أسماء بزيع / وكالة القدس للأنباء
في زخم الهويات ينسج الإنسان خيوط انتمائه الوطني بمنظومة تعبير متنوعة، وفي زمن الإتصال العالمي، يجد الأفراد أنفسهم في صدام بين تاريخهم وتقاليدهم وبين رغبتهم في التعبير عن العدالة. لكن يبدو أن حق المناصرة لا يحظى بتوزيع عادل، حيث يتساءل البعض عن سبب عدم إعطاء اليمني واللبناني حقًا مماثلًا للأمريكي، والفرنسي، والبريطاني في دعم قضية العدو، في حين يكون الوضع مختلفًا عندما يتعلق الأمر بالتضامن مع الفلسطينيين.
ففي بيان مشترك بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، بدا فيه الدعم غير الجديد والصريح لـ"إسرائيل" في جهودها "للدفاع عن نفسها" حسب وصفه، وأدان حماس ووصف هجومها بأنه أفعال إرهابية مروعة. بينما عبَّر بشكل باهت بـ"إقراره" بتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة في حقهم بدولة مجاورة، ويدعم إجراءات متساوية لتحقيق العدالة والحرية "للإسرائيليين" والفلسطينيين. ليعلّق القيادي في حركة حماس عزت الرشق برفضه الشديد للبيان، مؤكدًا على "ازدواجية المعايير عند هذه الأطراف، وانحيازها الفاضح للاحتلال، ونعد موقفهم غطاءً وتشجيعا للاحتلال لمواصلة وتصعيد جرائمه ضد أبناء شعبنا العزل."
وفي محاولة فهم أعماق التاريخ وتحليل التحولات الحديثة في المشهد الدولي والإقليمي، هناك أسباب متشعبة ومعقدة، إذ يرجع إلى سياقات تاريخية وإقتصادية وسياسية. فتاريخ الدول الغربية مع "إسرائيل" يمتد لعقود، والذي يؤثر على الدعم المتجه نحوها. وتأثير مناصرة دول غربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، لـ"إسرائيل" وعدم منح نفس الفرصة لليمن ولبنان لدعم القضية الفلسطينية يعود إلى أوجه عدة.
ففي القرن العشرين، شهدت حقبة من التاريخ تأثيرًا عميقًا للنزاعات الإقليمية، حيث تعاونت هذه الدول مع الكيان "الإسرائيلي" المحتل لأسباب تتنوع بين التحالفات الإستراتيجية ومشاركة الإستخبارات. وهذه العلاقات الوطيدة تجسدت في الدعم العسكري والاقتصادي، مما أثر على الرؤية الإعلامية والثقافية لـ"إسرائيل" في الغرب. ومع التراكم التاريخي لهذه الروابط، تبدو الدول الغربية أكثر استعدادًا لدعم الكيان وتفهم قضيته بشكل أعمق، وخاصةً بعد تمركز قوى اللوبي اليهودي في الساحة السياسية الغربية، والذي يزيدها من التأثير والضغط الممارس على السياسات الخارجية.
أمّا وبعد تزلزل الكيان المحتل في 7 تشرين الأول/أكتوبر شهدت "إسرائيل" تفاعلًا دوليًا بارزًا.. حيث تظمت ألمانيا مسيرات داعمة، ونتضامنة مع "إسرائيل". وفي الوقت نفسه، قدمت بريطانيا دعمًا بحريًا، حيث أرسلت سفينة إغاثة محملة بالمواد الإنسانية والإمدادات الطبية فضلًا عن الدعم الدبلوماسي بمواقف صريحة تعبر عن التأييد، مثل الانخراط البريطاني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لدعم قرارات تعزيز أمن "إسرائيل".
وفي الصعيدين العسكري والإستراتيجي، تم توقيع اتفاقيات عسكرية بين الولايات المتحدة والكيان الغاصب، مع تقديم دعم ومساعدة عسكرية كبيرة، حيث أرسلت أسلحة حديثة وقامت بنشر حاملات طائرات في المنطقة تعزيزًا للقوة العسكرية "الإسرائيلية". إضافةً لنشاط لوبيات يهودية قوية فيها، مثل مؤتمر اللوبي اليهودي الأمريكي (AIPAC)، الذي يسعى لتعزيز العلاقات بينهما. أمّا من "الجانب الإنساني"، قامت فرنسا بتقديم مساعدات ومواد إغاثية معبرة عن تضامنها ودعمها للجهود بعد تطور علاقاتها التجارية مع "إسرائيل" في مجالات مثل التكنولوجيا والابتكار.
وفي الجانب الآخر، يواجه لبنان واليمن وكل الدول والمجموعات الداعمة للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، تحديات كبيرة، مترافقة مع اتهام بلدان وقوى محور المقاومة، من قبل المحور الأمريكي، بأنه داعم لما يسمونه "إرهاب" فلسطيني، ويهددون بمحاصرة هذه الدول والقوى الداعمة للمقاومة، ووضعها على قائمة المحاصرين والملاحقين، وبنفس الوقت يوجهون دبلوماسييهم لعواصم هذه البلدان وممارسة سياسة العصا والجزرة لوقف مشاركتهم في معركة الدفاع عن الشعب الفلسطيني وشد أزر مقاومته.. لكون هذا الدعم من شأنه تعديل ميزان القوى بالميدان، وتعزيز قوة المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني وحربه الكونية التدميرية الهمجية المتواصلة على قطاع غزة. وذلك خدمة لكيان العدو ودعما لحربه على غزة وكل الأرض الفلسطينية.
