ستبقى عملية تفجير مدرّعة "النمر" "الإسرائيلية" في قطاع غزة، في خلال الأيام الأولى من العملية البرية، والتي أسفرت عن مقتل 11 جندياً وضابطاً، علامة فارقة في وجه المؤسسة العسكرية والأمنية، إذ أنه بعد ثلاث سنوات من العمل على تصنيع «النمر»، زجّت "إسرائيل" بها في الميدان، لتكون بمثابة مدرّعة «كاسرة للتوازن»، توفّر الأمان والحماية للقوات في حرب المدن، إلا أنها سرعان ما تحوّلت إلى مقبرة للجنود، وهو ما صدم قيادة سلطات الاحتلال، التي كانت فاخرت بأن مدرّعتها غير قابلة للاختراق. ومن تلك العملية، خرج جندي واحد على قيد الحياة. وبعد شهر من العلاج، أطلّ «الناجي الوحيد»، دانييل مازافيتس، ليقول "للإسرائيليين" إن ما جرى غير متخيّل «حتى في أسوأ كوابيسنا».
وخضع مازافيتس الذي كان يقود المركبة، منذ إصابته، لعلاج مكثّف في العناية المركّزة، تمكّن عقبه من الوقوف على قدميه بعد شهر من انفجار المدرّعة به وبزملائه. وإثر خروجه من العناية المركّزة، عاد إلى المدرّعة المتفحّمة بالكامل، والتي لم يتبقّ من معداتها شيء ليلتقط صورة في داخلها. وحينها، قال: «عندما ذهبنا إلى الحرب، كنا نعلم أنه سيكون هناك جرحى وقتلى، لكن ما حصل لم نتخيّله في حياتنا، ولا حتى في أسوأ كوابيسنا، 11 محارباً ذهبوا واحداً تلو الآخر في ضربة واحدة، في الآلية نفسها وبالطريقة نفسها». قد تكون هذه واحدة من الشهادات النادرة لجنود الاحتلال الذين عادوا من قطاع غزة كجرحى؛ إذ يفرض الجيش "الإسرائيلي" رقابة عليهم تمنعهم من الحديث إلى وسائل الإعلام حول ظروف القتال وانطباعاتهم الشخصية، وهو ما ينفجر - على جري العادة - بعد الحرب، على غرار المواجهات السابقة، والتي توالت بعدها الإحصاءات المتعلقة بأعداد المعوقين، أو بارتفاع نسب الانتحار.
وكان نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تداولوا مقطع فيديو لجندي يُدعى أفيخاي ليفي، سبق له أن قاتل في قطاع غزة، وهو يبكي خلال حديثه بانفعال أمام لجنة في «الكنيست»، إثر إصابته بأزمة نفسية. وقال الجندي، غاضباً، إنه كاد يقتل امرأة عدة مرات، نتيجة أزمته النفسية، من دون أن يحدد درجة قربها منه. كما أفاد بأنه من شدة الخوف لا يستطيع النوم، وأنه لا ينام إلا حينما يشرب الكحول، حتى بات مدمناً عليه، وإذا نام فإنه يتبوّل على نفسه، وفق قوله. وحول تجربته في المعارك الدائرة في غزة، قال الجندي إنه يتخيّل قذائف الـ«آر بي جي» تطير فوق رأسه، ويتصور نفسه في جرافة يقاتل ويشم رائحة الجثث، في إشارة إلى الجنود والضباط الذين قُتلوا خلال مواجهة المقاومة، مطالباً بأن تهتم الدولة به وبالمعوّقين نتيجة الحرب، مشيراً إلى أن هناك العشرات من هؤلاء الذين «تخلّت الدولة عنهم».
ومنذ بداية الحرب الأخيرة، يعلن العدو أن 3000 من جنوده أصيبوا بإعاقة دائمة. وفالت صحيفة «هآرتس»، أن «18% من المسجّلين في قسم إعادة التأهيل، يعانون من صعوبات في الصحة العقلية واضطرابات ما بعد الصدمة». وشكّل انتحار الجنود السابقين المرضى نفسياً والمصابين باضطرابات ما بعد الصدمة، أو الجنود خلال خدمتهم، قلقاً للمؤسسة العسكرية، وذلك بالتزامن مع ارتفاع طلبات الإعفاء من الخدمة.
وبحسب تلك المصادر، فإن 3 جنود "إسرائيليين" أقدموا على الانتحار في أيار 2023، و14 جندياً قاموا بالفعل نفسه خلال تأدية الخدمة العسكرية عام 2022. وتوضح أن هذه الحصيلة هي الأعلى منذ 5 سنوات، عازية ذلك إلى «تنامي الاضطرابات العقلية وسط الجنود». وتشير إلى أن نظام الصحة النفسية داخل الجيش "الإسرائيلي" أجرى 47 ألف جلسة علاج نفسي مع الجنود. ووفق قناة «كان» العبرية، تبيّن وجود قفزة بنسبة 40% في الاستفسارات العقلية والنفسية الواردة من الجنود قبل الحرب على غزة.
وعلى خطّ مواز، وبعد 60 يوماً من القتال في الحرب البرية، سحب الاحتلال جنود لواء «غولاني» من أرض المعركة، بذريعة «إعادة تنظيم الصفوف وإنعاش القوات». وذلك بالتزامن مع انسحاب لواء «المظليين» من غزة، تحت الذريعة نفسها. وفي العموم، تكبّد «لواء غولاني»، خسائر فادحة، بإقرار الاحتلال إلى مقتل 42 جندياً وضابطاً، بينهم قائد لواء «الكتيبة 13»، في معركة الشجاعية، من بينهم الضابط تومر غرينبرغ، فيما قال قائد لواء «غولاني» الأسبق، موشيه كابلنسكي، قبل عدة أيام، إن اللواء خسر نحو ربع قواته بين قتيل وجريح منذ عملية «طوفان الأقصى»، مؤكّداً مقتل 82 ضابطاً وجندياً. (المصدر: أحمد العبد – الأخبار)