شمس نيوز/ عبدالله عبيد
"دخل السجن عام 2003 بصحة جيدة، وبعد عدة شهور بدأت الأمراض تفتك بجسده رويدا رويدا، إلى أن تفشى السرطان مؤخراً في كافة أنحاء جسمه النحيل"، هكذا وصفت الحاجة أم ياسر المصري (67 عاماً)، حالة ابنها يسري الذي ما زال يقبع خلف قضبان السجون الإسرائيلية.
وبيّنت الحاجة المصري لمراسل "شمس نيوز" أن الوضع الصحي لابنها يسري في تراجع مستمر، وأن مصلحة إدارة السجون تتعمد إعطاء الأسرى أدوية وحقن مجهولة، لافتة إلى أن أطباء السجون حقنوا ابنها "يسري" عدة مرات بحقن مكشوفة أصابته بتشنجات في جهازه العصبي.
ولم تتحمل تلك الأم المكلومة الحديث كثيراً عن فلذة كبدها الذي رأته آخر مرة قبل ثلاثة شهور، بعد أن سمح لها جنود الاحتلال بزيارته، وتفاجأت بأنه في عداد الأموات، فجسده ازداد ضعفا، وعيونه لا ترى إلا لمسافة قليلة، ولسانه لا يقوى على الكلام، بحسب وصفها.
والأسير المصري من سكان المنطقة الوسطى بقطاع غزة ومحكوم بالسجن20 عاما، أمضى منها 11 عاما، ويعاني من مرض السرطان في الغدد الدرقية واللمفاوية ويتعرض للموت البطيء في سجون الاحتلال.
وحسب إحصائيات للأسرى المصابين بمرض السرطان داخل سجون الاحتلال "الإسرائيلي" فإن عددهم بلغ 24 أسيرًا، أخطرها " معتصم رداد، يسري المصري، عامر بحر، مراد أبو معيلق، حازم مقداد، كايد حسن هارون، علاء الهمص، فواز بعارة، نبيل النتشة، كمال نجيب أبو عمر".
رحلة صراع مريرة
داخل سجون الاحتلال لقي بعض الأسرى مصرعهم بسبب سياسة الإهمال الطبي، والإصابة بمرض السرطان الذي يفتك بحياتهم واحداً تلو الأخر، ومنهم الأسرى ميسرة أبو حمدية وحسن الترابي ورائد الجعبري وجعفر عوض وأخيراً كمال شلاميش.
ولكل من هؤلاء الذين تم ذكرهم حكاية طويلة داخل السجن، وصراع مرير مع المرض، كحكاية الشهيد جعفر عوض الذي تنقل قسرا من سجن إلى آخر، ومن مستشفى إلى عيادة ومن مرض إلى مرض، بحسب والده.
ويوضح أبو جعفر لـ"شمس نيوز" أن آخر أيامه كانت داخل المستشفى في رحلة صراع مريرة مع الموت الذي رافقه في كل لحظة بُعيد اعتقاله في سجون الاحتلال، جراء الإهمال الطبي المتعمد بحقه، وإصابته بمرض نادر وخطير بعد حقنه بحقنة سامة في رقبته من قبل ضابط وليس طبيب في عيادة سجن الرملة.
آهات الوجع طوّقت الحديث بعد هذه الجملة، ليكمل عوض حديثه بالقول: دخل جعفر السجن ولم يكن يعاني أو يشتكي من أي مرض، ولكن تدهورت حالته الصحية داخل السجون"، لافتاً إلى أنه أصيب بمرض السكري ومشاكل في العيون والغدة الدرقية، والتهاب رئوي.
وأشار إلى أن التقرير الخاص بابنه الشهيد لم يظهر حتى الآن ليوضح المرض الذي توفى بسببه، مبيّناً أن جهات كثيرة تماطل في إخراج التقرير ومن بينها السلطة الفلسطينية.
"شمس نيوز" حاولت الوصول إلى الطبيب الذي يتابع التقارير الخاصة بالشهيد عوض، لكنه رفض الحديث عن هذا الموضوع، كونه يعمل في مستشفى "هداسا" الإسرائيلية، إلا أنه شدد على أنه استشهد بسبب تقصير طبي متعمد من قبل مصلحة إدارة السجون.
وتنتهج مصلحة إدارة السجون سياسة "خبيثة" تجاه الأسرى والمعتقلين، من بينها الإهمال الطبي وإعطائهم أدوية تضاعف خطورة حالاتهم الصحية أكثر، وهي سياسة اعتمدتها مؤخراً بشكل كبير، وأدت إلى مقتل العديد من الأسرى.
واستشهد يوم السبت الماضي الأسير المحرر كمال شلاميش، (36سنة) من بلدة برقين قضاء جنين، بسبب سياسة الإهمال الطبي التي مورست بحقه داخل سجون الاحتلال.
موت بطيء
وفي تقرير صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، أفاد أن سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى أصبح الأكثر قلقاً وخطورة والذي يهدد حياة المئات من الأسرى المرضى في السجون، وأن الموت البطيء بدأ يزحف في أجساد الأسرى والمصابين بأنواع مختلفة من الأمراض بما في ذلك الأمراض الخبيثة والخطيرة.
وبين التقرير أن الأسرى المرضى في سجون الاحتلال والبالغ عددهم ما يقارب 1700 حالة مرضية منها 85 حالة من المصابين بأمراض خطيرة، كالسرطان والإعاقة والشلل والفشل الكلوي والرئة والقلب وأمراض العظم، ومنهم الجرحى والمصابين، وذوي الحالات النفسية والعصبية.
وكشف تقرير الهيئة أن 18 أسيراً يقبعون في مستشفى الرملة منهم 10 معاقين ومشلولين، وأن هذه الحالات خطيرة وحياتها مهددة بالموت كحالة الأسير منصور موقدة ومعتصم رداد وخالد الشاويش وصلاح الطيطي، ويوسف نواجعة ورياض العمور ومحمد براش ومعتز عبيدو ومراد أبو معليق وعلاء الهمص وخضر ضبايا ومراد سعد واشرف أبو الهدى وفؤاد الشوبكي وعثمان يونس وفواز بعارة وماهر الهشلمون وغيرهم من الحالات المرضية الصعبة.
وقال التقرير: إن أطباء إدارة السجون يتصرفون كسجانين وليس كأطباء، وان هناك مماطلة طويلة في إجراء الفحوصات أو العمليات الجراحية، وان اغلب الأسرى المرضى يعالجون بالمسكنات، لافتاً إلى أن مستشفى الرملة يفتقد للحد الأدنى من المقومات الصحية وليس أكثر من قبر معزول لا يصلح لان يكون مستشفى.
هذا الأمر أكده عيسى قراقع، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، مبيّناً أن إسرائيل أعطت أسرى أدوية تدعي بأنها عن طريق الخطأ نتيجة عدم تشخيص المرض بشكل جيد، وعدم إجراء العلاجات اللازمة الصحيحة.
قراقع، لفت لـ"شمس نيوز"، أن هذه السياسة أدت إلى مضاعفات صحية على المعتقلين وبعضهم توفي، موضحاً أن هذا مؤشر على أن الاهتمام بصحة الأسرى المرضى من قبل أطباء وإدارة السجون يشوبها الاستهتار واللامبالاة.
لا توجد متابعة
واتفق فؤاد الخفش، وهو أسير محرر ومختص بشؤون الأسرى، مع قراقع أنه في الآونة الأخيرة تم تسجيل حالات لأسرى محررين خرجوا بمجموعة من الأمراض حملوها من داخل السجون، بسبب الإهمال الطبي أو من خلال إعطائهم أدوية أو تشخيصهم بطريقة خاطئة ومتعمدة.
وبيّن الخفش في حديثه لـ"شمس نيوز"، أنه لا يوجد متابعة للأسرى المحررين بعد الإفراج عنهم، كتشخيصهم والاطمئنان على حالاتهم الصحية، مطالباً وزارة الصحة الفلسطينية بإجراء فحوصات طبية لكل أسير محرر يخرج من سجون الاحتلال لمعرفة وضعه الصحي بشكل دقيق وحثيث.
إلا أن الناطقة باسم الصليب الأحمر، سهير زقوت شددت على أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تولي اهتماماً كبيراً لموضوع الأسرى المرضى، موضحة أن اللجنة تقوم بزيارة الأسرى داخل السجون برفقة طبيب خاص.
وأشارت زقوت لـ"شمس نيوز" إلى أن أي أسير يشتكي من مرض، أو قصور أو نقص في الأدوية أو مشكلة صحية، يستطيع طرح مشكلته على طبيب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مضيفة: وطبيب الصليب الأحمر يرفع توصيات لطبيب إدارة السجون ومن ثم تتابع اللجنة هذا الملف مع السلطات الإسرائيلية في حواراتها المستمرة والدائمة، غير المعلنة".
وبيّنت أن علاقتهم فقط بالأسير تكون داخل السجون، أما في حال الإفراج عنه فلا دخل للصليب الأحمر به، كونه دخل الأراضي الفلسطينية، بحسب وصفها.
أهم الانتهاكات
ومن خلال تعمقنا أكثر في هذا الموضوع، بحثنا في دراسة عن أهم الانتهاكات بحق الأسرى المرضى، والتي تكمن في " الإهمال والمماطلة في العلاج والتي تمتد لسنوات طويلة مما يفاقم الأمراض في أجسام المعتقلين، المساومة والابتزاز للأسرى المرضى مقابل العلاج، عدم توفير أطباء مختصين لعلاج المرضى، افتقار عيادات السجون إلى وجود أطباء مناوبين ليلاً لعلاج الحالات الطارئة، أخطاء طبية بإعطاء الأسرى علاج غير مناسب أدى إلى مضاعفات صحية، عدم توفير الأجهزة الطبية المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، نقل المرضى في سيارة البوسطة بدل الإسعاف وهم مكبلون ويتم الاعتداء عليهم من قبل قوات النحشون المشرفة على نقل الأسرى، ظروف الاعتقال سيئة، الاكتظاظ، قلة التهوية، الاعتداء على الأسرى بالغازات السامة، انتشار الرطوبة، استخدام العنف وغير ذلك تزيد من تدهور الأوضاع الصحية للمرضى".
موت بطيء
هذه السياسة وصفها رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين بـ"المميتة" حيث اعتبرها موتا بطيئا يمارس بحق الأسرى، "فعندما لا يتم إعطاء الأسير العلاج اللازم والفحوصات المطلوبة، تتفاقم الأمراض في جسده"، مشيراً إلى أن هناك محررين عاشوا شهوراً عديدة، واستشهدوا بسبب إصابتهم بأمراض صعبة وخطيرة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وعن دور هيئته بهذا الشأن، ذكر قراقع أنها قدمت تقريرا عن الوضع الصحي لهيئة الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي والبرلمان الأوروبي، و"اتهمنا إسرائيل بأنها لا تحترم ولا تلتزم بالمعاهدات الإنسانية والدولية في الاعتناء بالأسرى المرضى".
وأضاف: وكشفنا أن الحالات المرضية تتصاعد وتزداد في السجون يوماً بعد يوم، وهذا يعني أن السجون تحولت إلى وباء، وأن إسرائيل لا تقوم بمسؤولياتها كدولة محتلة تجاه حقوق المعتقلين من الناحية الصحية".
تستصرخ العلاج
ومن خلال متابعته الميدانية وزياراته لسجون الاحتلال، كونه محام لنادي الأسير الفلسطيني، كشف "جواد بولس" أن هناك حالات مرضية تستصرخ العلاج ولا يقدم لها، منوهاً إلى أن هناك حالات مرضية غير قادرة إدارة السجن على علاجها، وأبقوها داخل السجن إلى أن شارفت هذه النفوس على الاستشهاد كأشرف أبو ذريع ويسري المصري وآخرين.
وأوضح بولس في حديثه لـ"شمس نيوز"، أن هناك أسرى تفاقمت أوضاعهم الصحية، ولو عولجت في وقتها لما وصلت لهذه الدرجة من الخطورة، مبينا أن العلاج لا يعطى للأسير أحيانا لقصور وتسويف متعمد في محاولة لتفادي علاجات تكلف أموالا.
وأضاف: بعض الأسرى يقبعون في السجون بأوضاع إنسانية غير معقولة، ولا يمكن لمصلحة السجون الإسرائيلية أن توفر لهم فضاء من الحياة الشريفة الإنسانية"، لافتاً إلى أن هناك أسرى يعيشون على كراسي متحركة طوال الوقت ومنهم ناهض الأقرع وخالد الشاويش وآخرون.
وفي آخر إحصائيات وزارة الأسرى والمحررين نهاية شهر شباط 2014، وصل عدد الأسرى داخل السجون إلى 5000 أسير يعانون أسوأ أنواع التعذيب النفسي والجسدي، مما يؤدي لإضعاف أجساد الكثيرين منهم. ومن هذه الأساليب: الحرمان من الرعاية الطبية الحقيقية، والمماطلة في تقديم العلاج للأسرى المرضى والمصابين -والذين وصل عددهم إلى 1400 أسير مريض.
ومنذ بداية عام 2014 حتى منتصف شهر شباط من نفس العام وصل عدد الأسرى المرضى إلى 44 حالة يعانون من أمراض خطيرة وبعضهم يتلقى العلاج والبعض يعانى من الإهمال الطبي وقصور في تقديم العلاج المناسب.
ووصل الحال بإدارة السجون إلى مطالبة بعض الأسرى بدفع تكاليف علاجهم.
ويعاني الأسرى في السجون من أمراض مختلفة مثل السرطان وحالات نفسيه وعصبيه وفقدان البصر والسمع ومرض السكر والجلطات والسل والحصى ومرض الكبد الوبائي وفي أغلب الأحيان لا يعطى الأسير إلا المسكنات مما أدى إلى تفاقم الحالات المرضية عند الأسرى.