مع عودة وفد حركة «حماس» من القاهرة إثر فشل جولة المفاوضات الأخيرة حول التهدئة وتبادل الأسرى بينها وبين حكومة الاحتلال، أكّدت مصادر فلسطينية أن تعثّر المفاوضات بدأ أساساً من تراجع الأطراف الأربعة التي أعدّت ورقة باريس، أي الولايات المتحدة ومصر وقطر و"إسرائيل"، في نهاية كانون الثاني الماضي، عن بنود الورقة، وإلغاء ترابط المراحل الثلاث، وحصر البحث في مرحلة واحدة، هي المرحلة الأولى التي تشمل إطلاق 40 أسيراً "إسرائيلياً".
وأكّدت المصادر أن «ما هو مقترح الآن لا يلبّي الحد الأدنى من طلبات المقاومة أو حاجات قطاع غزة، وأن فصائل المقاومة التي فوّضت حماس اتخاذ الموقف المناسب، كانت اتّفقت مع قيادة الحركة على ضرورة إعادة الجميع إلى ورقة باريس الأولى، وأن يكون هناك التزام من جانب الولايات المتحدة ومصر وقطر بوجود تهدئة مستدامة تقود إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار».
وشدّدت على أنه «لا يمكن الموافقة على هدنة تبقي قوات الاحتلال منتشرة في كل مناطق القطاع، وتمنع التواصل بين سكان شماله وجنوبه. يجب سحب هذه القوات من أماكن تواجد المدنيين، وإلغاء أي رقابة لقوات الاحتلال على تحرّك الأهالي بين الشمال والجنوب».
كما أوضحت «حماس»، وفق المصادر نفسها، للوسيطين المصري والقطري أن «البند الخاص بإدخال المساعدات إلى القطاع هو بند عام. والتجربة تقول إن هناك حاجة إلى الاتفاق على آليات مفصّلة تضمن وصول المساعدات إلى القطاع. والموافقة على إدخال 500 شاحنة تبقى من دون فائدة، ما لم يتم الاتفاق على آلية تضمن وصولها إلى المحتاجين وتنظيم عملية التوزيع".
على خط مواز، علمت «الأخبار» أن "إسرائيل" حصلت على موافقة الولايات المتحدة على إيصال المساعدات من خلال الجو أو من خلال البحر، وأن الاتصالات الجارية مع عواصم عربية هدفها توفير آلية تسهّل وصول المساعدات عن طريق البحر. وفي هذا السياق، وصل وفد عسكري من الإمارات إلى كيان العدو للمشاركة في اجتماعات تخصّ المرحلة المقبلة في قطاع غزة. ويأتي ذلك فيما يواصل جيش العدو العمل، بالتعاون مع جهات فلسطينية معادية لـ«حماس»، على خلق حالة من الفوضى في أكثر من منطقة من القطاع، حيث تتركّز جهوده الآن على نشر مجموعات مسلّحة تتبع لشخصيات أو عائلات بحجة توفير الأمن وإدارة المساعدات، وفق ما تفيد به مصادر مطّلعة "الأخبار".
وعلى رغم الترحيب "الإسرائيلي" بإعلان الولايات المتحدة أن الرئيس جو بايدن، أمر الجيش الأميركي بإنشاء ميناء في قطاع غزة لإيصال المساعدات عبر ممر بحري من قبرص، من دون أن يعني ذلك إنزال جنود أميركيين على الأرض في القطاع، إلا أن واشنطن ظلت تُظهر استياءها من إدارة بنيامين نتنياهو للحرب وتأثيرها على مصالحها في المنطقة.
وفي هذا السياق، أوردت صحيفة «واشنطن بوست»، في مقال لديفيد إغناتيوس، أن بايدن يدرس سبلاً لمنع "إسرائيل" من استخدام أسلحة أميركية إذا هوجمت مناطق مدنية في رفح. وعلى رغم أن الرئيس لم يتخذ قراره بعد، وفق التقرير، إلا أن مناقشة مسؤولين بارزين لهذه المسألة، تعكس "القلق" الأميركي المتزايد من تداعيات الأزمة الإنسانية في غزة على المصالح الأميركية في المنطقة، والخلافات المتزايدة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" حول عملية رفح.
والاستياء الأميركي من نتنياهو انعكس أيضاً في كلام الأخير، الذي تحدّث عن «ضغوط دولية متزايدة»، داعياً إلى «توحيد الصف، والوقوف معاً أمام محاولات وقف الحرب»، ومصرّاً على أن «الجيش سينفّذ عمليات مضادة لحماس في جميع أنحاء القطاع، بما في ذلك في رفح، آخر معقل للحركة، ومَن يأمرنا بألا نتحرك في رفح، يأمرنا بأن نخسر الحرب، وذلك لن يحدث». وكان موقع «واينت» العبري قد ذكر أن "إسرائيل" فوجئت بتقرير «واشنطن بوست»، على رغم أن مسؤولين أميركيين ما فتئوا يوضحون "للإسرائيليين" منذ مدة أنهم لن يدعموا عملية في رفح "من دون خطة واضحة لإجلاء المدنيين".
إلا أن تقرير «واشنطن بوست» يشير إلى أن استمرار إرسال شحنات الأسلحة الأميركية إلى "إسرائيل"، يؤكد أنه على رغم الخيبة الأميركية من تعامل حكومة نتنياهو مع نصائح واشنطن، غير أن الأخيرة لا تزال لا تستجيب لدعوات وقف تلك الشحنات للضغط على نتنياهو بهدف خفض عدد القتلى المدنيين في غزة، وزيادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وبلغ عدد شحنات الأسلحة التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى "إسرائيل"، منذ السابع من أكتوبر، نحو 100 شحنة. وبحسب مسؤول بارز في جيش الاحتلال تحدّث إلى «واينت»، فإن "إسرائيل لا يمكنها القول إن ثمة شيئاً لم تحصل عليه. لقد أُعطيت كل ما تحتاج إليه، إلا أننا لسنا واثقين من أن الأمر سيستمر على هذا النحو".
أما في ما يتعلق بالميناء الذي تنوي واشنطن إقامته في غزة، فنقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين أميركيين كبار القول إن «العملية لن تتطلّب قوات أميركية على الأرض. فالقوات ستظلّ في سفن قبالة الساحل» مع مشاركة حلفاء آخرين في التنفيذ. وأعاد هؤلاء التأكيد أن وقفاً مؤقّتاً لإطلاق النار ضروري للإسراع بدخول شحنات المساعدات.