تركض "أم محمد" فوق ركام منزلها المدمر وراء قطة ضالة تنهش بلحم بشري، تحاول بيدها اليمنى إزالة التراب والغبار الذي اخترق عينيها، كادت أن تتعرض للإغماء نتيجة الكحة التي أصابتها بسبب الأتربة التي ابتلعتها أثناء الحفر بأناملها الناعمتين.
ترفع "أم محمد المدفع" الحجارة عن جسد بشري تعتقد أنه لابنتها الصغيرة التي فُقدت آثارها تحت ركام منزلها إلى جانب أكثر من 17 شخصًا من أفراد عائلتها، تصرخ بصوت مرتفع تستنجد بالله عز وجل: "يا الله ارحمنا يا الله"، ثم تعود لنبش الحجارة الثقيلة.
حكاية عائلة المدفع بدأت فجر يوم الأحد (10 ديسمبر 2023) كانت ليلة هادئة، إذ يجتمع في المنزل نحو (69 شخصًا) من ضمنهم عائلة أم محمد التي نزحت من منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، إذ تقول: "نزحنا بعد ثلاثة أسابيع من القصف المركز في منطقتنا وذهبت إلى منزل عائلتي في منطقة المغازي وسط القطاع باعتبارها منطقة آمنة كما يدعي جيش الاحتلال".
عاشت "أم محمد" أيامًا صعبة في منزل عائلتها كغيرها مئات الآلاف من العائلات في المنطقة الوسطى، إذ تقضي يومها كاملة في البحث عن الطعام والشراب لأبنائها، وتفاقمت صعوبة الحياة لديها مع زيادة عمليات قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة سكناها.
ما أن وصل مؤشر عقارب الساعة إلى الواحدة فجرًا من يوم الأحد حتى انقلبت الحياة رأسًا على عقب، صوت انفجار ضخم جدًا هز منزل عائلة المدفع، فقد وصلت سيارات الإسعاف للمكان خلال دقائق معدودة تمكنت خلالها وعلى مدار أكثر من ساعة في انتشال جثامين الشهداء.
مع اختراق أشعة الشمس اتضحت الرؤية أكثر؛ فقد أعلنت وزارة الصحة عن انتشال (47 شخصًا) من تحت ركام منزل عائلة المدفع ليبقى نحو (22 شخصًا) وعلى مدار أيام عدة تمكنت طواقم الدفاع المدني من انتشال (5 جثامين) فقط، تقول "أم محمد": "استشهد أبي وأمي وإخوتي وزوجاتهم وأبنائهم وخواتي وأبنائهم جميعًا، و8 أفراد من أبنائي".
"أم محمد" التي وصلت إلى مستشفى شهداء الأقصى في إحدى ليالي انتشال جثامين الشهداء من تحت الركام قالت: "كل يوم أذهب إلى بيت أهلي المدمر أبحث عن أبنائي تحت الركام، لا يوجد آليات حفر"، مستذكرة الآلية الوحيدة المتوفرة في منطقة المغازي لا تعمل لعدم توفر السولار اللازم لتشغيلها، وفي حال تحركت الآلية لن تستطيع وحدها إزالة الركام بسرعة".
أيام عدة لم تتمكن "أم محمد" من العثور على جثث أبنائها؛ لكن هناك قطة صغيرة كانت تنهش في إحدى زوايا الركام الكبير، تقول: "كأنها رسالة من الله عز وجل بعث إلينا قطة تدلنا على جثث أبنائنا، لنكرم الشهداء بدفنها في مقابر المسلمين".
تروي "أم محمد" قصة نهش القطة لجثة ابنتها والدموع الساخنة تتطاير من عينيها، فيما يقف بجانبها الأيسر زوجها الي وضع يده على كتفها في محاولة منه لتهدئتها، ثم تردد بلسانها قول: "الحمد لله الحمد لله احتسبهم شهداء عند الله تعالى".
ووجهت أم محمد وزوجها رسالة للعالم أجمع بان يسرع الخطى في إنقاذ أرواح البشر داخل قطاع غزة من الحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل بوقف إطلاق النار الدائم والمساعدة في إدخال المساعدات الاغاثية والإنسانية لنحو مليوني و200 ألف إنسان في القطاع.
كما ناشدت دول العالم بإرسال عدة حفارات كبيرة؛ لإزالة الركام وإنقاذ الأرواح البشرية التي فقدت تحتها خلال قصف الاحتلال الإسرائيلي للمنازل المدنية المكدسة بالنازحين دون سابق إنذار.
واستشهد نحو (21.320 مواطنًا) جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن، وأصيب نحو (55.603 آخرين) بجروح مختلفة منذ (السابع من أكتوبر 2023).