قائمة الموقع

على وقع الطوفان.. مخيمات لبنان تستعيد عافيتها

2024-02-08T19:23:00+02:00
شمس نيوز

شعر أبناء المخيمات الفلسطينيّة في لبنان بعد انطلاق معركة "طوفان الأقصى" إنّ فلسطين باتت أقرب منهم أكثر فأكثر. هذا ما يقوله خالد أنس (30 عاماً)، لاجئ من مخيم الرشيدية جنوب لبنان، وهو واحدٌ من 174 ألف لاجئ فلسطينيّ في لبنان موزّعين على 12 مخيّماً.1 يقارن خالد بين حال تلك المخيمات الفلسطينيّة قبل طوفان الأقصى وحالها بعده، ويقول إنّ بعضاً من الفاعلية السياسيّة عادت لها بعد أن أُفرغت في السنوات الأخيرة من نشاطها السياسيّ، وتحوّلت إلى أماكن بائسة يكافح سكانها لأجل لقمة العيش أو الهجرة هرباً من الأوضاع الإنسانيّة القاهرة.

 

يُضيف خالد بالقول إنّه شارك في تشييع الشهيد أبو عامر فندي قبل حوالي شهر، وإنه لأوّل مرةٍ منذ زمنٍ طويل يشعرُ بالفخر أنّه ابن المخيم. يشرح: "لقد أعادت أحداث الجنوب اللبناني الأمل إلى قلوبنا بأننا نستطيع أن نكون فاعلين، ونستطيع حتى أن نعبر حدود فلسطين".

 

منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى لم تهدأ النشاطات السياسيّة التي تنطلق من مخيمات الفلسطينيّين في لبنان، منها المظاهرات أمام سفارات الدول الداعمة للاحتلال، كالسفارتين الأميركية والفرنسية، وغيرهما. كما قصد اللاجئون في مظاهراتهم مقرات الأمم المتحدة في بيروت. هذا عدا عن العمليات المقاومة التي انطلقت من الجنوب لإسناد المقاومة في غزّة، تحديداً من طرف "كتائب القسّام" و"سرايا القدس"، مع غيابٍ ميدانيّ لحركة "فتح" وتشكيلاتها العسكريّة.

 

قسّام لبنان تقدّم كوكبة من الشهداء

قدّمت "كتائب القسّام" في لبنان في معركة "طوفان الأقصى" عدداً من الشهداء ارتقوا في عملياتٍ عسكريّة متفرقة في الجنوب تنوّعت بين اشتباكٍ مسلّح وتسلل وإطلاق قذائف صاروخيّة اتجاه الأراضي المحتلة. منهم الشهيد صهيب كايد من تجمع وادي الزينة، والشهيدان أحمد عثمان ويحيى عبد الرازق من مخيّم عين الحلوة، وثلاثتهم استشهدوا بعد أن فجّروا السياج الحدودي واستهدفوا نقطة مراقبة لجيش الاحتلال واشتبكوا مع جنوده.

 

وكذلك الشهيد خليل خراز الذي قضى في عملية اغتيال إذ قصفت الطائرات الإسرائيلية سيارته في سهل القليلة، ويعد خراز ابن مخيم الرشيدية من أبرز قيادات كتائب القسّام في إقليم الخارج. وقالت كتائب القسام في بيانها إنّ الشهيد "عمل في دعم وإسناد المقاومة في الداخل والخارج وكانت له بصمته الجهادية في الميدان".

 

ومن شهداء القسّام أيضاً الشهيدان وليد الحسنين ومحمد عزام، من مخيم المية ومية، استشهد الأول في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير، واستشهد الثاني في الثاني والعشرين من الشهر ذاته. كان تشييعهما بمثابة عرسٍ وطنيّ، علت فيه زغاريد النساء، والهتافات المطالبة بالثأر والمضي في خيار المقاومة العسكرية. وظهر في التشييع مقاتلو كتائب القسّام، وهو مشهد لم تألفه الأجيال الجديدة في هذا المخيم وغيره من المخيمات المنتشرة على الأراضي اللبنانية.

 

كما قدّمت القسّام سبعة شهداء قضوا في عملية اغتيال الشهيد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسيّ لـ"حماس"، في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهم الشهيد سمير فندي "أبو عامر" ابن مخيم الرشيدية وقائد كتائب القسّام في الخارج، والشهيد أحمد حمود ابن مخيم برج الشمالي، والشهيد محمد الريس من مخيم شاتيلا، والشهيدان محمود شاهين ومحمد بشاشة، وهما لبنانيان يعملان لصالح "حماس" نعتهما أيضاً قواتُ الفجر التابعة للجماعة الإسلامية. وقضى خلال عملية الاغتيال نفسها الشهيد عزام الأقرع، وهو قيادي كبير في القسام وأسير محرّر من مبعدي مرج الزهور. وقد شكّل استشهاد العاروري ورفاقه وتشييعه إلى مثواه الأخير في مقبرة الشهداء بالعاصمة اللبنانية حالةً من الغضب الثوريّ لدى اللاجئين لم تكن موجودة على هذا النحو منذ زمن بعيد.

 

البذرة التي بدأت تُثمر..

ولم يكن النشاط العسكريّ للقسّام في هذه المعركة استثنائياً، بل هو امتدادٌ وثمرةٌ لعملٍ طويلٍ تراكم عاماً بعد عام. وشواهد ذلك كثيرة، منها ما حصل في العام 2014، بالتزامن مع معركة "العصف المأكول"، إذ تبنت خلالها كتائب القسّام على موقعها الرسميّ إطلاق صاروخٍ باتجاه الأرض المحتلة من الجنوب اللبناني. لكن الكتائب عادت وقتها وأزالت البيان عن صفحتها الرسميّة، ويبدو أنّ السبب في ذلك كان على الأرجح الظرف الإقليميّ الصعب في ذلك الوقت.

 

وفي العام 2018، اتهمت السلطات اللبنانيّة خليّةً للموساد الإسرائيلي بتنفيذ محاولة اغتيال فاشلة استهدفت مهندساً يعمل لصالح "حماس" قرب مدينة صيدا يدعى محمد حمدان. وفي نيسان/ أبريل من العام الماضي، 2023، أُطلِقت دفعةٌ صاروخيّةٌ من منطقة قريبة لمخيم الرشيدية باتجاه الأراضي المحتلة، وكان ذلك بالتزامن مع زيارة يجريها رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إلى لبنان، ووُجِّهت حينذاك أصابعُ الاتهام إلى الحركة أنّها قامت بذلك بالتزامن مع تصعيد إسرائيلي ضدّ الأقصى وغزّة في ذلك الوقت.

 

وإذا عدنا للوراء أكثر، نرصد عملية تفجير طالت مركزاً لـ"حماس" في ضاحية بيروت الجنوبيّة عام 2009 استشهد على إثرها شابان من مخيّم برج الشمالي هما باسل جمعة وحسن الحداد، وقد بقيت تفاصيل ذلك التفجير طي الكتمان.

 

وبالعودة إلى اليوم، يقول مسؤول العلاقات السياسية لـ"حماس" في لبنان أيمن شناعة، إنّ حجم معركة "طوفان الأقصى" وما لحقها من مجازر ارتكبها الاحتلال فَرَضَ على الحركة أن تتدخل من ساحة لبنان، ويضيف: "هذه الأسباب كانت محركاً أساسياً لإطلاق القسّام من الساحة اللبنانيّة". وعدا عن العمل العسكريّ، أضاف شناعة أنّ الحركة أطلقت في المخيمات مشروعاً اسمته "طلائع طوفان الأقصى"، في محاولة لإعداد وبناء الشباب في المخيّمات الفلسطينيّة دينيّاً ووطنيّاً وبدنيّاً للمشاركة في مشروع التحرير.

 

السرايا تكمل مسيرتها

أما "سرايا القدس" الذراع العسكريّ لحركة الجهاد الإسلاميّ، فقد قدّمت تسعة شهداء سوريين ولبنانيين قضوا في مهمات وصفتها السرايا بـ"الجهادية" نُفِّذت في جنوب لبنان. منهم الشهيدان رياض قبلاوي من مخيّم عين الحلوة وحمزة موسى من مخيم برج الشمالي اللذين قضيا في عملية تسلل وإطلاق نار خلف السياج الفاصل في جنوب لبنان أدت إلى مقتل ضابطين من جيش العدو وجرح آخرين. ومنهم أيضاً الشهيد محمد فريج الفريج من مخيم برج الـشمالي الذي قضى بقصف إسرائيلي.

 

ونشاط السرايا في لبنان ليس جديداً بطبيعة الحال، فقد أسّست السرايا عملها العسكريّ في لبنان منذ سنواتٍ طويلة، وقد لاحقت "إسرائيل" أبناء هذا الجهاز العسكريّ، فاغتالت الأخوين محمود (أبو حمزة) ونضال المجذوب وسط مدينة صيدا اللبنانية في أيار/مايو 2006. وكان أبو حمزة المسؤول العسكريّ للحركة في لبنان، وتعرّض قبل ذلك لأربع محاولات اغتيال بحسب مصدرٍ في الجهاد الإسلامي. ومن أبرز عمليات هذا الجهاز العسكريّ، عملية شلومي في آذار/ مارس 2002، التي تسلّل فيها مقاومان خلف السياج الفاصل وأطلقا  النّار على حافلة ركاب، مما أدّى لمقتل ستة إسرائيليين وجرح آخرين.

 

ويرى أمين سر العلاقات في الجهاد الإسلامي بلبنان هيثم أبو الغزلان أنّ عمل المقاومة من لبنان مشروع، ويضيف في هذا السياق: "كفلسطينيين نعيش بهذا البلد الذي يتعرض لاعتداءات إسرائيلية متكررة يحق لنا الدفاع عنه". ويؤكد أبو أنّ حركة الجهاد ماضية في عملها العسكريّ، وتعطي أولوية في هذه المرحلة لموضوع اللاجئين في الشتات وتمثيلهم السياسيّ والعسكريّ.

 

هل تعود المخيمات من جديد؟

تفتح هذه المشاركة النضاليّة المتصاعدة لأبناء الفلسطينيين في لبنان البابَ أمام محاولات استعادة فاعلية تلك المخيمات، ونقلها إلى مساحة جديدة من العمل الوطنيّ تُغذّيها دماء الشهداء، وذلك بعد أن غُيّبت هذه المخيّمات لسنواتٍ طويلة، وأُنهكت بالخلافات الداخليّة، وبمحاولات السلطة الفلسطينيّة فرض سطوتها عليها وإخضاعها لأجندتها، وبعد أن فُرّغت من شبابها الذين سلكوا سبل الهجرة واللجوء إلى أوروبا، ومات من مات منهم غرقاً في البحر.

 

كما أنّ هذه المشاركة في معركة "طوفان الأقصى" يمكن أن تُشكِّل فرصةً للاستثمار السياسيّ لصالح حماية قضية اللجوء الفلسطينيّ، والدفاع عن حقّ العودة في الوقت الذي تتربص "إسرائيل" وحلفاؤها بهذه القضية وتسعى لإنهائها بشتى الطرق، كان آخرها تجفيف تمويل وكالة الأونروا.م

اخبار ذات صلة