عذراً وألف عذر يا غزة… حمَلتِنا بدمك إلى عرش كرامتنا.. أنقذتِنا من وبال عارنا، من موتنا ومن ضياعنا… لكننا خذلناك .
غزة، عذراً على تقصيرنا.. عذراً على خوائنا، على بلاهتنا، على ضعفنا، لأننا لم نستطع صدّ صاروخ أو قنبلة عن جسدك، عن جبينك وعن جدائل أبنتيك.
لم نستطع يا عروس شطآننا، أن نطفيء نارك… أن نداوي جراحك.. أن نحمل رشفة ماء تروي بها عطشك.
عذراً غزة.. كنا وما زلنا نياماً… كنا وما زلنا أشباحاً تائهة في صحراء القحط… كنا وما زلنا أقزاماً تحت نعال أقدام فرسانك .
عذراً أيتها الجميلة المغطاة بعبير الدخان، وأريج حدائق الحلم الأبيض، لأننا لم ننصفك، ولم نعطك بعضاً من دمنا… كبّلتنا حجج الوهن .
عذراً أطفال غزة.. عذراً يا دموع القلب، يا قلاع عزتنا… غابت شهامتنا فبتم فريسة الذئاب وحيدين، إلاّ من أصوات قادمة من جنوب لبنان، واليمن المحاصر والعراق المكبّل.
عذراً غزة لم نقدر على مداواة جراحك يا غزة، ورفع هامتك البهية إلى سدّة الحلم.
عذراً نساء وفتيات غزة.. يا من كنتن قدوة الرجال والأطفال، وقد زفّيتن أبناءكن الشهداء عرساناً للأرض والقضية… عذراً لكن لأننا لم نشارككن هذا العرس العظيم وأنتن تزغردن فرحاً بالانتصار.
عذراً غزة… كل حبرنا، وألواننا، وحناجرنا لم تكن بمستوى دمك الطاهر.
لم نستطع يا غزة، أن نعقد مؤتمراً رغم مضي أسابيع على أطنان الموت التي سقطت فوق أحيائك، وعلى مستشفياتك، ومدارسك، والباحثين عن رغيف، أو بعض الماء.
لم يسمح لنا، أن نقول كفى قتلاً وتهجيراً وتدميراً.
لم تكن لدينا جهوزية الرفض والاعتراض، كنا وما زلنا نعامات تدفن رؤوسها في الرمال… نحن أشباه رجال، ليتنا كنا نشبه نساء وأطفال ورجال غزة.
عجزنا أن نقول لا للأساطيل والبوارج الحربية والغواصات، وأن نصرخ بوجه جنود وجنون الغرب ونقول كفى، لأننا لا نملك مفتاح قرارنا، ولا مفتاح حناجرنا ومحابرنا.
عذراً غزة… لم نستطع أن نقدّم لك سوى الأكفان، وهل لدينا نحن الأموات سوى الأكفان ؟
عذراً غزة الحرة بحصارك ووجعك… فشلنا في فتح معبر إلى رئتيك، أو ممر إلى عيونك الساهرة واليقظة، أو إلى وريدك.
عذراً بحر غزة… سفننا غارقة في وحل عجزنا، فلم تتمكن من نقل الدواء والغذاء.. ولم يبق لها سوى الدعاء والرجاء.
يا شاطيء غزة، أنت يا من علمنا كيف يكون الرجال، وكيف تكسر أشرعة سفنه كل الرياح العاتية… خذلناك.. نعم خذلناك… كما خذلنا رملك وكل حصاة تتألق وساماً فوق صدرك.
عذراً أهل غزة… اكتفينا أن نتفرج على دمائكم وجراحكم، وعلى مقابركم الجماعية، ولم نبادر لإنقاذكم.
تجاوز صمودك وصبرك غزة حكايات الأساطير، فعلمتنا كيف يكتب التاريخ بالدم الفلسطيني النقي .
عذراً يا أبطال غزة، يا من رفعتم رؤوسنا بشجاعتكم، بإقدامكم، بعنفوانكم، عذراً لأننا لم نقدم لكم رصاصة، ولا وقفة عزّ… اكتفينا بالتصفيق وبعض مظاهرات الغضب، لم نهز عروشاً، لم نحطم كراسٍ على رؤوس المستبدين .
عذراً غزة.. يا وجعنا، يا أملنا، يا حزننا وفرحنا، يا يومنا وغدنا… عذراً لأننا خذلناكِ.
بقلم: أمين مصطفى
كاتب لبناني