم كلّما رأوا "حنظلة"، لا لشيء سوى لخوفهم من استدارة ظهره.

منذ بدء معركة "طوفان الأقصى"، الصحافيون صاروا خبرًا، بعد أن كانوا محرّريه. ففي مطلع اليوم الأول للمعركة، استشهد الصحافي محمد الصالحي -مصوّر وكالة "السلطة الرابعة"- والصحافي محمد جرغون -وكالة "سمارت ميديا"- والصحافي إبراهيم لافي -مؤسسة "عين ميديا" الإعلامية- والصحافي هيثم عبد الواحد الذي نُقل خبر استشهاده فيما بعد، بعد اختفائه ونضال الوحيدي الذي نشر خبر اعتقاله، وفي اليوم التالي استشهد الصحافي أسعد شملخ. وقتل الاحتلال فجر الأربعاء الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر أربعة صحافيين. إذ استشهد الصحافي سائد الحلبي من قناة الأقصى الفضائية، إثر استهداف منزله في جباليا، شمال قطاع غزة، كما استشهد زميله في القناة أحمد أبو مهادي. وفي وقت سابق استشهدت الصحافية المستقلة سلمى مخيمر وطفلها في قصف على مدينة رفح، أما ليل الأربعاء - الخميس، فقتل الاحتلال الصحافية دعاء شرف في قصف استهدف منزلها في الزوايدة، وسط القطاع.

أما في الضفة الغربية والقدس، فتبينت 10 حالات إطلاق نار، استشهد على إثرها الصحافيان يزن حمايل ووهاج بني مفلح. كما وتعرض كلٌّ من الصحافي مصعب شاور، الصحافي ساري جرادات، الصحافي موسى القواسمة، الصحافي وسام الهشلمون، المصوّر الصحافي مشهور الوحواح، الصحافي يسري الجمل، والصحافي حازم بدر لاعتداءات وإصابات. ولم يتوقف الأمر عند الاعتداءات فحسب، بل واعتقل الاحتلال "الاسرائيلي" 10 صحافيين، بينهم أسيران محرران. وسُجّل تشويش وعرقلة لبث العديد من القنوات التلفزيونية كقناة الأقصى وقناة الرابعة كذلك.

وعلى حدود الجبهة الشمالية من فلسطين المحتلة، المنطقة التي قال عنها ناجي العلي جملة تختصر كل ما في الحدود من أوهام: "بحب لبنان، خاصة الجنوب، لإنو الأقرب لفلسطين". واسى جنوبُ لبنان غزة منذ بدء الطلقة الأولى، ووصل عدّاد شهدائه إلى 42 شهيدًا حتى اللحظة، وفي كل مرة تسقط فيها قطرة دماء على أرض غزة، تُسقى أرض الجنوب بالمقاومة، فالبلاد واحدة، والحدود لم تجد شيئًا. وفي جنوب لبنان كذلك، صورة الصحافيين لم تتغير، فقد استهدف العدو "الاسرائيلي" صحفيين بصاروخ موجه نحو سيارتهم في الثالث عشر من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، مما أدى إلى استشهاد مصور وكالة رويترز عصام عبد الله وإصابة ثلاثة صحفيين آخرين. في الجنوب، خمسة جرحى بين صحفيين وصحفيات، هم/هنّ على التوالي: الصحافية كريستين مصطفى عاصي، مراسلة وكالة "فرانس برس"، المصور الصحافي الأميركي ديلن كولينز في الوكالة نفسها، الصحافية كارمن جوخدار والصحافي إيلي برخيا في قناة "الجزيرة"، والصحافيان العراقيان ثائر زهير كاظم وماهر نزيه عبد اللطيف، مراسلا "رويترز".

وتجدر الإشارة إلى أن مقدمة المادة 79 في مضمون تدابير حماية الصحافيين تقول: "يعدّ الصحافيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة 50." والمادة 50 تقول:"لا يجرد السكان المدنيون من صفتهم المدنية وجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين". والاحتلال الإسرائيلي لا يجيد فهم هذه التدابير.

أما وقد استشهد الصحافي "جمال الفقعاوي" يوم الأربعاء، بقصف الاحتلال منزله بخان يونس، فقد أعلنت نقابة الصحافيين الفلسطينيين عن وصول عدد الصحافيين الشهداء الذين قتلهم الاحتلال "الإسرائيلي" منذ بدء العدوان على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري إلى 23 شهيدًا.

"جمال الفقعاوي"، الصحافي الشهيد، والعامل السابق في "شبكة القدس فيد"، جمال صار الآن خبرًا، بعد أن كان مصمّمه، جمال، الشّابّ الطّموح الّذي رأى أمامه أنّ فلسطين قريبة جدًّا، قريبة بمقدار ثورة وكلمة.

كما ودانت النقابة استمرار استهداف الاحتلال للصحافيين وعائلاتهم، وجاء في بيان نشرته عبر صفحتها على "فيسبوك": "نتقدم بخالص التعازي من الزميلين وائل الدحدوح ومحمد الفرا باستشهاد أفراد من عائلتيهما جراء غارات متعمدة للاحتلال الصهيوني على المنازل السكنية في قطاع غزة، كما تحيي النقابة بطولة الزملاء في فلسطين، الذين يصرون على مواصلة العمل وأداء واجبهم المهني والوطني فى نقل الحقيقة تحت إرهاب صواريخ العدوان الصهيوني، وفي ظروف شديدة القسوة، بينما تستهدفهم هم وعائلاتهم ومنازلهم آلة حرب وحشية في واحدة من أبشع جرائم الحرب بحق الصحافيين وناقلي الحقيقة".

وبالحديث عن الصحفيين الأحياء، الذين تتأرجح أرواحهم ما بين نقل الخبر، ومحاولات النجاة. من "معتز عزايزة" الذي ينتظره 9 ملايين شخص لينقل الحقيقة المختبئة تحت رصاص المعتدين، معتز نشر في مقطع فيديو على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام": "عائلتي كلها تسكن هناك، الوضع صعب ولا أستطيع الوصول إليهم"، واصفًا صدمته لعجزه عن الوصول إلى دير البلح حيث تسكن عائلته، معتز الذي وجد عائلته تحت الأنقاض، وفي أكياس جثث. معتز الآن يروي لنا حكاية خوف العدو من صوته، إذ أغلق حسابه الأول الذي كان يحمل كل مشاهد المأساة في غزة بدون شوائب، وفي مقابلة لمعتز تحدث عن تهديد تعرض له عبر اتصال هاتفيّ من شخص مجهول يتحدث بلغة أجنبية، سأل المجهولُ معتزّ عن هُويّته، وقال أنه رأى الصور التي ينشرها في حسابه على "انستغرام"، طالبًا منه أن لا يصل إلى مناطق غزة الشمالية، وأن ينتقل من غزة إلى مكان آخر عبر مصر، مصرًّا عليه بوجود تصعيد مؤكد، بدون أن يذكر اسمه.

وفي الجانب نفسه، عوائل الصحفيين يُهدّدون ويُقصَفون بمجرد كونهم أهلًا لكلمة الحق، فقد قُتل عددٌ من أفراد عائلة الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح في قصف "إسرائيلي" على منطقة النصيرات بقطاع غزة، وهم: زوجته وابنه وإبنته، كما قتل 12 فردًا من عائلة المصور الصحافي خالد الدرة في القصف "الإسرائيلي" على قطاع غزة، ومن بينهم شقيق له وأختان. وقالت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، إن أهالي عشرات الصحفيين "قتلوا ثمناً لمهنة أبنائهم".

وأوضحت النقابة في بيانها أن "العشرات من أهالي الصحفيين الفلسطينيين، قتلوا بصواريخ طائرات الاحتلال "الإسرائيلية" التي تقصف قطاع غزة ورصدها نحو 20 منزلًا يقطنها صحفيون وعائلاتهم، وأن الهجمات على منازل الصحفيين وعائلاتهم أدت إلى استشهاد 12 شخصًا داخلها مع عائلاتهم، فيما أصيب البعض الآخر بإصابات دامية"، موضحة أن الهجمات "الإسرائيلية" طالت منازل صحفيين في مناطق بشمال ووسط قطاع غزة، واستهدف بعضها منازل تم إخلاؤها.

المشهد ميّتٌ بدون صوته الذي تنقله الصّحافة، من غزة إلى الضفة فجنوب لبنان، الصوت واحد والعدو واحد، وطريق شيرين أبو عاقلة لا يزال غنيًّا بالأصوات التي اغتيلت، والصور التي اعتُقلت من احتلال صهيونيّ جبان، والعوائل المهدّدة بالموت. فليعرفوا أنّ في فلسطينَ شعبٌ مهما قُتل، لا يموت، ومهما حاولوا إسكات صوته فإنّ الحقيقة أقوى من أوهام حدودهم، وأن بلفور وأوسلو وسايكس-بيكو حبرٌ لا يعني وجه بلاد الشّام الذي لم ولن يتغير، وأنّ يد كلّ صحافيّ في غزة، اليد التي حملوا فيها الحقيقة، من أول شهيد وصولًا لـ"جمال الفقعاوي"، ستتشكل يومًا، لتصبح كفًّا كبيرةً واحدة، يصفعون بها خدّ كلّ محتلّ. هم يخافون من الكلمة ولهذا نكتب، هم يرتجفون من صوت المقاومة ولذلك نحمل في كلماتنا قذائف شرارتها أسماء شهدائنا، والإصرار المتمثّل بشارة نصر تحت ركام.

 

فيا صحافيينا المجاهدين، يا أصوات الحقيقة، أنتم فكرة، والفكرة لا تموت، وأنتم الوقف الذي سيعبّد لنا الطّريق نحو النصر الكبير، النصر الذي تمنيتم أن تكونوا من الذين ينقلونه بخبر عاجل: "خرج آخر جنديّ صهيونيّ من أرضنا، وفلسطين هذه لنا من بحرها إلى نهرها"، لن تنقلوه مباشرةً لكنكم فعلتم، نقلتم مشاهد "طوفان الأقصى"، ونقلُ صوت "الطوفان" يعني نقلَ صوت "المقاومة"، ونقلُ صوت "المقاومة" يعني نقلَ صوت "الحقّ"، ونقلُ صوت "الحقّ" يعني نقلَ صوت "فلسطين".

 

 

اخبار ذات صلة