هبة دهيني
في كلّ مرّة تخوض فيها المقاومة الفلسطينيّة حربًا مع العدوّ الصهيوني، تقف الدول -غربيّةً كانت أم عربيّة- لتُختَبر إنسانيَّتُها، فتلك تدين وهذه تندّد، وأخرى تدعم "حقوق الرّد". وقد تجعل دول كثيرة علاقاتها طبيعيّةً مع العدو "الإسرائيليّ"، تحت مسمّى "السّلام" والاتفاقيّات الوهميّة، فترتفع بذلك أصوات الشعوب معارضةً ومنادية "لماذا الفُرقة الحمقاء تحكمنا؟"، مشددين بذلك على عدم تمثيل رؤساء دولهم لأصواتهم كشعوب، ومؤكدين على أن لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة.
في الجانب الغربيّ، أغلق محتجون، شركة "إلبيت سيستمز" في ولاية بوسطن الأمريكية، التي تعتبر أكبر شركة "إسرائيلية" للأسلحة المتطوّرة، فيما اعتقلت الشرطة عددا من المتظاهرين ضد سياسات الاحتلال الصهيوني والعدوان المستمر على غزة، ودعا المتظاهرون إلى إغلاق الشركة، فيما انتقد آخرون ضباط الشرطة الأمريكية التي حاولت تفريق المحتجين. كما ورصد مقطع الفيديو اعتقال الشرطة الأمريكية لمتظاهر أمام مقر الشركة "الإسرائيلية". هذا الموقف أعاد إشعال الساحة الأميركية الشعبية المنددة بوحشيّة الاحتلال على قطاع غزة منذ بدء "الطّوفان" وحتّى اللحظة. وقد تبين أنّ أكثر من نصف الناخبين الأميركيين الشباب يرفضون إدارة بايدن وسياسته الداعمة لسفك الدم الفلسطينيّ عبر صديقته "إسرائيل".
أما في الجانب العربيّ، فالصورة الآن تبدو واضحةً أكثر من أيّ وقت مضى، استجداءُ التّعاطف "العربيّ" من القريبين جغرافيًّا، البعيدين "ضميريًّا"، انتهى. الكلّ يعرف ويرى الحقائق تُزوّر أمام أعيننا كلّ ثوانٍ، منهم من يرى ولا يريد أن يفعل، -لا سمح الله- أن يفعل، ومنهم من رأى وها هو الآن يصرخ "إذا غزّة تشكونا فكلّ بلادنا فلسطين"، بعدما صرخنا يومًا "إذا صنعاءُ تشكونا فكلّ بلادنا يمنُ". كلّ الاستجداء اليوم لن يغيّر المشهد في جباليا وهي تُهدّم فوق رؤوس سكّانها، ولن يُسكت صوتٌ تدمير المستشفيات واحدةً تلو أخرى.. الفكرة بسيطة وجلية: "محور فلسطين بمواجهة محور الولايات المتحدة الأميركية"، اختر مكانك، وشدد على جمر موقفك، إنها تمطر فتنًا.
في بوسطن أغلق المحتجون شركة أسلحة "إسرائيلية"، فمتى يتّجه المحتجون العرب والمسلمون لإغلاق أوكار الكيان وشركائه في الدول المطبعة والسائرة على درب التطبيع الخياني؟ بخاصة بعدما أيقن الشّعب العربيّ أنَّ الكثير ممّن يحكمونه، ليسوا سوى خدّاماً للإمبريالية الصهيو-أميركية؟..
وفي أجواء "ليالي الرّياض" الآن، تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المهرجان سبق وتوقّف في عام 2020 بسبب "جائحة كورونا"، ولكنه لم يتوقف الآن بسبب جائحة "إسرائيل". الوباء ينتشر، والتخلص منه واجب، من يقنع الرّياض بذلك؟
أمام كلّ ما في العالم من تخاذل، هناك مقاومة عربية إسلامية حقيقيّة تناضل من أجل حقّ الشّعب الفلسطيني في أرضه كلّها من بحرها إلى نهرها، مقاومةٌ تعرف أهدافها جيّدًا، وتحدّد صديقها الذي يسلك معها درب التحرير، وعدوّها الذي يعد أيامه الأخيرة، إنها حبل النجاة الذي يتمسّكُ به الفلسطينيّ الغزاويّ اليوم في نضاله اليوميّ المستمرّ.
في الشّارع العربيّ، نشرت حركة الاستعمار مخدّر الجوع والحصار، فصار المواطن يفكّر في قوت يومه ويرفض أن يطعمه السلاح خبز كرامة عيشه، هذه سياسة التجويع الممنهجة، لإشعال فتائل الفتنة في الدول العربية، وتفتيت الشعوب والقضية الفلسطينية المركزية، وطمس الثقافة العربية التي تزيد الحدود الوهميّة بين كلّ دولة وأخرى.
الكثير من شعوب العالم اليوم، عربيّة كانت أم غربيّة، تتضامن مع القضية الفلسطينية، ولم تعد قضية فلسطين غائبة عن وعي الشعوب، فحصار غزة وكل ما يجري من حروب متواصلة، والصحافيون الفلسطينيون الغزاويون الذين يطاردهم الاحتلال خوفًا من كلماتهم، كل هذا جعل الصورة أوضح لكل من يحمل في يده شاشةً إلكترونيّة، هذا تضامنٌ شعبيٌّ ومجتمعيٌّ مع القضية الفلسطينية، لكنّ المواقف الرسمية من الدول المتخاذلة مخزية، "مستعمر الأمس لن يقتنع أنّ مستعمر اليوم على خطأ"، فما الذي يمكن أن نتوقعه من دول مُستعمِرة؟
وتجدر الإشارة إلى أنه ومن جانب آخر، هناك محورٌ يدور حول فلسطين كمركزية عظمى، من لبنان إلى سورية واليمن وصولًا للعراق وإيران، يدرك جيّدًا أنّنا في معركةٍ ضارية، وأن طريق الحق واحدٌ يعرفه الكفاح والنضال في كل شبر من بلادنا، وأنّ من ينصر الحق ينصر فلسطين، ومن ينصر فلسطين ينصر نفسه. العالم كله يعرف الآن أنه لا يستطيع أن يدعم تحرير فلسطين بدون دعم "من سيحرر فلسطين"، المجد للمقاومة وأهلها، ولكل دمٍ شهيد يسقط على كل شبر من البلاد، من الآن، وحتى تحرير آخر شبر منها.