شمس نيوز / عبدالله عبيد
لم تغب مشاهد الدمار والقصف وألوان الدماء الملطخة بها الجثث الملقاة في كل مكان، ولحظات اللجوء، عن بال الأهالي في قطاع غزة، قبل أن يمضي عام كامل على الحرب الأخيرة، فهذه المشاهد الدموية تكررت فصولاً في حياة الفلسطينيين، منذ عام 1948 إلى يومنا هذا، ليستذكر هؤلاء معاناة تلو المعاناة، من نكبة إلى نكسة إلى حروب مدمرة.
هذه حياة الشعب الفلسطيني التي قدرها الله له في ظل المأساة التي عاشوها ولازالوا يعيشونها جراء الاحتلال الذي سرق الأرض ونهب الحلم وقتل الطفولة وطرد الذكريات.
وأسفر عدوان 2014 على قطاع غزة، والذي استمر 51 يوماً، عن قتل وإصابة آلاف الفلسطينيين وشرّد مئات العائلات بعد تدمير منازلهم بشكل كلي أو جزئي، فمن هُدم منزله كلي استأجر شقة سكنية ومنهم من التجأ إلى مراكز الإيواء، أما من هدم منزله جزئيا فقد استصلح ما يمكن استصلاحه للسكن فيه.
أكبر نكبة
"شمس نيوز" قابلت عددا من المواطنين الذين تم تدمير منازلهم في غزة خلال الحروب الإسرائيلية. ففي أحد مراكز إيواء منكوبي الحرب قابلنا المواطن سعيد أبو علي ( 58 عاماً) من بلدة بيت حانون شمال القطاع، والذي دُمّر منزله بشكل كلي خلال الحرب الأخيرة.
يقول أبو علي: منذ عام وأنا على هذه الحال التي أعيشها دون اكتراث أي مسؤول لنا"، مبيّناً أن لحظة نزوحه من منزله وتدمير بيته كانت أكبر نكبة له.
وأضاف: أبي وأجدادي فقدوا منازلهم بـ(عراق سويدان) في فلسطين التاريخية، ولجئوا إلى بيت حانون، لنفقد نحن من بعدهم منزلنا، وخوفي من الأيام ألا نعود كما أجدادي".
أما المواطن أبو أحمد العمري (44 عاماً) والذي يقطن في مخيم البريج وسط قطاع غزة، فيبيّن أن قصة لجوء أهله عام 1948 من قريته "حمامة"، متشابهة إلى حد كبير مع قصة لجوءه وعائلته عام 2014 بعد تدمير منزله بالكامل في الحرب الأخيرة.
ويقول العمري لـ"شمس نيوز": أخبرني والدي رحمة الله أنهم تركوا أرضهم وديارهم عام 48، بعد صلاة الفجر، حيث انهالت القذائف عليهم من كل حدب وصوب، وهكذا نحن تم قصف منزلنا بعد صلاة الفجر".
لا تعد ولا تحصى
قصص كثيرة تجدها في عالم الفلسطينيين والغزيين على وجه الخصوص، فنكباتهم كثيرة لا تعد ولا تحصى، فكم من عائلة دون منزل وكم من أسرة فقدت شهيدا وأسيرا، لتصف الحاجة أم خليل أبو جمل (62 عاماً) الحالة التي تعيشها الآن بأنها "أسوأ الأيام في حياتها".
وتشير أبو جمل في حديثها لـ"شمس نيوز" إلى أنها فقدت منزلها مرتين خلال الحرب الأولى عام 2009 والأخيرة عام 2014، مضيفة: الآن أسكن في مدرسة، وأحيانا يأخذني ابني إلى منزله".
وأردفت قائلة: حياتنا كلها حروب، عام 1948 كانت الحرب ضد أهلي وأجدادي والآن نحن، حيث أننا تعرضنا لثلاث نكبات في غزة، ولم يتطلع لنا أحد"، مطالبة السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس بالنظر إلى قطاع غزة وحل مشكلاته المتفاقمة.
حال أم خليل ينعطف على حال كثيرين غيرها، ليروي المواطن نزار السيد (48 عاماً) من حي الشجاعية معاناته في الحرب الأخيرة، والتي تشبه نكبة عام 1948، فمشهد هروبه وعائلته في إحدى ليالي الحرب عندما اشتدت وطأتها، والقذائف تنهال عليهم كالمطر، لا يختلف عن مشهد هروب الفلسطينيين من ديارهم قبل 67 عاما، تحت ضربات العصابات الصهيونية، بحسب تعبيره.
وبيّن السيد لـ"شمس نيوز" أنهم كانوا يمرون فوق العشرات من الجثث دون معرفة أحد، " لم يكن في همنا سوى أن نخرج سالمين من هذه المنطقة"، لافتاً إلى أن هذا المشهد قد رآه عبر شاشات التلفاز يجسد النكبة الفلسطينية، وكيف دخلت عصابات الهاغاناة القرى والمدن الفلسطينية آنذاك.
وتعتبر النكبة الفلسطينية عام 1948م المأساة الإنسانية الكبرى المتعلقة بتشريد عدد كبير من أبناء الشعب الفلسطيني خارج دياره، لذلك أطلق الفلسطينيون هذا الاسم على تهجيرهم حتى أصبح الخامس عشر من مايو يمثل يومًا حزيناً للفلسطينيين يحيون فيه ذكرى نكبتهم.