راغدة عسيران
بعد بدء معركة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023 وعملية العبور الى داخل الأراضي المحتلة عام 1948 وأسر بضعة مئات من جنود وضباط من جيش العدو الصهيوني، لاستبدالهم بالأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون العدو، توالت تصريحات عدة مسؤولين مما يسمى المجتمع الدولي (دول ومنظمات) تطالب بـ"إطلاق سراح الرهائن" الصهاينة، دون الأخذ بعين الاعتبار أسباب خطف هؤلاء القتلة من جيش العدو.
عدا بعض الأرقام التي توردها مؤسسات دولية معنية بحقوق الانسان، لا يعرف أو لا يريد أن يعرف المجتمع الدولي كيف يتصرّف العدو الصهيوني مع الأسرى الفلسطينيين في سجونه وكيف يعدمهم ويمارس التعذيب والإذلال والتجويع والقمع المتوحش بحقهم. الأسرى الفلسطينيون في سجون العدو هم فقط أرقام بنظر المجتمع الدولي المتواطئ مع العدو، ولذلك، ورغم ارتفاع هذا الرقم منذ سنوات، وقبل عملية العبور البطولية، فهم لا يشكلون مادة تستحق التوقف عندها والمطالبة بتحريرهم، أو على الأقل بتخفيض مستوى التوحش إزاءهم.
قبل يوم 7 أكتوبر المجيد، كان يقبع ما يقارب 5200 أسير فلسطيني وبعضهم من الجنسية الأردنية، موزعين على 24 سجنا ومركز توقيف وتحقيق، إضافة الى 1300 معتقل إداري. أما اليوم، وبعد شهر من العدوان الهمجي الصهيوني على الشعب الفلسطيني، حيث تخطف القوات الصهيونية يوميا العشرات من أبناء الضفة الغربية بما فيها القدس، من بيوتهم وعلى حواجزها، فارتفع عدد المعتقلين الفلسطينيين الى ما يقارب العشرة آلاف. هل يعني هذا الرقم شيئا للمجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية؟
اعتبر المجتمع الدولي وجميع مؤسساته أن الجنود والضباط الصهاينة المأسورين من قبل المقاومة الفلسطينية، هم "رهائن"، يجب تحريرهم بقوة السلاح والمجازر وحرب إبادة، شنها العدو الصهيوني، بمباركة ومساعدة الدول الغربية، أولها الولايات المتحدة الأميركية، وبتوطؤ أعمى من قبل مؤسسات الأمم المتحدة. ندّد كل هؤلاء بعملية الخطف التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، لكنهم لم ينددوا بأي عملية خطف كانت تنفذها يوميا قوات العدو الصهيوني في أنحاء الضفة الغربية والقدس المحتلتين، بحق المواطنين الفلسطينيين، ولم يصفوهم بـ"الرهائن" ولم يطالبوا بتحريرهم، علما أن المخطوفين يوميا في فلسطين المحتلة هم مدنيين بأغلبيتهم وتم اختطافهم من بيوتهم وأمام عوائلهم بحجة أنهم معادون للاحتلال، في حين أن من اختطف يوم 7 أكتوبر المجيد من ثكناتهم ومعاقلهم القتالية ومن داخل دباباتهم هم أفراد من القوات المسلحة الصهيونية، أي أنهم قتلة يمارسون مهنة قتل الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
فالمدنيون الفلسطينيون الذين يتم اختطافهم من بيوتهم يوميا يتم اعتبارهم "معتقلين إداريين"، ولكن ماذا عن الأسرى الذين تم اختطافهم من قبل الموساد الصهيوني في دول أوروبية وعربية (الأسير ضرار أبو سيسي المختطف في 2011 من أوكرانيا مثلا). لماذا لا يتحدث المجتمع الدولي عنهم ولا يدين اختطافهم؟ ولماذا لم يطالب المجتمع الدولي الإفراج عن الأسير جورج إبراهيم عبد الله، المسجون في فرنسا رغم انتهاء مدة محكوميته منذ أكثر من عشرة أعوام، والذي أصبح رهينة بيد السلطات الفرنسية بأمر من الولايات المتحدة؟
لم يكترث المجتمع الدولي بالأسرى الفلسطينيين عموما، ولم يبال بسياسة القمع الوحشية التي مارسها السجان الصهيوني في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد عملية "نفق الحرية" البطولية التي نفذها 6 أسرى من منطقة جنين، يوم 6 أيلول/سبتمبر 2021. إضافة الى القوانين الوحشية التي أقرها الصهاينة في برلمانهم الاستعماري (الكنيست) ضد الأسرى، والأوامر الصادرة عن وزيرهم الإرهابي إيتمار بن غفير، الذي طالب السجان بتصعيد القمع ضد الأسرى، شنّت إدارة السجون الصهيونية حملة إرهابية مسعورة ضد الأسرى العزّل، الذين لا يملكون أي سلاح للدفاع عن أنفسهم، إلا إرادة الصمود وما يمكن تدبيره من أدوات لطعن
صهيوني أو حرق غرفة. كل ذلك لم يهزّ أي مسؤول أممي يطالب اليوم بـ"تحرير الرهائن" الصهاينة القتلة.
وفقا لإحصائيات شهر أيلول/سبتمبر 2023، يقبع الآلاف (5200) من الاسرى في السجون الصهيونية، ومن بينهم النساء (36) والأطفال (160)، أضافة الى 1300 معتقل إداري، أي مخطوف دون أي سبب إلا خوف الصهاينة من الشعب الفلسطيني كونه الشعب الأصيل على هذه الأرض وهم الغزاة. كما يقبع في هذه السجون 700 أسير مريض، ومنهم يعانون من أمراض مزمنة، لا يريد العدو الإفراج عنهم، وإن استشهدوا كما استشهد الكثير منهم، لا يفرج عن جثامينهم (خطف العدو جثامين 11 أسيرا)، والكيان الصهيوني هو الكيان الوحيد في العالم الذي يخطف جثامين الشهداء، الأسرى أو غيرهم، للانتقام من الشعب الفلسطيني وعوائلهم، بسبب الحقد والكراهية والعنصرية التي يحملها ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
لم تعمل مؤسسات الأمم المتحدة المتعددة، ولا الدول الغربية التي اعتبرت نفسها وصية على العالم ومستقبله، من أجل الإفراج عن الأسرى، ولا عن المرضى منهم، ولم تسمع آهات الأسرى المضربين عن الطعام طلبا لحريتهم، ولم تر استشهاد الأسير الشيخ خضر عدنان في زنزانة لا تصلح للبشر، ولم تضغط على العدو من أجل الحفاظ على بعض لمسات الحياة الكريمة للأسرى في سجون بني صهيون.
لقد أقفلت سماعاتها أمام صرخات الطفلة ميلاد التي تطالب بحرية أبيها وليد دقة، الأسير المريض الذي أمضى أكثر من 30 عاما في سجون العدو، والذي أنهى محكوميته، والذي يستمر اعتقاله حتى الآن بسبب الحقد الصهيوني والانتقام منه، لأنه انتصر بإرادته على العدو بتأليف كتب وروايات وبإنجاب طفلته من نطفة محررة. لم تنظر المؤسسات الدولية التي تعتبر نفسها مسؤولة عن مصير العالم، الى الأسير أحمد مناصرة، الذي اعتقل طفلا وعُذِب في التحقيق وأصبح شابا يعاني من أمراض كثيرة بسبب العزل المفروض عليه في السجون منذ نحو 7 سنوات. رفضت سلطات العدو النظر بطلب الإفراج عنه مرارا.
أين المجتمع الدولي من قضية الأسرى الفلسطينيين ومن عذاباتهم المستمرة؟ هل سينتظر الأسرى، ومنهم (573 أسيرا) من حكم عليهم بالسجن المؤبد، ومنهم (450 أسيرا) من يقبع في السجن منذ أكثر من 20 عاما، أن تولي هذه المؤسسات بعض الاهتمام بهم وان تطالب العدو بالكف عن ممارساته السادية أو أن تطالب بحريتهم؟
يدرك الأسرى، بعد التجربة الطويلة للحركة الأسيرة، أن حريتهم لا تتم إلا من خلال عمليات الهروب التي ينفذونها والتي تتطلب منهم جرأة وإرادة وصبراً، أو من خلال عمليات التبادل بين الأسرى الصهاينة والأسرى الفلسطينيين. ورغم النداءات المتكررة والإضرابات الجماعية والفردية التي خاضها الأسرى في الفترة الأخيرة، لم يسمع صداها المجتمع الدولي لأنه قرّر مسبقا عدم الالتفات اليها، واعتبر أن الأسرى الفلسطينيين هم عبارة عن أفراد لا ينتمون الى حركة متماسكة (الحركة الأسيرة) وشعب مجاهد ومقاومة شرسة لن تتخلى عنهم.
فكانت عملية العبور المجيدة يوم 7 أكتوبر التي تم خلالها اختطاف العشرات من الجنود والضباط الصهاينة ليتم تبادلهم مع الأسرى الفلسطينيين، المرضى والمحكومين بالمؤبدات والقيادات السياسية والعسكرية، والنساء والأطفال، والمخطوفين من بيوتهم وجثامين الشهداء المخطوفين.
قد يعود الأسرى الصهاينة أشلاء بسبب القصف الهمجي على قطاع غزة، فليتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، ولتتحمل كل المؤسسات الدولية التي تطالب اليوم بالإفراج عن "الرهائن الإسرائيليين" مسؤولياتها عن تعاميها وصد آذانها وعدم مبالاتها لعذابات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم. الأسرى الفلسطينيون ليسوا أرقاما، بل مقاومون ومجاهدون ضحوا بشبابهم من أجل حرية وكرامة شعبهم. لن تتركهم المقاومة بين أنياب الوحوش.
لذلك، فإن عملية خطف الصهانية لاستبدالهم بالأسرى الفلسطينيين، هي عملية شرعية بكل المقاييس، الوطنية والإنسانية والأخلاقية.
إن كانت القوانين الدولية المعمول بها اليوم تعتبرها غير شرعية، فيجب تغيير هذه القوانين التي سنّتها الدول الامبريالية أو تحت رقابتها وإملاءاتها، أو إلقائها جانبا، لأنها تقف عائقاً أمام إرادة الشعوب الحرة المتمسكة بكرامتها.