غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الكيان الصهيوني المتوحش هو حالة داخلية في الدول الغربية

images.jpg
راغدة عسيران

اعتبرت الدول الغربية، الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، أن معركة "طوفان الأقصى" المجيدة، استهدفت أمنها الداخلي والقيم التي بنت عليها تفوقها الأخلاقي المزعوم، والفكر المنحلّ الذي حاولت جاهدة منذ أكثر من قرن نشره في العالم. الضربة أو الصفعة التي تلقتها الدول الغربية، من قبل المقاومة الفلسطينية، يوم 7 أكتوبر، تعدّ أكثر من ضربة لدولة صديقة أو حليفة، فكانت ضربة لأسس الهيمنة الغربية على العالم، كما أظهرتها ردود الفعل وانخراط هذه الدول، كل واحدة وفقا لعمق علاقتها بكيان العدو، في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.

منذ معركة طوفان الأقصى، اتخذت معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إجراءات غير مسبوقة ضد حرية التعبير في بلدانها، بخصوص حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، بحجة أن انتقاد الكيان المتوحش أو دعم المقاومة الفلسطينية يعني اهتزاز الأمن الداخلي (فرنسا) ومعاداة للسامية (ألماينا) ودعم "الإرهاب" (الولايات المتحدة)، والثلاثة معا أحيانا في تصريحات مسؤوليهم. لقد منعت الدول الغربية كل تعاطف مع الضحية الفلسطينية في بادئ الأمر، ثم تراجعت أمام الضغط الشعبي واستمرت بمنع أي دعم للمقاومة الفلسطينية على أراضيها، فاعتقلت العشرات من المؤيدين للشعب الفلسطيني وفرضت غرامات على المئات منهم. اهتزت مصداقية الجامعات في الولايات المتحدة وفرنسا، بعد فرض عقوبات على أساتذة وطلاب بسبب دعمهم للشعب الفلسطيني، وعادت ألمانيا الى تاريخها الفاشي، لكن هذه المرة، ضد محبّي الإنسانية، لحماية من سبق أن اعتبرتهم أعداء الجنس الأوروبي. ولم تسلم بريطانيا من الأزمات الداخلية، بعد إقالة وزيرة الداخلية من منصبها بسبب انزياحها الفاضح الى جانب الكيان المتوحش.

لقد فقد الإعلام الغربي عموما، الذي كان يتغنى بمصداقيته، كل أهميته أمام الرأي العالمي، لأنه أصبح ملحقا للإعلام "الإسرائيلي"، بل أكثر كذبا منه، وأكثر تملقا للقادة الصهاينة وقادة دولهم الذين يشاركون في حرب الإبادة. تعنوِن معظم وسائل إعلامهم بأن الصراع بين "إسرائيل" و"حماس"، للتغطية على حرب الإبادة التي ينفذها جيش العدو، وتضليل الجمهور الغربي حول أسباب هذه الحرب وتوحّش جيش العدو، كما أنها ما زالت تعتبر، من أقصى يمينها الى أقصى يسارها (مع استثناءات تعد على الأصابع) أن الأسرى الصهاينة هم رهائن، في حين لا تعترف بأن المعتقلين الإداريين الفلسطينيين، الذين يتم خطفهم من بيوتهم ومكان عملهم والمستشفيات هم رهائن، وكذلك أقارب المطاردين. وعندما "تجرأت" صحيفة ليبراسيون الفرنسية على القيام ببحث استقصائي عن "قطع الرؤوس والاغتصاب" في يوم 7 أكتوبر، فكان من أجل تبرئة جيش العدو من الترويج لهذه الأكاذيب، محملة مسؤولية التضليل الذي صدّقها من كان يريد تصديقها، على جمعيات أهلية ومسعفين صهاينة. يبقى جيش المستوطنين اليهود في نظرها ونظر الغربيين "نظيفا" و"بريئا" من الأكاذيب وحرب الإبادة.

تعتبر دول الاستكبار العالمي أن دعم المقاومة والانزياح الى جانب الشعب الفلسطيني المجروح والمهدّد بالتهجير والإبادة،  يعني اهتزاز السيطرة الفكرية والإعلامية والأمنية والسياسية الغربية على شعوب العالم. فانقلبت القيم، ولم تعد حرية التعبير أو حقوق الانسان الأولوية لدى الأنظمة الغربية، التي تغنت بها سابقا في كل مناسبة، بل أصبحت الأولوية لديها الحفاظ على سمعة كيان إرهابي متوحش، وحمايته من الرأي العام العالمي الذي حافظ على فطرته الإنسانية.

لقد غيّرت ولاية ساكس الألمانية شروط منح الإقامة للأجانب بإضافة شرط الاعتراف بشرعية وجود الكيان الإرهابي الصهيوني، أي ان على كل من يطلب الإقامة في ألمانيا عليه أن يوقّع على أنه يعترف بشرعية وجود كيان استيطاني تم إقامته على أرض شعب أصلي. رفض البرلمان الفرنسي الوقوف دقيقة صمت من أجل الديبلوماسي الفرنسي من أصل فلسطيني، الذي استشهد بعد قصف المنزل الذي تواجد فيه في جنوب قطاع غزة، وكان قد أدى خدمته لفرنسا لما يقارب 23 عاما. بالنسبة للبرلمان الفرنسي، التعبير عن حزنهم من أجل هذا الديبلوماسي يعني نوعا من إدانة من قتله، أي في نهاية المطاف، إدانة حرب الإبادة التي تشارك فيها فرنسا.

ولأن التوحش ليس سمة صهيونية فقط، بل سمة غربية بالأساس، حيث صعدت مكانة الدول الغربية على أشلاء وجثث الملايين من البشر في العالم، لم تكترث هذه الدول بعدد ضحايا حرب الإبادة الجماعية التي ينفذها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وحرب التهجير الممنهج في الضفة الغربية والقدس. فالتوحش والإرهاب وعملية الإبادة الجماعية جزء أصيل من تاريخها، الذي لم تتنكر له وترفض الى الآن الاعتذار عنه للشعوب التي استُعبدت وأبيدت، وما زالت في بعض كتبها التعليمية تعتبر أنها جلبت الحضارة الى "المتوحّشين".

الكيان الصهيوني يمثّل بالنسبة لهذه الدول أكثر من قاعدة عسكرية وأمنية في الوطن العربي، فهو يمثّل سيطرة الفكر الغربي العنصري الذي يمنح القوة والسيطرة للعنصر "الأبيض" على كافة شعوب العالم، التي عليها الرضوخ لهذه السيطرة وتبنّي أفكارها وقيمها، ليس بالضرورة من خلال الكيان الصهيوني مباشرة، بل يكفي ان يتم اعتباره، من قبل المنظومة الدولية التي أسستها الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، انه كيان ديمقراطي تتعايش فيه "الأقليات" ويمزج بين الحداثة والدين، وأنه متقدم تكنولوجيا ومعرفيا، لكي يتخذ كمثال أعلى للحضارة الغربية، رغم كونه مستعمرة استيطانية، وارتكابه المجازر منذ تأسيسه واعتدائه على المقدسات الإسلامية والمسيحية.

الكيان الصهيوني ليس حليفا فقط، بل جزء مهم من المنظومة الدولية التي شكّلتها الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. بإقامة هذا الكيان العنصري في قلب الوطن العربي والاعتراف بشرعية وجوده على حساب الشعب الفلسطيني، أمّنت المنظومة الدولية، ومن ورائها، الدول الغربية، سيطرتها على الشعوب العربية من خلال المنظمات التابعة للأمم المتحدة، التي حاولت وتحاول تغيير المنظومة الفكرية والسياسية لهذه الشعوب، بطرق مختلفة والضغط المالي والسياسي.

لقد صرّح الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قبل أسابيع، بأن هذه المنظومة الدولية انهارت، وذلك لأن الدول الغربية التي أوجدتها للتخفيف عن آثار جشعهم وإرهابهم وتسلطهم على البشرية، لم تعد تحترم ما أسسته، بعد الهلع الذي أصابهم عندما تلقوا ضربة معركة "طوفان الأقصى" في الكيان الذي صنعوه.

لقد أطاحت معركة طوفان الأقصى بهذه المنظومة الدولية المبنية على العنصرية والتفوّق الغربي، عسكريا وماليا وتكنولوجيا وفكريا. من الناحية الفكرية، يكفي النظر الى شجاعة وإرادة المقاومة في الميدان التي قد تلهم الشعوب المستضعفة في كل مكان، وتحثها على الإقدام لرفع الظلم عنها، أينما وجدت.

لقد أعادت المقاومة الاعتبار الى الانسان وقيمه الأخلاقية أمام التكنولوجيا الفتاكة التي تصنعها الدول الغربية لقتل الشعوب ومراقبتها، بل استغلت هذه التكنولوجيا وضبطتها وكرّستها من أجل خوض معركة التحرير.

أعادت المقاومة الاعتبار للفكر الأصيل لدى الشعوب المقهورة وحثها على عدم الاستسلام أمام الطغاة، مهما استكبروا وتوحّشوا، بل المثابرة في العمل والابتكارعلى مدى السنين، من اجل التحرر، وفقا لمنظومتهم الفكرية والسياسية. لقد علّم الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، الى العالم أجمع، الصبر والشجاعة والكرم والتمسك بالوطن ورفض الاستسلام أمام آلة التدمير وحرب الإبادة، والالتحام بالمقاومة التي تدافع عنه. وهذه التعاليم من شأنها أن تدمّر المنظومة الدولية التي بنتها الدول الغربية وتغيّر وجه العالم، لأنها نابعة من الفطرة الإنسانية التي تحاول المنظومة الفكرية الغربية قتلها. معركة طوفان الأقصى ستخرج من فلسطين الى العالم، ولم تتمكن الدول العربية المحاصِرة لفلسطين وقطاع غزة، من إنهائها أو القضاء على ارتداداتها.