سيطرت حالة من القلق على الدوائر الرسمية المصرية، على وقع التطورات المتلاحقة على صعيد الوضع في غزة، في ظل استئناف جيش الاحتلال عدوانه على القطاع، عقب انهيار الهدنة الإنسانية المؤقتة، ووسط توجه إسرائيلي واضح بدفع سكان القطاع نحو الحدود مع مصر، عبر ضربات مركزة على مناطق الجنوب ومحافظة رفح.
وقالت مصادر مصرية مطلعة على جهود وتحركات القاهرة في هذا الملف، لـ"العربي الجديد"، إن "القلق المصري، يأتي - في المقام الأول - من جهة الإدارة الأميركية، التي لم تعر اهتماماً للمخاوف المصرية من خطة التهجير، التي لا يخفيها المسؤولون في "تل أبيب"، بل وربما دعمها تلك الخطة، على الرغم من التصريحات الرسمية الأميركية المناقضة لذلك".
وأوضح مصدر مصري أنه "على الرغم من الدور الذي لعبته مصر خلال الأيام الماضية، وجهود التوصل إلى الهدنة المؤقتة التي استمرت سبعة أيام، وإبداء الجانب الأميركي تقديراً لهذا الدور، إلا أن القاهرة فوجئت بدعم أميركي واسع لخطط حكومة الاحتلال، التي تحمل نوايا واضحة لدفع سكان القطاع وتهجيرهم إلى سيناء".
غضب مصري من خرائط جيش الاحتلال
في السياق نفسه، قال أحد المصادر إن القاهرة "عبرت عن غضبها من خلال قنوات رسمية أمنية مع المسؤولين في حكومة الاحتلال، بسبب الخرائط التي نشرها جيش الاحتلال أخيراً، ويظهر خلالها تقسيم قطاع غزة إلى مربعات أمنية، وفي مقابلها تظهر الأراضي المصرية المتاخمة للحدود مع غزة، وقد قسمها جيش الاحتلال إلى جزأين كتب على الجزء الملاصق للحدود (المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة)، وهو ما رأى فيه المسؤولون المصريون أنه تقسيم يحمل دلالات سلبية بالنسبة لمصر".
وربط مصدر آخر بين التخوفات المصرية ورغبتها الملحة في تمديد الهدنة، لتكون هناك فرصة أوسع، لمواجهة مخططات التهجير وسيناريوهات النزوح التي تسعى لها إسرائيل.
وتعليقاً على تصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، بأن الإدارة الأميركية تعتقد بأن لدى حماس عدداً أكبر من النساء والأطفال الإسرائيليين الأسرى ممن هم مرشحون لعملية تبادل، قال المصدر إن "الحركة أبدت استعدادها للبحث عن أسرى آخرين من النساء والأطفال لدى مجموعات مقاومة صغيرة في القطاع، مشيرة إلى أن عملية مثل تلك لا يمكن أن تتم في ظل تواصل العدوان على القطاع، حيث يجب تهيئة الأوضاع من أجل تسهيل مهمة القائمين بالاتصال".
الهدنة ليوم غير مجدية
وأشار المصدر إلى أن "ما يثار بشأن رغبة إسرائيلية أو أميركية في التوصل لهدنة ليوم واحد لحين الانتهاء من تصفية ملف الأسرى من النساء والأطفال، سيكون غير مجدٍ، إلا في حالة تم التوافق بأن يكون ذلك اليوم تمهيداً لهدنة أطول".
وتعليقاً على التطورات، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، لـ"العربي الجديد"، إن بنيامين نتنياهو وحكومته "يسعون لتحقيق أي نصر، بأي شكل من الأشكال، بعد الإخفاقات المتتالية، وعدم تحقيقهم أي إنجاز سوى قتل نحو 16 ألف مدني فلسطيني، بينهم نحو ستة آلاف طفل، ولذلك رفضوا تجديد الهدنة الإنسانية، ويدعون أنهم استطاعوا بالضغط العسكري على حماس تحرير الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية".
إسرائيل مستمرة في تهجير سكان غزة
وأضاف أن "إسرائيل مستمرة في خطة التهجير القسري لسكان غزة، حتى يمكنهم تمشيطها شمالاً وجنوباً ومن الوسط، ودفع السكان إلى الخروج منها، سواء إلى مصر أو غيرها من الدول، المهم إخراجهم قسراً، ولكن سكان غزة متمسكون بأرضهم ويتنقلون من مكان إلى مكان، ويعيشون مرة أخرى في الخيام مع بداية الشتاء البارد". وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية "لم تشأ أن تضغط على إسرائيل من أجل هدنة مؤقتة أو وقف دائم لإطلاق النار".
ويتفق مع ذلك أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة. وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "نتنياهو عاد إلى حربه الهمجية على الشعب الفلسطيني، ليس من أجل القضاء على حماس فقط، لكنه يصر على إخلاء قطاع غزة من الفلسطينيين الذين لم يعد أمامهم خيار آخر سوى المقاومة".
وأضاف نافعة: "سيتمكن نتنياهو من قتل المزيد من الأطفال والنساء، لكنه لن ينتصر في الحرب، بل سيهزم أولاً قبل أن يذهب إلى السجن".
واختلف السياسي والأكاديمي الفلسطيني، وعضو الكنيست السابق، جمال زحالقة، حول "جدية" مخطط تهجير سكان من قطاع غزة، إلى سيناء المصرية. وقال زحالقة، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة الاحتلال الإسرائيلية لا تجرؤ على ترحيل الفلسطينيين إلى مصر، ضد رغبة القاهرة، لأن ذلك يعد بمثابة إعلان حرب".
يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه الأصوات على مختلف المستويات هناك لتصدير أزمة القطاع لمصر والأردن.
ففي منشور كتبه على منصة "إكس"، اعتبر أفيغدور ليبرمان، الذي كان وزيراً للخارجية والأمن والمالية، أن "سيطرة مصر على قطاع غزة والأردن على المناطق المأهولة بالسكان في الضفة الغربية يعد بديلاً عن حل الدولتين الذي اعتبره غير واقعي".
الهدنة في صالح سكان ومقاومة غزة
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "التوصل إلى هدنة، مسألة في صالح سكان غزة وفي صالح المقاومة بدرجة كبيرة، بسبب الأوضاع المأساوية التي يعاني منها أكثر من مليوني شخص في القطاع، جراء العدوان الإسرائيلي الذي أدى إلى دمار كبير في البنية التحتية، وقتل وجرح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وبالتالي فإن استمرار هذه الهدن وتجديدها، يؤدي إلى إعطاء الناس في غزة فرصة ومساحة من الوقت من أجل إعادة تنظيم حياتهم، وتفقد أنفسهم، وتفقد أقربائهم، ودفن الجثث التي لا تزال تحت أنقاض البنايات المهدمة".
وأضاف أبو سعدة أن "الهدنة تفيد المقاومة أيضاً، حيث تعطيها استراحة مقاتل، كي تتحضر للمرحلة المقبلة، خاصة أن هناك تهديدات إسرائيلية باستمرار الهجوم على قطاع غزة، وقد تكون المرحلة القادمة هي تشديد الهجوم على المنطقة الجنوبية من قطاع غزة في خانيونس ورفح".
وأضاف: "لذلك هناك اهتمام لدى حماس والفلسطينيين في غزة بتمديد هذه الهدن أكبر قدر من الوقت، حتى يتم التقاط الأنفاس، بعد 7 أسابيع من الحرب التي دمرت تقريباً كل شيء في قطاع غزة. وأعتقد أنه في نهاية الأمر هناك ضغوط دولية وشعبية، سواء على المستوى العربي أو الدولي، لتحقيق مزيد من الهدن الإنسانية التي توقف المزيد من الدم والدمار الذي قامت به آلة الحرب الإسرائيلية على مدار 7 أسابيع".