تزامنا مع حرب الإبادة الجماعية التي يقترفها في قطاع غزة، شّن جيش العدو حربا إستئصالية في الضفة الغربية ومدينة القدس، تنفيذا للفكر الصهيوني الذي تأسس عليه الكيان الإرهابي على أرض فلسطين. بالرغم من أن الحرب الصهيونية على الضفة الغربية والقدس لم تتوقف، على الأقل منذ معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021، إلا أنها توسّعت وتوحّشت، مستغّلة الانشغال العالمي بحرب الإبادة على قطاع غزة.
الهجوم الإرهابي الذي يشنّه يوميا الكيان الصهيوني، بقواته الأمنية المختلفة ومستوطنيه، على الشعب الفلسطيني، منذ السابع من أكتوبر، أفضى الى ارتقاء أكثر من 412 شهيدا واعتقال أكثر من 7000 مواطنا. وفقا للاحصائيات الأخيرة (19/2)، كان عدد الشهداء في مناطق جنين (95 شهيدا)، وطولكرم (76 شهيدا)، والخليل (65 شهيدا)، اغتالهم جيش العدو خلال المواجهات والاقتحامات أو بالقصف الجوي.
وخلال اقتحاماته للمدن والمخيمات، صعّدت القوات الصهيونية المختلفة عمليات هدم المنازل، واقتحام المستشفيات، وتجريف الشوارع والساحات وتدمير البنى التحتية، وخاصة في مخيمي جنين ونور شمس، حتى بات العدو يهدد، في مناشيره الملقاة الى أهل نابلس، بأنه سيجعل من نابلس وبلدتها القديمة شبيهة بمخيم جنين، من ناحية الدمار الذي ألحقه بالمخيم خلال الأشهر الماضية. فعملية الهدم والتدمير الممنهجة التي يقوم بها المستعمرون الصهاينة بكافة أشكالهم، إضافة الى سرقة الأرض والمواشي، والغارات شبه اليومية ضد المواطنين، هي إحدى الوسائل الهمجية لتهجير أهل البلاد بعد قطع سبل الحياة لديهم، ولضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة الصاعدة والممتدة. وقد أفادت معطيات جيش العدو ارتفاع عمليات المقاومة بنسبة 350% في الضفة الغربية عام 2023 مقارنة مع العام 2022.
المقاومة تتواصل وتتطور
لم تتوقف المقاومة في كافة المدن والبلدات والمخيمات، وتطوّرت لتشمل أنواع جديدة من الأسلحة، رغم الاعتقالات اليومية والاقتحامات الليلية، والاغتيالات بالقصف والمسيَّرات القاتلة. لقد دعت قيادة المقاومة الى تصعيد مواجهة قوات العدو في الضفة الغربية والقدس المحتلتين وسائر مناطق تواجد الشعب الفلسطيني، خاصة بعد بدء عملية طوفان الأقصى: "ندعو شعبنا البطل لمواجهة شاملة مع جيش الاحتلال ومستوطنيه في الضفة والقدس والداخل المحتل" (بيان حركة الجهاد الإسلامي 5/11/23).
وأشارت الحركة في بيان آخر (26/11) إلى أن ما يجري في الضفة الغربية ليس بعيدا عن العدوان في غزة، وهي حرب صهيونية هدفها إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره وتنفيذ مخطط الضم والتوسع الاستعماري. لذلك، قالت الحركة "أننا سنواجه هذه الحرب في كل مكان ولن يستسلم شعبنا أمام هذا العدوان والارهاب وسنقاتل العدو بكل ما نملك ونحن على ثقة بأن الباطل الصهيوني سينتهي وسيزول."
بالمقابل دعت حركة حماس في بيان لها (31/10) "أهلنا في كل مدن وقرى الضفة الغربية لرفض الاعتقال ومقاومته، والاشتباك مع قوات الاحتلال، والنفير العام لمواجهة جرائمه ومستوطنيه الذين يعيثون فساداً في الضفة ويهددون شعبنا بالتهجير منها".
وكان الشهيد الشيخ صالح العاروري قد صرّح بعد شهر من بدء المعركة: "سنرى قريباً رداً مشرفاً من الضفة الغربية، والضفة لم تخذلنا يوماً رغم أنه ألقي عليها ثقلاً هائلاً ورغم إجرام الاحتلال فيها. هذه المعركة اسمها طوفان الأقصى هذه ليست معركة غزة، هذه معركة القدس ويجب أن يتحرك مع هذه المعركة كل أحرار العالم الذين عندهم ضمائر إنسانية." (8/11/23).
المشاركة في معركة "طوفان الأقصى"
اندفع الشباب وشكّلوا مجموعات قتالية في كافة المناطق، الى جانب المجموعات التي كانت تعمل قبل معركة "طوفان الأقصى"، حيث بات الجميع مقتنعا أن لا سبيل للمحافظة على الأرض وتحريرها إلا بالمقاومة المسلحة أولا، وأن المشاركة في معركة "طوفان الأقصى" واجب وطني، يجب ألا يقتصر على المظاهرات المندّدة بحرب الإبادة والمطالبة بفتح معبر رفح.
قبل أيام، نفّذ 3 مقاومين من بيت لحم عملية هجومية ضد جيش العدو على حاجز "الزعيم" في القدس المحتلة (22/02) ونفذ الشهيد المقدسي فادي جمجوم من مخيم شعفاط عملية هجومية على مستوطنين في "كريات ملاخي" المقامة على أراضي القسطينة، البلدة الفلسطينية المدمرّة، وفجّرت كتيبة طولكرم – سرايا القدس عبوة ناسفة عن بعد بمركبة مستوطنين في بلدة برقة، وبعد رصد دخولها الى مخيم جنين ومحاصرة منزل، استهدفت المقاومة في المخيم قوة خاصة صهيونية ودامت الاشتباكات حوالي 8 ساعات حتى تراجع الصهاينة المقتحمين.
وقبلها، اشتبك المقاومون في بلدة قباطية مع قوة صهيونية (19/02)، واستهدفوا آليات "جيش الاحتلال بعبوات ناسفة شديدة الإنفجار وإصابوا جرافة عسكرية إصابة مباشرة بعبوة ناسفة" وأعلنت وحدة الهندسة في سرايا القدس- قباطية أن "مجاهدينا يمطرون الآليات المقتحمة للبلدة بوابل كبير من العبوات المتفجرة والناسفة ولا زالوا يتصدون لآليات العدو بشراسة".
في شهر يناير/كانون الثاني 2024 مثلا، بلغ مجموع عمليات المقاومة 70 عملية اطلاق نار، و60 اشتباكا مسلحا، إضافة الى 9 عمليات ألقاء زجاجات حارقة، وسّجل 249 مواجهة مباشرة مع قوات العدو.
وفي الشهر ذاته، في يوم 7/01، فجرت المقاومة عبوة ناسفة في وحدة خاصة في حي الجابريات بجنين، أسفرت عن مقتل مجندة وإصابة 3 جنود وضباط من وحدة ماجلان.
وفي يوم 12/01، تسلل 3 مقامون الى مستوطنة "أدورا" المقامة على أرض ترقوميا غرب الخليل ونفذوا عملية اقتحام وإطلاق نار أدت لإصابة مستوطن، واستشهد المقاومون من عائلة أبو جحشية.
وفي يوم 15/01، نفذ مقاومان من بلدة بني نعيم بالخليل عملية دهس وطعن مزدوجة في مستوطنة رعنانا شمال تل ابيب، أسفرت عن مقتل مستوطنين وجرح 20 آخرين.
وسجّل مركز معلومات "معطى" لشهر يناير أن الاشتباكات المسلحة مع جنود الاحتلال حصلت في نابلس وجنين وطولكرم ورام الله وطوباس وقلقيلية واستهدف إطلاق النار المستوطنات والحواجز في جميع أنحاء الضفة الغربية.
منذ بداية "معركة طوفان الأقصى"، أعلنت الحركات المقاومة مشاركتها بالمعركة من خلال تصعيد هجماتها على جنود العدو والمستوطنات وتوسيع رقعتها. لقد أعلنت كتائب سرايا القدس، في جنين وبلداتها، وجبع وطولكرم ومخيماتها وطوباس والخليل وقلقيلية ونابلس وأريحا، عن تنفيذ عمليات اقتحام وتصدي ونسف واطلاق نار وإعطاب آليات للعدو، بالمشاركة مع مقاومين من حركات أخرى (كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى).
أعلنت سرايا القدس – كتيبة جنين في بيان (14/12/2023) أنه "تم استهداف قوة راجلة كانت متمركزة بساحة مخيم جنين بعبوة ناسفة حققت إصابات مباشرة في صفوف جنود الاحتلال... قامت مجموعة اخرى من المجاهدين وبعد دقائق من كمين قنص الجنود باستهداف فرقة جنود متمركزة أمام مسجد الأسير". وجاء قبلها في بلاغ عسكري (27/10/2023) أن "جند الكتيبة خاضوا بكل قوة واقتدار عملية تصدي ومواجهة استمرت عدة ساعات وحققوا الإصابات المؤكدة والمباشرة في صفوف العدو وأوقعوهم في سلسلة من الكمائن وحقول النار والعبوات المتفجرة والناسفة". ونفذت الكتيبة "عملية استدراج" على أطراف المخيم لقوات العدو.. وإيصالهم الى "أهداف ونقاط مجاهدين وهمية" (3/11/23) وفور وقوعهم في الكمين تم تفجير سلسلة من العبوات المتفجرة في آليات الاحتلال وإعطاب عدد منها ومهاجمة القوات من مسافة مباشرة بصليات كثيفة ومتتالية من الرصاص بشكل مباشر".
أما في 7/01/2024، أقرّت قناة "كان" العبرية أن كمين جنين كان مزدوجا والقوة "الإسرائيلية" تعرضت لتفجير قنبلة وعندما استدارت للانسحاب انفجرت بها قنبلة أخرى. وجاء في بيان كتيبة جنين: "وإنا كنا قد حذرنا هذا المحتل المهزوم بأن دماء قادتنا الشهداء لن تذهب هدراً ولن تزيدنا الا عزماً وإصراراً على مواصلة الطريق وانكم كنتم قد أخطأتم بدراسة كتيبة جنين، ولأننا نراهن على غبائكم دائماً فقد استطعنا استدراجكم بعد ان نشرنا فيديو المناورة الأخير وبعون الله وفضله قد توفقنا في إيقاعكم في كمين ناري ونؤكد لكم ان ما ينتظركم لأدهى وأمّر .."
شاركت الحركات المقاومة في كافة انحاء الضفة الغربة والقدس في عمليات التصدي للاقتحامات وفي تنفيذ عمليات هجومية على الأعداء الصهاينة. نجح مقاومون بإسقاط طائرة مسيرة تابعة لجيش الاحتلال أثناء الاشتباكات في بلدة قباطية جنوب جنين (25/11) ونفذت كتائب القسام عمليات اقتحام لمستوطنات في الخليل، كما أعلنت كتيبة العياش - غرب جنين أن "ضمن معركة طوفان الأقصى أطلق مجاهدونا صاروخ قسام "1" تجاه مستوطنة "شاكيد" رداً على جرائم الاحتلال في غزة والضفة وبحق الأسرى والأقصى (22/11/2023) وأعلنت كتائب القسام في 30/11/23 مسئوليتها عن عملية القدس "لتؤكد على أن هذه العملية تأتي ضمن مسؤولية الردّ على جرائم الاحتلال بقتل الأطفال والنساء في قطاع غزة والضفة المحتلة، وتدنيس المسجد الأقصى والمقدسات".
في نابلس، واصلت مجموعات عرين الأسودعملياتها في المدينة وأعلنت عن "تنفيذ أكثر من أربعة عشر عملية إطلاق نار في منطقة نابلس وما يحيطها من منطقة دير شرف إلى إلتفافي زواتا إلى نقطة جرزيم ونقطة عيبال وايتمار وألون موريه ومنطقة المربعة ومازلنا مستمرون... أبانا وأخانا أبا خالد وللقائد صالح العاروري ولكل قادة المقاومة نقول: لن تكون الضفة الغربية إلا سيفا ودرعا لكم بإذن الله" (9/11/2023).
كما أعلنت كتيبة "الرد السريع" في طولكرم عن عمليات إطلاق نار والتصدي لاقتحامات العدو في المدينة: "تصدى مقاتلونا للآليات المقتحمة بكل بسالة وعنفوان بالرصاص والعبوات شديدة الانفجار، ونؤكد أننا لن نساوم ولن نهادن، ونحن على العهد باقون (بيان 7/12/2023).
واستهدف مقاومون البرج العسكري وجنود العدو بزجاجات حارقة خلال مواجهات على مدخل مخيم العروب (31/10/2023) وقام شبان بحرق برج لجيش العدو في مخيم عايدة (1/11/2023).
هذه العمليات البطولية جزء صغير من التي أرّقت العدو وتؤرقه، وخاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك واستمرار المعركة في قطاع غزة.
رغم توسعّها وتصعيدها، لم ترتق بعد هذه العمليات البطولية الى "انتفاضة"، أي دخول الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية في المواجهة الشاملة مع قوات العدو. ذلك لأسباب عديدة، من أهمها موقف "السلطة الفلسطينية" من المعركة وتصرفات أجهزتها الأمنية، التي ما زالت تلاحق المقاومين، وتزج بهم في معتقلاتها.
لم تكتف "السلطة" في رام الله بعدم مساندة معركة "طوفان الأقصى" والدفاع عن المقاومين، بل سعت وتسعى للضغط على المقاومة، كما صرّح محمود عباس مطالبا "حركة حماس بسرعة إنجاز صفقة الأسرى، لتجنيب شعبنا الفلسطيني ويلات وقوع كارثة أخرى لا تُحمد عقباها، ولا تقل خطورة عن نكبة عام 1948". كما تشارك سلطة رام الله في خطط أميركية وعربية وأوروبية لإنهاء المقاومة وكسر حاضنتها الشعبية. فلم تتحرك ضد عدوان الصهاينة في الضفة الغربية والقدس، إلا بمطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لـ"لجم الاحتلال"، في الوقت الذي تطارد فيه أجهزتها الأمنية المقاومين وتعتقلهم، وخاصة في مخيمي جنين ونور شمس (طولكرم) وتمنع المظاهرات الرافضة لزيارات المسؤولين الأميركيين الى رام الله.
لقد أصدرت سرايا القدس - كتيبة جنين بيانا مهما في (1/1/24) قالت فيه: ".. ما زلنا نواجه هنا ظلم أبناء جلدتنا وديننا مستغلين عذابات شعبنا وآلامه وضاربين بعرض الحائط كل مفاهيم الانسانية والوطنية .. فمنذ معركة "بأس جنين" والأجهزة الامنية آخذة على عاتقها ملاحقة مجاهدينا واستهداف أبناء شعبنا. فتمثل ظلمهم بإعتقال المجاهدين وملاحقتهم ومصادرة سلاحهم بل واطلاق النار المباشر باتجاههم .. تفاجأنا بالأمس بملاحقة وقتل الشاب المجاهد ابن كتيبة برقين احمد عبيدي.. وكنا قد تجنبنا الصدام وحرصنا أن لا يكون لهم للصدام معنا اي ذريعة او سبيل الا انهم لم يكفوا عن صدامنا وملاحقتنا، بل حتى انهم لم يقفوا في موقف الحياد.. فالآن اصبحت الصورة أوضح من أي وقت مضى وجميعنا رأينا ونرى التقصير المتعمد في إعادة الاعمار والعمل في الشوارع والبنية التحتية داخل المخيم، بهدف ضرب الحاضنة الشعبية وفقدان الاهالي الثقة بالمقاومة، مستغليين معاناة الاهالي".
أمام الإجرام الصهيوني المتصاعد في الضفة الغربية وانفلات المستوطنين ضد المواطنين في كل المناطق، ومن أجل التعتيم على مسؤولية الكيان الصهيوني، بكل أجهزته العسكرية والأمنية، بالحرب الاستيطانية والتدميرية في الضفة الغربية، اتخذت بعض الدول الأوروبية مبادرة ملاحقة بعض المستوطنين المتوحشين واقصائهم، بدلا من ملاحقة الكيان الإرهابي الساعي الى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه. تريد هذه الدول التغطية على مشاركتها السابقة والحالية بالحرب الصهيونية، بتوجيه الأنظار نحو المستوطنين الهمج وكأنهم أقلية خارجة عن "القانون" في حين أن كيان العدو الصهيوني بكامله، ومنذ إقامته على أرض فلسطين، هو معادٍ للقانون الإنساني والأخلاقي والديني، حتى وإن اعترفت بإقامته ظلما هيئة أممية تسيطر عليها الدول الاستعمارية.