أسماء بزيع
منذ بداية "طوفان الأقصى"، تورط الغرب بزعمائه وإعلامه فى عدة سقطات كشفت انحيازهم الأعمى، حيث غرقوا به [الانحياز] بشكل تام لصالح روايات "إسرائيل" المكذوبة، ضاربين عرض الحائط مبادئ حرية التعبير والمعايير المهنية. فلم يقتصر التضييق على الروايات التي تدخض الرواية الصهيونية إعلاميًا، بل طالت الحياة الأكاديميّة. حيث يسعى الغرب والإحتلال معًا إلى أن تُبقي فيها مواقع السلطة.
لطالما واجه أكاديميون في المؤسسات الغربية مضايقات وتهديدات بالفصل من أعمالهم بسبب دعمهم وتعاطفهم مع القضية الفلسطينية أو انتقادهم لسياسات "إسرائيل" العنصرية. عبر حملات موجهة إليهم من خلال أساليب مثل: الإغتيال المعنوي، الإقتباس الانتقائي لأقوالهم، واختلاق أكاذيب، فضلًا عن التهديد بسحب الدعم، وتهديد مسارهم المهني ووظائفهم، بل ونبذهم.
في أميركا:
فالينتينا نازاروفا:
يمكن رؤية هذه المحاولات في الأكاديمية فالينتينا نازاروفا والمعروفة بأبحاثها في الصراع العربي "الإسرائيلي"، والتي تلقّت عرضاً لإدارة البرنامج الدولي لحقوق الإنسان في جامعة تورنتو بتاريخ 19 أغسطس/آب 2020، لكنها فوجئت بسحبه وتذرّع الجامعة بنقص أوراق الهجرة وعدم توفر تصريح للعمل في كندا، ويرجع ذلك إلى اعتراض متبرع كبير لجامعة تورنتو، الذي أبدى تحفظه على تعيينها معللاً ذلك بأبحاثها في القانون الدولي عن الاحتلال "الإسرائيلي" للأراضي الفلسطينية.
وعقب ذلك أفصحت الدكتورة ليزلي غرين، الأكاديمية المتخصصة في فلسفة القضاء بجامعة كوينز في كينغستون عن إسم القاضي الذي اعترض على تعيين نازاروفا في مراسلة إلى رئيس القضاة ورئيس مجلس القضاء الكندي وتبين بأنّه ديفيد سبايرو، المناصر للصهيونية ولـ"إسرائيل".
نورمان فنكلشتاين:
كما ويعدّ الدكتور نورمان فنكلشتاين الذي عمل أستاذًا للعلوم السياسية في جامعة دي بول الأميركية DePaul University في التسعينيات، أحد ضحايا تهديد المسار المهني بسبب مناصرته الحقوق الفلسطينية ومهاجمته الصهيونية.
ويوضح الدكتور محمد فاضل، أستاذ القانون في جامعة تورنتو لـ "العربي الجديد" قصة فنكلشتاين قائلا إنّ: "القسم الذي يعمل به وافق على ترقيته، ولكنّ جامعة دي بول لم توافق بدعوى أنّ أسلوبه "غير متحضر".
ويشير كذلك إلى قصة الدكتور ستيفن سلايطة، أستاذ الدراسات الهندو-أميركية، والذي كان من ضحايا التهديد الوظيفي كذلك، إذ كان يعمل أستاذاً في جامعة فيرجينيا، ثمّ قَبِل بوظيفة في جامعة إلينوي، وبينما كان في انتظار موافقة مجلس وكلاء الجامعة، وهي خطوة رسمية لا معنى لها بحسب الدكتور فاضل اندلعت حرب غزة عام 2014، وحين بلغت تغريداته أحد المتبرعين الكبار لجامعة إلينوي من مناصري الصهيونية، تدخل وأبدى رفضه لتعيينه، وهو ما بدا في إعلان جامعة إلينوي توقيف تعيينه في قسم الدراسات الأميركيّة للسكان الأصليين (الهنود الحمر).
تيري جنسبرغ:
وتتكرر قصص اضطهاد مناصري فلسطين في الجامعات الأميركية، حيث تسرد تيري جنسبرغ الأستاذ المساعد لدراسات السينما في الجامعة الأميركية بالقاهرة قصتها في كتاب "نحن لن نصمت..."، قائلة بأنها اختارت أن تكتب رسالتها للدكتوراه في موضوع سنيمائي متعلق بفلسطين تبنت فيه رؤية معاكسة للرؤية الصهيونية ومناصرة للحق الفلسطيني، علما بأنها أميركية يهودية، ما جرى عليها رفضا في الوظائف التي تقدمت لها على مدار أربع سنوات بشكل تكرر لدرجة أنها رُفضت في ما يزيد على 150 وظيفة وانتهى بها المطاف إلى الجامعة الأميركية في القاهرة.
في إيطاليا:
يولندا غواردي:
في تصريح جريء للباحثة الإيطالية في الأدب العربي يولندا غواردي على بودكاست "فيه ما فيه" مع الإعلامي الفلسطيني سائد نجم أكدت أن الجامعة في إيطاليا "أداة سلطوية تفرض رقابة على الباحثين" وأن هناك مواضيع محددة فقط هي ما يُسمح بمناقشتها بشأن المنطقة العربية. وذكرت الباحثة أنها هي نفسها دفعت ثمنا غاليًا جدًا لقاء حريتها الفكرية.
أليساندرو أورسيني:
تصريحات غواردي التقت مع تصريحات أليساندرو أورسيني، أستاذ علم الاجتماع المختص بالإرهاب الدولي، حين عبّر على صفحته بفيسبوك أن نتنياهو يمارس إرهاب دولة وأنه لا بديل آخر أمام الفلسطينيين سوى حمل السلاح. والذي أصبح بعدها منبوذًا في وسائل الإعلام الإيطالية بسبب تحليلاته السياسية التي لا تتوافق مع سردية التيار السائد التي ترعاها الصالونات اليسارية في إيطاليا.
وذكر أورسيني في حوار له على القناة الرابعة (التابعة لشبكة ميدياست اليمينية التي أسسها رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني) أن "حياته المهنية تدمرت حرفيًا" منذ فترة، وأنه يعاني من إجراءات انتقامية في الجامعة وضغوط رهيبة قد تدفعه عاجلًا أو آجلًا للبحث عن عمل خارج إيطاليا.
في النمسا:
يانيس فاروفاكيس:
أعلن وزير المالية اليوناني (اليساري) السابق، والمحاضر في علوم الإقتصاد والعمارة، يانيس فاروفاكيس، عبر حسابه على منصة إكس، حرمانه من تقديم محاضرة في معهد IKA للفن والعمارة كان من المفترض تقديمها.
ووفقًا لما ذكر فإن المعهد الذي راسله من فيينا، أخبره أن عليه إخبار متابعيه أن المحاضرة مؤجلة حتى صدور كتابه الجديد باللغة الألمانية، وعندما رفض "المشاركة في تلك الكذبة"، أشاروا إلى أن السبب هو "الوضع الجيوسياسي الحالي المتصاعد بشكل كبير".
ما أثار تضامن الكثير من النشطاء واصفين إجراء المعهد بدليل على النفاق الأوروبي والتفريط العلني في حقوق الإنسان.
"طوفان الأقصى" دفع الكثيرين بالتنحي جانبًا، وأخرج للمشهد أسماء تمثل مفاجأة وقفت في صف الحق الفلسطيني أتت من ضفاف غير متوقعة قادرة على إيصال الصورة الحقيقية لِما يحدث أمام الرأي العام. وذلك في ضوء تحدّ كبير لكل ما تتعرض له الأصوات المغردة خارج سرب الروايات "الإسرائيلية" الكاذبة، والتي تعرّض الأكادميين لمحاولات تضييق وخنق وعزل.